مع مرور عام ونصف العام على بدء الحرب المفتوحة بينهما، اليوم الخميس، يبدو الجانبان الروسي والأوكراني بعيدين عن تحقيق أهدافهما، وسط مؤشرات على إطالة أمد النزاع، بلا تسوية في الأفق المنظور.
وإذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عند بدء العملية العسكرية ليلة 24 فبراير/شباط 2022، عزم بلاده "نزع النازية وتحييد سلاح أوكرانيا"، لا يزال هذا الهدف الرئيسي بالنسبة إلى روسيا بعيد المنال، وسط استمرار الغرب في تزويد أوكرانيا بأحدث أنواع الأسلحة، وحتى موافقة بعض الدول الغربية على تسليم مقاتلات لكييف.
ومع ذلك، تواجه أوكرانيا هي الأخرى تعثراً في هجومها المضاد الذي أطلقته بداية الصيف الحالي، دون أن تتمكن حتى الآن من استرداد أي مدينة هامة جنوب شرق البلاد، أو الاقتراب من أراضي شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في العام 2014، وسط تزايد رهانات كييف على نقل المعركة النفسية إلى العمق الروسي، عبر شن هجمات متكررة بالمسيرات على العاصمة موسكو.
توقعات بحرب استنزاف طويلة
يعتبر المحلل السياسي والصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني المقيم في موسكو، ألكسندر تشالينكو، أن الجيش الروسي أظهر خلال عام ونصف العام من النزاع أداء هجومياً ضعيفاً، لم يمكنه من تحقيق نصر سريع، ولكن مع تمكنه من إقامة خط دفاعي محصن لا يستطيع الجيش الأوكراني اختراقه في إطار تقدمه المضاد، ما ينذر بإطالة أمد المعركة وتحولها، وفق اعتقاده، إلى حرب استنزاف طويلة الأجل.
ألكسندر تشالينكو: أظهر الجيش الروسي أداء هجومياً ضعيفاً
ويقول تشالينكو، الذي زار مناطق شرق أوكرانيا عدة مرات بعد بدء النزاع، لـ"العربي الجديد": "لم تتمكن روسيا من تحقيق هدفي نزع النازية وتحييد سلاح أوكرانيا. كما أظهر الجيش الروسي أداء هجومياً ضعيفاً لم يمكنه من إحكام السيطرة حتى على المدن الواقعة بالقرب من الحدود، أو خط التماس، مثل تشيرنيهيف وميكولايف. صحيح أن روسيا كان يمكنها نظرياً إجراء تعبئة إضافية تشمل مليون فرد وحسم الوضع، ولكن ذلك كان سيؤثر سلباً على الرأي العام وسيُفقد السلطة دعم السكان".
وحول تقييمه لأداء الجيش الأوكراني خلال عام ونصف العام من النزاع، يقول: "أظهر الجيش الأوكراني أداء جيداً، دعمه فيه حصوله على أحدث التكنولوجيا العسكرية من بلدان حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومكنه من الأخذ بزمام المبادرة في ساحة المعركة حتى الآونة الأخيرة. كما أجرت كييف عدة موجات من التعبئة، تقبلها السكان تحت تأثير الدعاية الإعلامية المروجة لقرب تحقيق الأهداف".
ويلخص تشالينكو رؤيته لأسباب تعثر الهجوم الأوكراني المضاد، قائلا: "تمكن الجيش الروسي في نهاية المطاف من إقامة خط دفاع محصن لم يستطع الجيش الأوكراني اختراقه، بعد أكثر من شهرين من الهجوم المضاد الذي تم الترويج له إعلامياً كثيراً، ولم يستطع حتى الاقتراب من المدن الهامة مثل ميليتوبول وبيرديانسك وماريوبول، لتتحول المواجهة، في الواقع، إلى حرب استنزاف".
وحول الرهانات الروسية في المرحلة الراهنة من الحرب، يتابع: "يبدو أن روسيا تراهن اليوم على إلحاق أكبر خسائر بالجيش الأوكراني في الأفراد والعتاد، وربما التحول إلى أعمال هجومية بحلول أكتوبر/تشرين الأول المقبل، حيث إن الأهداف طويلة الأجل للعملية العسكرية من جهة جعل أوكرانيا دولة غير مؤثرة لا تشكل خطراً على روسيا، لن تتحقق إلا بقطعها عن البحر الأسود عبر إحكام السيطرة على ميكولايف وأوديسا واستعادة السيطرة على خيرسون".
وفي أوكرانيا، يقر الإعلامي فيتالي بورتنيكوف، هو الآخر، بأن الجانبين الروسي والأوكراني لا يزالان بعيدين عن تحقيق أهدافهما، متوقعاً استمرار حرب الاستنزاف في الفترة المقبلة.
عجز روسي عن تحقيق الهدف الرئيسي
ويقول بورتنيكوف، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "النتيجة الرئيسية للنزاع هي عجز روسيا عن تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل بالقضاء على الدولة الأوكرانية، وضم أراضيها، أو إخضاعها على الأقل".
فيتالي بورتنيكوف: روسيا وأوكرانيا لا تزالان بعيدتين عن تحقيق أهدافهما
ومع ذلك، يؤكد أن أوكرانيا لم تتمكن هي الأخرى من تحقيق أهدافها، موضحاً أن "كييف لم تتمكن من تحقيق هدفها الرئيسي، وهو استعادة وحدة أراضيها والحصول على ضمانات أمنية". وفي حين يعتبر أن الأحداث الرئيسية للحرب لم تقع بعد، فإنه يرجح استمرار حرب الاستنزاف في الأشهر المقبلة.
انتصار أميركي؟
على الصعيد الدولي، تطورات كثيرة طرأت خلال عام ونصف العام من الحرب في أوكرانيا، من بينها خضوع روسيا لعقوبات غربية غير مسبوقة، واستبعاد نفطها وغازها من السوق الأوروبية، وانضمام فنلندا والسويد إلى "الناتو"، وإصدار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرة اعتقال بحق بوتين، ما اضطره للمشاركة، أمس الأول، في قمة مجموعة "بريكس" في جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا عبر الفيديو.
ولما كان التقدم الاقتصادي الأميركي يعتمد بنسبة كبيرة على بُعد الولايات المتحدة عن ساحة معركتي الحربين العالميتين الأولى (1914 - 1918) والثانية (1939 - 1945) في أوروبا، تبدو واشنطن أكبر المستفيدين سياسياً من النزاع الدائر حالياً أيضاً، وفق ما يوضحه أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية كيريل كوكتيش.
ويقول كوكتيش، لـ"العربي الجديد"، إن "الدولة العميقة الأميركية أكبر المستفيدين من النزاع في أوكرانيا، والذي مكنها من استكمال أهداف إضعاف روسيا وإخضاع أوروبا للإرادة الأميركية وترسيخ ولاء القادة الأوروبيين لواشنطن".
ويعتبر أن الملف الأوكراني "يشكل طوق النجاة للرئيس الأميركي جو بايدن، وعائلته في ظل فضائح فساد بضلوعها"، في إشارة إلى الدور المزعوم لنجل الرئيس الأميركي، هانتر بايدن، في إقالة النائب العام الأوكراني، فيكتور شوكين، في العام 2016 أثناء عمل هانتر مديراً في شركة "بارسيما" للغاز في أوكرانيا.
لا انفراجة قريبة
وبموازاة عجز روسيا وأوكرانيا عن حسم المعركة في الميدان ووضعهما شروطاً مسبقة للمفاوضات، لا تبدو الانفراجة في أوكرانيا قريبة، على الرغم من تمكن الطرفين، عبر وساطات خارجية، من تسوية ملفات معينة، مثل تبادل الأسرى وجثامين القتلى بين الحين والآخر.
ومع ذلك، زعمت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن موسكو منفتحة على الحل الدبلوماسي للأزمة الأوكرانية، ومستعدة للرد على المقترحات الجدية، مرحبة بمبادرات الوساطة والمبادرات الإنسانية الرامية إلى تحقيق السلام. وتقول زاخاروفا، لوكالة "برازيل دي فاتو" البرازيلية عشية حلول ذكرى مرور عام ونصف العام على بدء الحرب: "كنا ونظل منفتحين لحل دبلوماسي للأزمة، ونحن مستعدون للرد على المقترحات الجادة حقاً".
وحملت السلطات الأوكرانية المسؤولية عن قطع وحظر المفاوضات مع موسكو، رابطة بدء العملية التفاوضية بالقيام بثلاث خطوات، قائلة إن "على الغرب أن يتوقف عن شحن السلاح للقوات المسلحة الأوكرانية، وعلى كييف وقف أعمال القتال، وسحب قواتها من الأراضي الروسية". ومع ذلك، لم تذكر الناطقة باسم الخارجية الروسية صراحة ما إذا كانت تقصد بـ"الأراضي الروسية" تلك الواقعة ضمن الحدود الروسية المعترف بها دولياً، أم شاملة مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون التي ضمتها موسكو نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.