وقف إطلاق النار في لبنان: أسباب القبول والرفض الإسرائيليَين

27 نوفمبر 2024
نتنياهو خلال جلسة للكابينت الإسرائيلي، 28 أكتوبر 2024 (ديبي هيل/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الإنجازات والتحديات الإسرائيلية: نجحت إسرائيل في إضعاف حزب الله عبر اغتيالات واستهداف ترسانته، لكن تواجه انتقادات بشأن وقف إطلاق النار الذي قد يسمح للحزب بإعادة بناء قوته.

- التداعيات السياسية الداخلية: يواجه نتنياهو انتقادات لعدم تحقيق الأمن المطلوب، مع مخاوف من تفكك الحكومة، بينما يرى البعض أن الاتفاق يمنح حرية العمل ضد التهديدات.

- الضغوط الدولية وتغيير المواقف: جاءت موافقة إسرائيل على الاتفاق نتيجة ضغوط أمريكية، رغم الانتقادات لعدم تحقيق الأهداف المعلنة مثل نزع سلاح حزب الله.

يعتبر معارضو الاتفاق أنه يعيد الوضع فعلياً إلى ما كان عليه سابقاً

يرى رؤساء سلطات محلية أن الاتفاق لم يحقق الأمن لإعادة سكان الشمال

ينظر البعض إلى أن الموافقة تأتي في إطار الرضوخ للضغط الأميركي

يتفق معظم الإسرائيليين على أن دولة الاحتلال نجحت بتوجيه ضربات قوية كثيرة لحزب الله في لبنان، سواء باستهداف ترسانته العسكرية واغتيال قياداته، وعلى رأسه أمينه العام السابق حسن نصر الله، أو بإبعاد قوات الحزب عن الحدود، لكن ثمة خلافات بشأن توقيت وقف إطلاق النار بالأساس، كما أن منهم من رأى فرصة للمضي بتوجيه الضربات لحزب الله، رغم اتفاق كثيرين مع "الإنجازات" التي عددها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في كلمته أمس الثلاثاء، والخسائر التي لحقت بحزب الله، والظروف والمبررات التي دفعت إسرائيل للموافقة على الاتفاق، وعلى رأسها التركيز على إيران، ومنع تطويرها للسلاح النووي، بالإضافة إلى إعادة إنعاش جيش الاحتلال الإسرائيلي المتعب، وعزل حركة حماس في قطاع غزة.

ويُعتبر فصل الساحات وعزل غزة والاستفراد بها، من أهم "الإنجازات" بالنسبة لدولة الاحتلال، وهو ما تفاخر به نتنياهو، لكنه تجنّب الإشارة في خطابه إلى أن مواصلة التصعيد في غزة قد تؤدي إلى مقتل من بقوا على قيد الحياة من المحتجزين الإسرائيليين في القطاع. في المقابل، وبخلاف الوضع في لبنان، يدرك نتنياهو أن وقف حرب الإبادة على قطاع غزة قد يؤدي إلى تفكك حكومته بسبب مواقف عدة وزراء ونواب من ذلك. أما الانسحاب التدريجي من لبنان، فلا يعرّض حكومته للخطر.

ويعتبر الكثير من معارضي الاتفاق، أنه يعيد الوضع فعلياً إلى ما كان عليه خلال السنوات الـ 18 الأخيرة، وأنه يتيح لحزب الله إعادة بناء قوته، وأن هذا يمهد لجولات مقبلة من الحرب. كما ذكرت وسائل إعلام عبرية، أنه على الرغم من إزالة عدد من التهديدات، لم تتوصل إسرائيل إلى سياسات جديدة وصارمة تضمن عدم عودة حزب الله للعمل بحرية، خاصة في عمق لبنان. ولم تحقق إسرائيل هدفها المركزي وهو تفكيك أو تقليص ما تصفه بـ"محور الشر" الإيراني.

وفي السياق، اعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يادلين، في مقال كتبه في موقع القناة 12، أن الاتفاق مع لبنان يمنح إسرائيل أفضلية مهمة في الطريق إلى هدف الحرب الأكبر. مع هذا، أشار إلى أن النصر لن يتحقق بدون جهود عسكرية فعالة لتطبيق القرار، وإعادة بناء الشمال، وإعادة المحتجزين في قطاع غزة. واعتبر أن القرار يمنح إسرائيل "حرّية العمل" لتطبيق القرار بالقوة في حال لم تفعل الجهات الأخرى ذلك، كما أن إسرائيل لم تعد تخشى أن تؤدي حرب مع حزب الله إلى حرب إقليمية.

وأشار بدوره إلى الفصل بين الساحات ومنع حرب استنزاف، كما يتيح الاتفاق البدء بإعادة بناء الشمال، والعودة للتركيز على النووي الإيراني، واستئناف جهود التطبيع مع السعودية، وتخفيف الأعباء عن قوات الاحتياط في الجيش، وإعادة التزود بالسلاح، وضرب تهريب الأسلحة عبر الأراضي السورية إلى لبنان. ويتفق عملياً مع العديد من النقاط التي طرحها نتنياهو في كلمته.

وفي مقابلة أجراها موقع واينت العبري اليوم الأربعاء، مع رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق يعقوب عميدرور، اعتبر أن الضربات التي وجهتها لإسرائيل لحزب الله تُدرّس في سياق الحروب، بين الجيوش النظامية وغيرها من الجهات. وقال إن على إسرائيل استخدام آلية مراقبة وقف إطلاق النار، "والتعامل مع المراقبين حتى نحظى بالشرعية الدولية لأي عمل نقوم به في لبنان"، مشدداً في الوقت نفسه على أنه عليها التحرك بقوة في حال أخفق الجيش اللبناني في ضبط الأمور. واعتبر فصل الساحات إنجازاً كبيراً لإسرائيل، لكن من الصعب التكهن برد فعل حركة حماس في غزة.

من جانبها، كتبت الصحافية في صحيفة هآرتس رويت هيخت، "أكثر من أي شيء آخر، يبدو أن أعضاء الحكومة يشعرون بالخجل، أو على الأقل ليسوا فخورين باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان مع حزب الله، الذي دفع به بنيامين نتنياهو نحوه بكل قوته. في النهاية، عندما ننظف حيل التسويق الخاصة بنتنياهو (للاتفاق)، فإننا نتحدث عن اتفاق يتعارض مع مبادئ اليمين، وروح القاعدة المؤيدة له، وأوهام النصر المطلق، وقبل كل شيء مع رغبات معظم رؤساء السلطات في الشمال، الذين يرفض سكانهم العودة إلى منازلهم. حتى نتنياهو نفسه ربما لا يصدق وعوده بشأن العودة الآمنة لسكان الشمال، وهو نفسه لم يخاطر (في كلمته التي أعلن فيها قبول الاتفاق) بدعوتهم للعودة إلى منازلهم".

ولفتت إلى أن نتنياهو حاول تأطير الاتفاق وكأنه وقف مؤقت لإطلاق النار وخاضع للاختبار، كما حاول بث أنه يشتري وقتاً حتى دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، ما قد يمنحه مزيداً من "حرية العمل". ووجهت انتقادات لنتنياهو وتساءلت كيف له القول إنه يمكن وقف إطلاق النار في لبنان متى شاء، فيما لا يوقفها في غزة حيث يوجد المحتجزون الإسرائيليون.

من جهته، هاجم رئيس مجلس المطلة المحلي دافيد أزولاي، اليوم "سياسة الاحتواء" التي عادت حسب قوله، وقال: "وصلت ثماني مركبات ودراجة نارية تابعة لحزب الله إلى أنقاض قرية كفركلا". وأضاف ساخراً: "اتفاق رائع، مرة أخرى احتواء واحتواء - لم يتغير شيء منذ 7 أكتوبر". ويمثل موقف أزولاي العديد من رؤساء السلطات المحلية في البلدات والمستوطنات القريبة من الحدود الذين يرون أن وقف إطلاق النار لم يحقق الأمن المطلوب لإعادة السكان، إذ يتخوّف رؤساء السلطات المحلية، ومنهم رئيس المجلس الإقليمي ماروم هجليل عميت سوفير، الذي تحدث صباح اليوم لإذاعة "كان ريشيت بيت" العبرية، من أن الاتفاق الذي تم إبرامه لم يضع حداً للتهديدات على سكان الشمال. وقال: "يدور الحديث عن اتفاق يترك الحدود الشمالية بدون حماية. سيعود حزب الله للتمركز هنا من جديد وسيتواصل تدفّق الأموال الإيرانية، وما نحققه في هذه الاتفاقية ليس أمناً. لم يتحدث أحد عن احتلال لبنان، ولكن كان من المهم خلق منطقة عازلة، بحيث يتم قتل كل من يقترب منها، فهذا أكثر فاعلية من اتفاقيات لا تطبّق".

ردود من داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية

وعلى مستوى المسؤولين السياسيين قال رئيس المعارضة يئير لبيد: "لم تجلب حكومة اليمين الكاملة خلال عام كامل أي مبادرة سياسية، لذلك انجرّت إلى اتفاق مع حزب الله. وفي هذه الأثناء، دُمرت مستوطنات الشمال، ودُمرت حياة السكان". واعتبر أن "اغتيال نصر الله والقصف في الضاحية شكّلا نجاحات عملياتية تستحق كل الثناء، لكن حكومة السابع من أكتوبر لم تعرف كيف تحوّلها إلى نصر سياسي. نتنياهو لا يعرف كيف يجلب الأمن لإسرائيل، وادعاؤه بأنه لم يصمد أمام الضغط الأميركي هو ادعاء مخزٍ. الآن يجب إبرام صفقة مخطوفين بشكل عاجل، وإعادة المواطنين الذين تم التخلي عنهم الى الديار، وإنهاء الحرب في الجنوب أيضاً".

أمّا وزير الأمن السابق يوآف غالانت، الذي ترأس المؤسسة الأمنية خلال إدارة العدوان على لبنان قبل أن يقيله نتنياهو، فرأى أن "سلسلة الضربات التي وجهتها المؤسسة الأمنية لحزب الله في الأشهر الأخيرة، وعلى رأسها اغتيال نصر الله وكل سلسلة القيادة في حزب الله، وتدمير أكثر من 80% من قدرات الصواريخ، وتفكيك البنية التحتية للإرهاب في جنوب لبنان، تتيح لدولة إسرائيل خلق واقع مختلف على حدود لبنان من موقع قوة وعظمة".

واعتبر أنه "لا معنى في الشرق الأوسط، للكلمات أو التصريحات أو حتى الاتفاقات المكتوبة. مستقبل الشمال وأمن السكان سيحدده شيء واحد فقط، هو عزم حكومة إسرائيل على توجيه المؤسسة الأمنية لضرب أي محاولة انتهاك من قبل حزب الله، بقوة وعلى الفور". وحتى من داخل الحكومة، سُمعت أصوات ضد الاتفاق، منها ما أعلنه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، معتبراً أن "هذا ليس وقفاً لإطلاق نار. هذه عودة إلى مفهوم الهدوء مقابل الهدوء، وقد رأينا بالفعل إلى أين يؤدي ذلك. هذا الاتفاق لا يحقق هدف الحرب، وهو إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان".

تغيير في المواقف من صفقة لبنان

في المقابل، ينظر البعض إلى أن موافقة دولة الاحتلال على الاتفاق تأتي في إطار الرضوخ للضغط الأميركي، وتتنافى مع تصريحات سابقة لبعض المسؤولين الإسرائيليين، منهم نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على سبيل المثال لا الحصر. وتعهد نتنياهو مراراً بمواصلة ضرب حزب الله، بكل قوة، "قائلاً: "لن نتوقّف حتى نحقق جميع أهدافنا وعلى رأسها إعادة سكان الشمال بأمان إلى منازلهم". إلا أن نتنياهو غيّر توجهه، وعمل في الأيام الأخيرة على مدار الساعة من أجل إقناع الوزراء في الكابينت للتصويت لمصلحة الاتفاق، كما حاول إقناع رؤساء السلطات المحلية في الشمال بأن هذا هو الشيء الصحيح للقيام به.

وقال كاتس قبل نحو أسبوعين: "لن نقوم بأي وقف لإطلاق النار ولن نقوم بإنزال القدم عن الدواسة، ولن نسمح بأي تسوية لا تحقق أهداف الحرب، وهي نزع سلاح حزب الله، وانسحابه إلى ما بعد الليطاني، وخلق ظروف لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان". وتراجع كاتس لاحقاً عن تصريحاته بشأن نزع سلاح الحزب، لكن هدف إعادة السكان لم يتحقق أيضاً حتى اليوم.

وصرّح سموتريتش من جهته في أكثر من مناسبة في الأشهر الأخيرة، بأن الحرب مع حزب الله ستنتهي بعد إبعاده إلى ما بعد الليطاني، وتغيير الوضع السياسي في لبنان، حيث تستلم البلاد قوى معتدلة. كما قال قبل نحو شهر إنه يجب عدم التوقف في الوسط، "وسنعارض كل مقترح للانسحاب من لبنان قبل إزالة خطر حزب الله، ولن نسمح لذلك بأن يمر"، قبل أن يعود في نهاية المطاف ليصوّت لمصلحة قرار وقف إطلاق النار.