"وادي عربة": عظام الوطن البديل التي دُفنت ولم تدفن

27 أكتوبر 2014
يخشى الأردنيون فكرة "الوطن البديل" (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

أدارت الحكومة الأردنية، التي وقّعت على معاهدة السلام مع إسرائيل، المعروفة بـ"وادي عربة" يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1994، حملة لتسويق المبادرة شعبياً ورسمياً، والتي في خضمّها قدّمت المعاهدة على أنها المنقذ للمملكة من خطر "الوطن البديل"، الذي شكّل أحد ثوابت السياسة الإسرائيلية لحلّ القضية الفلسطينية على حساب الأردن.

واجتمع بعد ذلك رئيس الوزراء الأردني آنذاك، عبد السلام المجالي، المعروف بـ"عرّاب وادي عربة"، بعد ثلاثة أيام من توقيع المعاهدة مع أعضاء في مجلس النواب، ليحدثهم عن فوائد السلام، كما ينقل لـ"العربي الجديد" النائب عبد المجيد الأقطش، الذي حضر الاجتماع.

يومها قال المجالي: "بتوقيعنا للمعاهدة، حققنا أهدافاً كثيرة، من أهمها أننا دفنّا عظام الوطن البديل، وذلك لأن الحدود بيننا وبين الضفة الغربية وإسرائيل لم تكن محددة بعد احتلال عام 1967، وعدم وجود تحديد الحدود كان يسمح لإسرائيل أن تتجاوزها إلى الضفة الشرقية، وبهذه المعاهدة أصبح هناك اعتراف دولي بتلك الحدود".

يُذكر أن الاتفاقية استندت في تحديد الحدود بين الأردن وإسرائيل على تعريف الحدود زمن الانتداب البريطاني، والتأكيد على عدم المساس بوضع أي أراضٍ وقعت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي عام 1967، مع النص على احترام الحدود وعدم اختراقها.

يقول الأقطش: "شعر الموقعون على المعاهدة بالحرج، عندما عمدت شخصيات إسرائيلية إلى مواصلة الحديث عن الأردن كوطن بديل، وقبل أن يجف حبر المعاهدة، أطلق السياسيون الإسرائيليون تصريحاتهم العدائية".
وبعد عشرين عاماً، وهو عمر المعاهدة، لم ينقطع الحديث عن "الوطن البديل"، الذي غالباً ما تثيره تصريحات لشخصيات سياسية وحزبية إسرائيلية، ويأخذ صداه في الجانب الأردني مع كل تحريك للمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، على غرار ما حدث خلال جهود وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الأخيرة، الرامية إلى التوصّل إلى حلّ نهائي للقضية الفلسطينية، حينما ضج الشارع الأردني بشعبه وسياسييه، بحلول "الوطن البديل" التي يحيكها كيري سراً.

وهو ما دفع حينها العاهل الأردني، عبد الله الثاني، للرد على مروّجي شائعات "الوطن البديل"، بقوله: "للأسف، كما تلاحظون، أنه كل ما كان هناك جهد جدي في عملية السلام، يعود الحديث عن وهم الوطن البديل، وكأنه السلام على حساب الأردن. موقفنا واضح وهو أن حديثنا سرياً أو أمام العالم، هو نفس الكلام".

المحلل السياسي لبيب قمحاوي يقول: "لم يكن الهدف من معاهدة السلام، نهاية وهم الوطن البديل كما رُوّج، الهدف الأساسي كان رغبة الرسميين في الجانب الأردني والإسرائيلي أن تخرج العلاقة بينهم من السرية إلى العلانية".

ويرى أن "إسرائيل تجاوزت في الوضع القائم، مفهوم الوطن البديل في معناه الضيّق، لتُصبح كثير من الدول العربية بمنظورها وطناً بديلاً للفلسطينيين". ويعتقد قمحاوي أن "الأردن هو الطرف الأكثر إمكانية في العقلية الإسرائيلية، لتطبيق الحل البديل أو الحل المناسب الذي تريده للقضية الفلسطينية".

من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي، فهد الخيطان، أن "معاهدة السلام لم تحصن الأردن من خطر الوطن البديل"، وأعاد تحقيق ذلك إلى جملة من العوامل السياسية على الأرض، أهمها "إصرار الشعب الفلسطيني على حقّه في دولة مستقلة، إضافة إلى قدرة الأردن على تحصين نفسه من خلال تحالفاته مع الأميركين".
ويتابع: "أعطى صمود الأردن وقدرته على البقاء في ظل الإقليم المضطرب قيمة مضافة، وأدى ذلك إلى اقتناع الإسرائيليين أن بقاء الأردن يمثل مصلحة لهم"، وبذلك لم يعد خيار الوطن البديل خياراً واقعياً، كما يقول.

ويرجع الخيطان مواصلة الحديث عن "الوطن البديل" في الأردن، إلى أن "المصطلح أصبح جزءاً من تقاليد الوعي والسياسة الأردنية، إضافة الى المشاكل الأردنية الداخلية المتمثلة بعدم تنظيم العلاقة الديموغرافية في الأردن".

ويؤكد أن "إحساس الأردنيين بعد الثقة بالإسرائيليين ثابت من ثوابت السياسية الأردنية، والخطأ يكمن في الانتقال من هامش عدم الثقة إلى التعامل بثقة مع الجانب الإسرائيلي".

المساهمون