17 عاماً على تشديد حصار غزة الخانق... لا أفق لإنهائه

25 يونيو 2023
الواقع الاجتماعي والإنساني في القطاع يتدهور كل لحظة (محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -

في الخامس والعشرين من يونيو/ حزيران 2006، دخل قطاع غزة مرحلة جديدة من مراحل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، بعدما شدّدت السلطات الإسرائيلية الحصار الخانق الذي فرضته على نحو 2.3 مليون فلسطيني، وذلك إثر أسر المقاومة الجندي جلعاد شاليط.
يومها، أغلق الاحتلال المعابر الواصلة إلى القطاع، واستهدف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، إلى جانب تدمير البنية التحتية وقصف بعض الجسور التي كانت تربط محافظات القطاع ببعضها ضمن محاولته للضغط على حركة "حماس" لإعادة شاليط.

ويختلف الساسة والفصائل الفلسطينية بشأن الفترة الزمنية لفرض الحصار الإسرائيلي على غزة، حيث ينقسمون إلى قسمين: أحدهما يرى أن الحصار على القطاع بدأ فعلياً بعد شهر سبتمبر/أيلول عام 2000 في أعقاب انتفاضة الأقصى، حين فرضت السلطات الإسرائيلية على الغزيين دخول الأراضي المحتلة بتصاريح خاصة، ومنعتهم من العمل في الداخل المحتل. والقسم الآخر يقول إن الحصار بدأ مع صعود حركة "حماس" لسدة الحكم إثر الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2006، فيما دخل الحصار مرحلة التشديد الخانق في أعقاب عملية الأسر التي نفذتها الحركة مع فصيلين آخرين.

سيطرة "حماس" ومأسسة الحصار

وجاءت سيطرة "حماس" على قطاع غزة بعد أحداث الاقتتال الداخلي مع حركة "فتح" والأجهزة الأمنية الفلسطينية في عام 2007 لتعزز من مأسسة الحصار الإسرائيلي على غزة، من خلال إغلاق المعابر وتقليص عددها واتخاذ السلطات الإسرائيلية إجراءات عقابية غير مسبوقة لإسقاط حكم "حماس".

يرى متابعون أن الحصار على القطاع بدأ فعلياً بعد سبتمبر 2000 في أعقاب انتفاضة الأقصى

وعاش سكان القطاع منذ عام 2006 وحتى 2023 ما لا يقل عن 10 جولات تصعيد وحروب، عدا عن جولات حروب قصيرة لأيام خاضتها بعض الفصائل الفلسطينية مثل حركة "الجهاد الإسلامي"، مع الاحتلال، أو عمليات اغتيال نفذت بحق كوادر فلسطينية محسوبة على تنظيمات أخرى كلجان المقاومة الشعبية.

وسعت حركة "حماس"، التي تمسك بزمام الأمور في القطاع، خلال جولات الحروب والتصعيد التي خاضتها مع جيش الاحتلال، لاستغلالها من أجل الوصول إلى تفاهمات ترفع من خلالها الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، وهو ما لم تنجح فيه، فضلاً عن مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار التي سعت الحركة للاستفادة منها لإحداث اختراق في جدار الحصار الذي يقترب من الربع الأخير لعقده الثاني.

وأثارت بعض التصريحات الصادرة عن شخصيات قيادية في حركة "حماس" بشأن وجود مئات الطرق لرفع الحصار عن غزة من دون وجود رصيد واقعي لهذه التصريحات، انتقادات للحركة وقياداتها في ضوء فشل جميع هذه المحاولات التي عادة ما تركزت على التلويح بالقوة العسكرية أو الأدوات الشعبية التي طُوِّرَت لاحقاً، كالبالونات الحارقة، وغيرها من الوسائل التي لم تفلح هي الأخرى في إحداث تغيير حقيقي.

وفي أعقاب المواجهة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية عام 2021 والتي أطلق عليها فلسطينياً اسم "سيف القدس" وأسمتها إسرائيل "حارس الأسوار"، أكد رئيس حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار، أن ذلك العام لن ينقضي من دون رفع الحصار، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق.

حصار غزة... أداة ضغط للاحتلال

أما إسرائيلياً، فقد شكّل حصار غزة إحدى أدوات الضغط التي استخدمت ضد الفصائل الفلسطينية خلال مراحله المختلفة. ففي بداية الأمر، وتحديداً في الفترة ما بين 2007 حتى 2010، استخدمت سلطات الاحتلال سياسة تحديد السعرات الحرارية التي يحتاجها السكان للبقاء على قيد الحياة في عملية إدخال شاحنات المواد الغذائية للقطاع.

عاش سكان القطاع منذ 2006 وحتى 2023 ما لا يقل عن 10 جولات تصعيد وحروب

وفي أعقاب الفترة التي تلت عام 2011 وثورات الربيع العربي، تنوعت الأدوات والأساليب التي استخدمت، خصوصاً مع امتلاك المقاومة الفلسطينية منظومة عسكرية كانت أكثر تطوراً من السابق، وجعلت الاحتلال يستخدم التسهيلات كورقة ضغط لشراء الهدوء في أحيان كثيرة.

وثمّة اختلافات كثيرة طرأت منذ بداية تشديد الحصار عام 2006، لعل أبرزها أن عدد السكان كان حينها 1.2 مليون نسمة، فيما يصل حالياً إلى 2.3 مليون فلسطيني.

حصار متدرج

وبرأي رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة، أمجد الشوا، فإن الحصار الإسرائيلي بدأ قبل 25 يونيو 2006، إلا أن ما جرى بعد هذا التاريخ كان مرحلة تشديد للحصار على القطاع عبر سلسلة من الإجراءات التي قام بها بحق السكان.

وحذّر الشوا في حديث لـ"العربي الجديد"، من أن الواقع الاجتماعي والإنساني والاقتصادي في القطاع يتدهور كل لحظة بسبب الحصار المستمر والمتواصل، نظراً إلى عجز المجتمع الدولي عن إنهاء الحصار الذي وصف بحسب تقارير أممية، بأنه جريمة ضد الإنسانية، ولا سيما بسبب حالة التجويع وانعدام الأمن الغذائي بسبب هذه السياسة.

وأشار رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة إلى أن نسبة البطالة وصلت في الإطار العام إلى 45 في المائة بالقطاع، فيما نسبة الفقر وصلت إلى 60 في المائة. أما نسبة انعدام الأمن الغذائي، فقد وصلت إلى أكثر من 65 في المائة، عدا عن نسبة البطالة التي ارتفعت في صفوف المتخرجين من كلا الجنسين لتبلغ 73 في المائة، فيما يحتاج 80 في المائة من سكان القطاع للمساعدات المختلفة، وفق شرحه.

جعلت المقاومة بعد 2011 الاحتلال يستخدم التسهيلات كورقة ضغط لشراء الهدوء في أحيان كثيرة

ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، فإن مستويات البطالة في غزة من بين الأعلى في العالم، حيث وصل معدل العاطلين من العمل خلال عام 2022 إلى 46.6 في المائة، مقارنةً بالمتوسط الذي كان يبلغ 34.8 في المائة في 2006، ووصل معدل البطالة بين الشباب (15-29 عاماً) إلى 62.5 في المائة خلال الفترة نفسها.

ولفت الشوا إلى أن الوضع الإغاثي أصبح يأخذ شكلاً مختلفاً نتيجة تراجع التمويل الدولي كما حصل مع برنامج الأغذية العالمي الذي أعلن توقفه، ما أدى إلى تضرر أكثر من 200 ألف شخص في قطاع غزة والضفة الغربية، معظمهم من القطاع، عدا عن عدم الاستجابة لنداءات من يحتاجون لهذه المساعدات.

ووفق رئيس شبكة المنظمات الأهلية، فإن التدمير الممنهج للبنية التحتية خلال الحروب وجولات التصعيد انعكس بالسلب على الواقع الاقتصادي، إلى جانب انعكاسات منع الكثير من المواد التي وضعت على قائمة الاستخدام المزدوج، الذي أسهم في انهيار قطاعات صناعية كبيرة.

واستدل الشوا بتقرير للأمم المتحدة صادر في عام 2012، أكد في حينه أن القطاع سيكون بحلول عام 2020 غير ملائم للعيش، بسبب مؤشرات عدة، أبرزها أن 97 في المائة من مياه القطاع غير صالحة للاستخدام الآدمي، إلى جانب تفاقم القطاع الصحي ووفاة 800 مريض بسبب الحصار الإسرائيلي.

أزمات وتأثيرات

من جهته، اعتبر مدير العمليات في المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، أنس الجرجاوي، أن الحصار الإسرائيلي الذي فرض على قطاع غزة، أدّى إلى أزمات عدة، منها الأزمة التي خلقها في البنية التحتية وأزمة الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي، إلى جانب الأزمة الصحية التي عرقلت تلقي العلاج داخل غزة وخارج القطاع.

وأوضح الجرجاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الفلسطينيين كانوا يعانون قبل الحصار الإسرائيلي من الاجتياحات والعدوان، قبل أن ينتقلوا إلى مرحلة الحصار التي أثرت على جميع مناحي الحياة، في ظلّ عدم قيام المجتمع الدولي بأي مجهود لإنهاء الحصار أو حتى الضغط من أجل ذلك.

وتربط الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة رفع الحصار عن غزة بجباية أثمان سياسية وأمنية وعسكرية، في الوقت الذي يعامل فيه المجتمع الدولي الاحتلال معاملة خاصة ويتبنى في معظمه وجهة النظر الإسرائيلي، وفق الجرجاوي. ولفت مدير العمليات في المرصد "الأورومتوسطي" في هذا الصدد إلى أن المجتمع الدولي تعامل مع الحصار بشقّ إنساني من خلال بعض المساعدات التي كان يقدمها إلى السكّان، والتي تقلصت بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة، من دون التحرك من أجل إنهاء الحصار ووقف ما يجري بحق القطاع.

وبرأيه، فإن إسرائيل تعمد إلى استمرار سياسة "لا موت لا حياة" في القطاع، وهي سياسة العنف البطيء التي تُنتهك من خلالها أبسط حقوق سكّان القطاع، المتمثلة في الحق بالحياة وتلقي الرعاية الصحية والحركة والتنقل والحصول على التعليم، وهي حقوق لا تزال تنتهك منذ 17 عاماً.


 

المساهمون