وصفت منظمة البرلمان التونسي الجديد بأنه "هشّ ومحدود الصلاحيات ومنعدم الاستقلالية"، مرجعةً ذلك إلى أنّه "انطلق بمشروعية ضعيفة، وعرف عثرات عديدة، في غياب تشاركية وشفافية في أشغاله".
وجاء تقرير لمنظمة "البوصلة"، الذي صدر أول أمس الأربعاء، بعد مرور 100 يوم على انطلاق البرلمان التونسي، والذي انطلقت أشغاله منذ 13 مارس/ آذار الماضي منقوصاً عددياً من 8 نواب، حيث لم يسجل أي ترشح في 7 مقاعد في دوائر الخارج بسبب صعوبات تطبيق المرسوم الانتخابي الذي صاغه الرئيس التونسي قيس سعيّد بمفرده، بالإضافة إلى نقص مقعد ثامن، إذ يقبع النائب وجدي الغاوي في السجن منذ الجلسة الافتتاحية.
وعجز البرلمان عن سد الشغور في تركيبته منذ ما يقارب 4 أشهر على انطلاقته، فيما يتفادى حتى إعلان الشغور ومراسلة هيئة الانتخابات للشروع في تنظيم انتخابات تشريعية جزئية.
وأكدت منظمة "البوصلة" أنّ "هذا البرلمان صوري يستجيب لإرادة الرئيس التونسي قيس سعيّد، وفي سياق سياسي ينفرد فيه سعيّد بسلطة القرار، ويستهدف يومياً الحريات العامة والفردية، ولا يمكن لبرلمان انتُخب بنسب هزيلة وصلاحيات هامشية ودون مشاركة غالبية القوى السياسية أنّ يكون فضاء للتداول السياسي الحقيقي".
وأشارت المنظمة إلى مسار تنصيب البرلمان الجديد، من خلال الاستفتاء لتمرير الدستور الذي صاغه سعيّد بمفرده العام الماضي، مبينةً أنه مضى أكثر من 3 أشهر على الجلسة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب، الذي روّج الخطاب الرسمي أنه سيساهم في تحقيق "الديمقراطية الحقيقية" رغم تمثيليته الضعيفة.
وأوضح التقرير أنّه "على عكس الادعاء الرسمي، فإن حصيلة التقرير تبرز أن هنالك عدة ممارسات غير ديمقراطية، من منع الصحافيين من تغطية الجلسة الافتتاحية وأعمال اللجان، والمصادقة على نظام داخلي ضعيف الصياغة لا يقرّ دوراً للمعارضة، وتشكيلة برلمانية تعتمد على خطاب موالٍ تماماً للسلطة التنفيذية".
وتعرض التقرير إلى خطابات النواب الموالية لسعيّد ولمساره، والتي تؤكد، بحسب التقرير، "غياب الاستقلالية".
وشدّدت المنظمة على أنّ النواب يتجاهلون المصادقة على المراسيم الرئاسية التي صدرت خلال فترة الاستثناء لتجنب الإحراج مع سعيّد.
وخلُص التقرير إلى أنّ "هذا البرلمان طيّع يوجهه سعيّد بحسب ما يريد، إذ لم يتردد الأخير في توجيه تحذيراته له مباشرة خلال خطاباته، في مقابل خطابات نواب لا تعكس رغبتهم في الاستقلالية، من خلال التمسك بمقولات تتجنب كل ما قد يزعجه".
وذكر محلل السياسات العامة بمنظمة "البوصلة" أمين الخراط، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "قرار منظمة "البوصلة" عدم تغطية أعمال البرلمان الجديد يأتي على خلفية رفض الدستور والقانون الانتخابي الجديدين، وطريقة صياغتهما، ولأن تغطية المنظمة ستُضفي ديمقراطية على مشهد غير ديمقراطي، في مقابل ذلك قررت المنظمة متابعة أشغال البرلمان من خارج أسواره لرصد أي انحرافات وكشفها".
وأوضح الخراط أنّ "المؤشرات أبرزت أن هناك ممارسات شبيهة بممارسات البرلمان السابق، ولكن هذا البرلمان أقل شفافية وأقل وضوحاً". وأضاف: "رصدنا ممارسات خطيرة لها علاقة بعدم الشفافية، والرغبة الكبيرة في حجب المعلومة، وتلميع الصورة، ومنع الصحافيين من تغطية الجلسة الافتتاحية ومنعهم من تغطية اللجان، وحجب أرشيف البرلمانات السابقة، وعدم تصريح النواب الجدد بالمنح وبمكاسبهم، كما ينص عليه النظام الداخلي".
من جهتها، أكدت النائبة المؤسسة وعضو البرلمان السابق يمينة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الإنجاز الوحيد لهذا البرلمان هو المصادقة على اتفاقية قرض، ثم المطالبة بالترفيع في المنحة البرلمانية"، مضيفةً: "أتبنى مقدمة تقرير البوصلة، فهذا البرلمان غير شرعي، فلا يكفي فقط ذكر النسبة الهزيلة للمشاركة في الانتخابات التشريعية، لكن يجب التنصيص على أنّ هذا البرلمان نتاج انقلاب على برلمان شرعي تم غلقه بدبابة واتهام نوابه بشتى التهم".
وتابعت الزغلامي أنّ "قرار الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها كان قراراً فردياً وبإجراءات ومراسيم فردية غير تشاركية (...) هذه العبثية والانفراد بالرأي تكون نتيجتها متوقعة، لا ديمقراطية ولا شفافية ولا علنية ولا إنجاز ولا تواصل مع الشعب".
وأفادت الزغلامي أنّ "شيطنة البرلمانات السابقة الديمقراطية انطلقت منذ سنوات، وكانت طريقة ممنهجة وذكية أثرت على وعي المواطن وهمشت أي منجز، بل وصل الأمر لمقايضة الحرية والديمقراطية بالخبز، وهذه السلطة واصلت وطورت أشكال الشيطنة، وأخطرها اتهام نواب الشعب بنهب الميزانيات والهبات والقروض. ورغم كل تقارير الرقابة المنجزة والتحري الدقيق الذي شمل كل النواب السابقين، فإنّ السلطة القائمة لم تنشرها".
من جانبه، أكد نائب رئيس كتلة الأحرار يوسف التومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "البرلمان يقوم بدوره منذ انتخابه على أفضل ما يكون، حيث لم يتوان في المصادقة على مشاريع القوانين الواردة من الحكومة وعددها 3 مشاريع، الأول يخص اتفاق قرض وتم المصادقة عليه، والثاني يخص قانون بأحداث الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة وقد تمت المصادقة عليه الأول من أمس، والمشروع الثالث بُرمج لجلسة يوم 11 من الشهر الجاري، وبالتالي لا وجود لقوانين في رفوف البرلمان".
وشدّد التومي من جهة أخرى على أنّ "اللجان تعمل على مقترحات قوانين تقدم بها النواب، والتي نعتبرها ذات أهمية شعبية وأولوية عند المواطن، على غرار تعديل قانون الشيكات والصكوك (المادة 411 من القانون التجاري)"، معتبراً أن "الأهم ليس عدد القوانين بل جودتها وقيمتها وأهميتها لدى المواطن".
ورداً على ما جاء في تقرير "البوصلة"، قال النائب التونسي إنّ "التقرير لم يراع ما يقوم به النواب من جهود داخل اللجان، وفي حلّ مشاكل المواطنين، وما يكابده البرلمانيون من عناء التنقل، كما أنّه لم ينقل الإيجابيات".
ونفى التومي "ما جاء في تقرير المنظمة من أنّ البرلمان طيع وخاضع للسلطة التنفيذية"، مشيراً إلى أنّ "مداخلات النواب ونقاشاتهم تؤكد استقلالية المجلس ومبادراته، كما أنّ المهم عند المواطن هو العمل".
وأشار النائب ذاته إلى أنّ "البرلمان منفتح على وسائل الإعلام والمجتمع المدني وفق القانون الداخلي للمجلس، والبرلمانيون يرحبون بمقترحات الإعلام ويسعون لبناء تعاون وشراكة معهم".