الرسالة الكيماوية للمعارضة: نحو "داعش" وأخواته

22 اغسطس 2014
غض طرف دولي عن جريمة الكيماوي (أرشيف/Getty)
+ الخط -
أظهرت جريمة الضربة الكيماوية عجز الإرادة الدولية عن تطبيق أي من أحكام الشرعية ومواثيقها التي تتعلق بأبسط حقوق الشعوب، وخصوصاً حين يتعارض تطبيق هذه الأحكام مع مصالح الدول الكبرى وحلفائها، خصوصاً إسرائيل.

كما أعطى التفاهم الروسي الأميركي بشأن المجزرة، الضوء الأخضر للنظام في دمشق ليرتكب ما يشاء من انتهاكات بحق من يعارضه، وجعله في حل من خط الرئيس الأميركي باراك أوباما الأحمر، الذي ظل يلاحقه على مدار الفترة اللاحقة للضربة الكيماوية، إذ أدرك بعد مجزرة الكيماوي أن لا خطوط حمراء أمامه في قتل السوريين وبالطريقة التي يريدها.

ربما تكون جريمة الكيماوي هي الحدث الأبرز الذي جعل النظام يتعنّت في رفض أي حل سياسي، والذهاب باتجاهات تضمن له البقاء أطول مدة ممكنة في السلطة بغضّ النظر عن الوسائل التي يتبعها. وقد تجلّت مظاهر هذا التعنت باستخفاف النظام بكل الجهود الدولية التي بذلت للتوصل إلى تسوية سياسية في جنيف، وذهابه باتجاه مسرحية الانتخابات الرئاسية من أجل قطع الطريق أمام أي حل سياسي.

وتلقّت المعارضة السياسية من خلال جريمة الكيماوي، وما تبعها من توافقات دولية، رسالة مفادها أن موضوع التدخل الدولي الحاسم لحل القضية السورية هو أمر غير مطروح على المدى المنظور، وأن المطلوب الإبقاء على توازن قوى يُبقي على حالة استعصاء عسكري وسياسي، من شأنه إطالة أمد الأزمة قدر المستطاع لاستنزاف كافة الأطراف، وأن دعوات التدخل الدولي من أجل إنشاء مناطق عازلة، أو مناطق حظر جوي، أو حتى ممرات إنسانية، هي دعوات غير مقبولة بالنسبة إلى الأطراف الدولية المتدخلة بالشأن السوري، ولا مصلحة لأي منها في المساهمة بإقامتها.

ولعل أبرز تجليات الضربة الكيماوية، كانت على مستوى الوسط المعارض، الشعبي منه والعسكري، إذ فقد هذان الوسطان آخر ذرة ثقة بالمجتمع الدولي، وبالتالي بالجهات السياسية التي تمثّلهم في الخارج (من مجلس وطني، وائتلاف)، كون تلك الجهات تعتمد في عملها على علاقاتها مع الأطراف الدولية، الأمر الذي ساهم بذهاب قسم من الحاضنة الشعبية للمعارضة إلى تأييد التشكيلات العسكرية ذات الاتجاهات المتطرفة، التي أجادت قراءة احتياجات سكان المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وساهمت بتأمين متطلبات حياتهم اليومية، من خلال الدعم المالي الهائل الذي تتلقاه.

كما دفع هذا الأمر بالكثير من التشكيلات العسكرية التي كانت تحت مسمى "الجيش الحر"، إلى الانضواء تحت ألوية التشكيلات السلفية التكفيرية ومبايعتها، (كجبهة النصرة وداعش)، إذ زادت شعبية تلك التشكيلات ونفوذها بعد الضربة الكيماوية في معظم المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وهو هدف طالما سعى النظام للوصول إليه من أجل تصوير الثورة السورية على أنها إرهاب.

فالمجتمع الدولي، من خلال تخاذله وغض طرفه عن جريمة الكيماوي التي ارتكبها النظام، ساهم في خلق حالات من التطرف لم يكن ليعرفها المجتمع السوري لولا شدة العنف التي مورست بحقه. ويقول رئيس ومؤسس "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، لـ"العربي الجديد"، إن النظام السوري استخدم قبل مجزرة الغوطة، غازات يُعتقد أنها كيماوية في 28 حادثة، منذ 23 ديسمبر/كانون الأول 2012 في حي البياضة بحمص، وآخرها كان في 21 يوليو/تموز 2013 واستهدفت حي مخيم اليرموك جنوبي دمشق، وخلّفت ما لا يقل عن 83 قتيلاً وإصابة 1271 آخرين، لتأتي مجزرة الغوطة في وقت يكون فيه الهواء أبرد ما يمكن، حتى يحصد الهجوم بالغازات السامة أكبر عدد ممكن من القتلى.

وقد وقّعت الحكومة السورية بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2013، على الانضمام لاتفاقية نزع وتدمير الأسلحة الكيماوية، وبتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2013 صدر القرار 2118، وتضمّن بنداً ينصّ على تدخل مجلس الأمن تحت الفصل السابع في حال الإخلال بالاتفاق من قِبل الحكومة السورية.

ويشير عبد الغني الى أن السوريين استبشروا خيراً بهذا القرار، وأن من قتل أبنائهم لن يفلت من العقاب، خصوصاً أنه قد صدر تحت الفصل السابع. وأضاف: "فعلاً فقد توقف النظام السوري لمدة عن قتل السوريين عبر استخدام الغازات السامة، واستمرت عمليات القتل عبر التعذيب، وصواريخ سكود، والقنابل البرميلية، والذخائر العنقودية، والمدفعية، والهاون".

ويلفت الى أن "هذه الأسلحة التقليدية هي التي قتلت 99 في المئة من السوريين، بينما كل الهجمات بالأسلحة الكيماوية قتلت 1 في المئة". ويلفت عبد الغني الى أنه "بعد برود الموقف الدولي تجاه النظام السوري، والحماية الروسية والصينية، عاد مع بداية عام 2014 لاستخدام الغازات السامة، إذ سجّلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 27 حادثة لهجمات بغازات يُعتقد أنها سامة، استهدفت 11 منطقة واقعة في ثلاث محافظات هي ريف دمشق، وحماه، وإدلب، وأدت تلك إلى مقتل 35 شخصاً، وإصابة ما لا يقل عن 920 آخرين.

وبحسب الناشط السوري الحقوقي، فإن كل الهجمات التي وقعت بعد صدور قرار مجلس الأمن 2118، لم تكن بغاز السارين، وإنما بغاز الكلور الذي يُعتبر أقل تأثيراً من السارين، إلا أن الهدف الرئيسي من استخدامه هو نشر الذعر بين الأهالي، وقد تحقق ذلك.
دلالات