قوّة المالكي من ضعف خصومه

01 ابريل 2014
ضعف الخصوم من أقوى أوراق المالكي (أحمد الربيعي، getty)
+ الخط -

تفيد الترجيحات بأن الانتخابات العراقية ستحصل في موعدها المقرر في 30 أبريل/ نيسان الجاري، إلا إذا طرات مستجدات سياسية على وقع المواجهات الدائرة في الأنبار.
وأمام هذا الواقع، والانهيار الأمني والاقتصادي والاجتماعي والخدماتي، لا تزال حظوظ المالكي هي الأوفر للفوز بولاية ثالثة.
ويبدو أن المالكي مقتنع انه سيحصل على هذه الولاية، لذلك فهو لا يتوانى عن فتح جبهات متعددة ضد الشركاء والخصوم على حد سواء. وأصبح الفوز بهذه الولاية مسألة حاسمه له، كون أن أي رئيس وزراء جديد سيفتح ضده ملفات فساد.

التحشيد الطائفي

استفاد المالكي من حالة الاستقطاب الطائفي، الذي نتج عن تداعيات الثورة السورية، ما ساهم في دفع العشائر السنية العربية في العراق إلى التطلع لتحقيق مطالبها، واسترداد حقوق سلبتها منها حكومة المالكي.
لكن في المقابل، دفع المالكي بجيشه لقمع العشائر المعتصمة، الأمر الذي دفع بالأخيرة إلى حمل السلاح كوسيلة لاسترداد حقوقها. وما كان من المالكي الا استغلال هذا التمرد، معولاً على تغلغل بعض عناصر "القاعدة" فيه، ومصوراً معركته على أنها "حرب ضد الارهاب".

وبدأ الرجل يقدم نفسه على أنه "القائد الأقوى" و"حامي الشيعة" من الهجمة السنية "التكفيرية"، وأنه "مختار العصر"، كما يطلق عليه أنصاره (إشارة إلى المختار الثَّقفي الذي قُتل في العام 67 هجري).
وقد أدى التحشيد الطائفي إلى تعاظم جمهور المالكي من عامّة الشيعة، إضافة إلى ازدياد عدد أنصاره من الفصائل الشيعية المتشددة والمدعومة من إيران، مثل "عصائب أهل الحق" و"منظمة بدر" و"كتائب حزب الله"، و"حزب الله- العراق".

ومع أن حرب الأنبار أتت بما لا يشتهيه المالكي، لأنه كان يتوقع أن يحسمها في غضون أسبوع واحد، الا أنها فاقمت من التحشيد الطائفي الذي يرى كثيرون أنه يصب في نهاية المطاف لصالح المالكي وحلفائه في"إئتلاف دولة القانون".


استغلال موارد الدولة

استطاع المالكي توسيع نفوذه من خلال السيطرة على وزارات ومؤسسات رئيسية، كما حصل مع وزارات الداخلية والدفاع بالإضافة إلى أجهزة المخابرات.
وتمكن أخيراً من وضع وزارة المالية تحت سيطرته بعدما أجبر وزير المالية السابق، رافع العيساوي، على التنحي وحل محله بالوكالة وزير التخطيط علي الشكري، وعاد في ديسمر/ كانون الأول الماضي، ليعين صفاء الدين الصافي، المتحالف مع ائتلافه، وزيراً بالوكالة.


كما استطاع أن يسيطرعلى الهيئات المستقلة مثل البنك المركزي العراقي، والقضاء الذي استطاع المالكي من خلاله إقصاء المئات من خصومه لإخلاء الساحة له.
ويتهم المالكي أيضاً باستخدام موارد الدولة في دعم الفصائل الشيعية المتشددة المذكوة آنفاً، وفتح أبواب الالتحاق بالمؤسسات الأمنية. هذا إضافة إلى استخدامه أموال الدولة لتأسيس وتسليح ما يعرف بـ"مجالس الإسناد"، وهي عدد من أفراد العشائرفي المحافظات الوسط والجنوب.

من المرجح عدم إجراء الانتخابات في المناطق السنية التي تشهد اشتباكات بين الجيش والمسلحين، خصوصاً محافظة الأنبار وديالى والموصل وبعض المناطق في ضواحي بغداد. كذلك يُتوقع عزوف كبير عن المشاركة لأنهم لا يرون أي جدوى من ذلك، خصوصاً بعد فشل القادة السنة في تحقيق مطالبهم على مدى السنوات السابقة.
وهذا في النتيجة سيزيد من حظوظ المالكي في الحصول على ولاية ثالثة، لأنه سيضعف خصومه، ويضمن تعزيز وضع حلفائه من السنة العرب الذين يعوّل على التحالف معهم بعد الانتخابات المقبلة.
يتوقع كثيرون أن تتخلل انتخابات أبريل/نيسان الجاري عمليات تزوير واسعة النطاق. وقد تعزز هذا التخوف بسبب إجرائها تحت حماية قوات الأمن الموالية للمالكي، بالإضافة إلى سهولة عملية تزوير بطاقات الناخب الإلكترونية التي تُستخدم للمرة الأولى في الانتخابات.
فقد تم الكشف عن وجود تكرار لأسماء الناخبين في السجلات الشخصية، إضافة إلى الاعتماد على البطاقات التموينية في تحديث سجلات الناخبين، والتي تحتوي على عشرات الآلاف من الأسماء الوهمية، بحسب منظمات عراقية مستقلة.


ضعف الخصوم وتشتتهم

ومن المتوقع أن يكون رئيس الوزراء العراقي المقبل من كتلة "الائتلاف الوطني". وكما هو معلوم، فإن هذا الائتلاف يتكون من ثلاث كتل رئيسية: "كتلة الأحرار"، التابعة للتيار الصدري والذي كان يتزعمه مقتدى الصدر قبل إعلان اعتزاله، و"كتلة المواطن"، التابعة إلى المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، بقيادة عمار الحكيم، إضافة إلى "ائتلاف دولة القانون" بزعامة المالكي.
وبعد إعلان الصدر اعتزاله، وتنديده بأعضاء "كتلة الاحرار"، واصفاً إياهم بـ "السُّراق" "الفاسدين" في فبراير/ شباط الماضي، لم يبق الصدر لمرشحي هذه الكتلة حظوظاً كبيرة للفوز والحصول على رئاسة الوزراء، وخصوصاً لأن شعبية كتلة الأحرار مرهونة بدعم الصدر وتزكيته لها.
وبالنسبة إلى كتلة المواطن، فهي تروج لمرشحها القيادي، باقر جبر الزبيدي، وزير الداخلية الأسبق، لينافس المالكي، رغم أنه لا يملك الشعبية الكبيرة بين الشيعة، بخلاف القيادي في الكتلة، عادل عبد المهدي، غير المرشح للانتخابات.

أما الكرد، فبالرغم من اختلافاتهم مع المالكي على قضايا عديدة، لكن موقفهم من حكومة المالكي ليس موحداً؛ فالحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة رئيس إقليم كردستان، مسعود برزاني، لديه مواقف متشنجة مع المالكي. بينما حزب الاتحاد الوطني، الذي يتزعمة الرئيس العراقي، جلال الطالباني، لديه مواقف أقل تشدداً من حكومة المالكي، وصفتها زوجة الطلباني، هيرو إبراهيم، التي تتولى ادارة الحزب حالياً، بسبب غياب زوجها المريض، بـ "المحايدة"، بينما صرح حزب "التغيير" المعارض بزعامة نشيروان مصطفى، على لسان أعضائه، بأنهم مستعدون للتحالف مع كتلة المالكي بعد الانتخابات.

في الوقت نفسه، استطاع المالكي استغلال انقسامات القادة السنة العرب لإحباط أي محاولة تهدف إلى ظهور تحالف سني قد يشكل تهديداً لوجوده. ومن هذا المنطلق، بدأ المالكي يتقرب من "صحوات" الأنبار ومحافظها وبعض الممثلين في حكومتها المحلية.
كذلك تغازل المالكي جميع كتل السنة العرب في كركوك، لأنه يقف ضد الكرد الذين يطالبون بضم كركوك إلى كردستان، وهو ما يظهر بتأييد محافظ صلاح الدين، أحمد الجبوري والمتحالفين معه للمالكي.
في غضون ذلك، يتجه المالكي إلى استغلال القضاء لملاحقة وإقصاء رموز السنة العرب الذين يعارضونه، كما فعل بنائب رئيس الجمهورية السابق، طارق الهاشمي، ووزير المالية السابق، رافع العيساوي، والنائب البارزعن محافظة الأنبار، أحمد العلواني.


الدعم الإيراني

بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق في نهاية 2011، وبعدما أصبح العراق من خارج أولويات إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما، أخذ الدور الإيراني في العراق يتصاعد بشكل ملحوظ، بحيث لم يعد ممكناً تنصيب رئيس وزراء عراقي جديد، من دون الحصول على مباركة إيرانية.
ومن المرجح أن تصر إيران على بقاء المالكي في منصبه، وحصوله على ولاية ثالثة، ذلك لأن إيران تعتقد أن إذا تولى شخص آخر رئاسة الوزراء، من المحتمل أن يدخل في صراعات دامية مع المالكي، خصوصاً بسبب قضايا فساد ستُرفَع ضد المالكي، وهذا ما لا ترغب به طهران في هذه المرحلة التي تشهد استقطاباً طائفياً عامودياً.

المساهمون