- العطار، المناهض للنظام السوري والذي تعرض لمحاولات اغتيال، ترك إرثًا فكريًا وأدبيًا غنيًا يتمثل في مؤلفاته وخطبه التي ألهمت الكثيرين، معروف بدوره البارز في الحياة السياسية والفكرية الإسلامية.
- نعي الأوساط الإسلامية والعربية للعطار ببالغ الحزن، مشيدين بدوره القيادي ومساهماته الفكرية، ويُذكر كرمز للنضال والتضحية، وقد أثرى الحياة الفكرية والثقافية بأعمال تعكس رؤيته لإسلام متسامح ومتنور.
توفي فجر اليوم الجمعة المفكر الإسلامي والداعية والشاعر الشيخ عصام العطار، المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، عن عمر ناهز 97 عاماً في مدينة آخن الألمانية التي يقيم فيها منذ عقود. وفي بيان نعي، قالت عائلته: "توفي والِدُنا عصام العطار، الليلة، 3 أيار (مايو) 2024، تغمده الله برحمته ورضوانه. وهو يسألكم المسامحة والدعاءَ له بالمغفرة وحسن الختام".
وكتب عصام العطار في وصية نشرتها ابنته هادية العطار على "فيسبوك": "وداعاً وداعاً يا إخوتي وأخواتي وأبنائي وبناتي وأهلي وبني وطني. أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، وأستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم، وأسأل الله تعالى لكم العون على كل واجب وخير، والوقاية من كل خطر وشر، والفرج من كل شدة وبلاء وكرب. سامحوني سامحوني واسألوا الله تعالى لي المغفرة وحسن الختام. شكراً لكم شكراً. جزاكم الله خيراً".
والراحل هو شقيق نائبة رئيس النظام السوري للشؤون الثقافية والإعلامية ووزيرة الثقافة السابقة نجاح العطار، وزوجته بنان الطنطاوي، ابنة الشيخ علي الطنطاوي، التي اغتالتها مخابرات النظام السوري في ألمانيا في 1981. وقد اشتهر بمناهضته النظام السوري، وقد غادر مواقعه القيادية في جماعة الإحوان المسلمين بعد خلافات معها.
وفي نعيه العطار، قال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية عامر البوسلامة، على صفحته الشخصية في منصة إكس، إن "العطار قاد الجماعة في ظروف صعبة كانت تعيشها البلاد، فكان نعم القائد ونعم المسدد، وهو مفكر بارز، ومصلح مميز، ومجاهد تشهد له سوح التضحية والنضال والفداء بكل مفردات العطاء، وخطيب يشار له بالبنان، وتعقد عليه الأنامل، جمع بين الفكرة والفصاحة والبلاغة والشعر والحس المرهف، وما خطبه في مسجد الجامعة عن كاتب التاريخ عنّا ببعيد".
ننعى للأمة العربية والإسلامية عامة وللشعب السوري خاصة العلم العالم العامل الأستاذ عصام العطار رحمه المولى تعالى.
— د. عامر البو سلامة (@MBSyriaCG) May 3, 2024
الأستاذ عصام العطار، قامة إسلامية كبيرة، وقائد قوي دؤوب، فهو المراقب العام الثاني لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، الذي قاد الجماعة في ظروف صعبة، كانت تعيشها البلاد،…
كما غرد الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب، عبر منصة إكس، قائلاً إن "العطار أحد القادة التاريخيين للحركة الإسلامية بعد مرض طويل وهجرة واغتراب لأكثر من ستين عاماً"، مضيفاً: "استشهدت زوجته بنان ابنة الشيخ علي الطنطاوي اغتيالاً من قبل النظام السوري (آذار/ مارس 1981). وفشلت عدة محاولات لاغتياله".
محطات أسياسية من سيرة عصام العطار
ابن العائلة الدمشقية العريقة، ولد في العاصمة السورية دمشق عام 1927 في أعقاب الثورة السورية الكبرى، ولكونه ينتمي لعائلة تصنف في مدينته وبلاده من "أهل العلم والفقه والمحدثين"، وتوارثت التدريس والخطابة في المسجد الأموي في دمشق لعقود، ولها غرفة مكتبة في المسجد، كان المجال مفتوحا للعطار ليدخل معترك الفكر والسياسة في مرحلة الصراعات السياسية والفكرية وبروز التيارات المختلفة، خلال الفترة التي أعقبت جلاء المستعمر الفرنسي عن البلاد.
أولى خطوات العطار في الدخول إلى تنظيم الإخوان المسلمين كانت بالتحاقه بـ"شباب محمد"، وهي واحدة من الجمعيات التي كونت الإخوان المسلمين. وكان شباب الجمعية يقومون بتعليم أسس الإسلام، ويعيشون سوية، فيأكلون، ويقومون مع بعضهم، ويخرجون إلى القرى يخطبون الجمعة، وربما من هنا تكونت لدى العطار فكرة الجماعة وتعززت رابطتها في مخيلته.
يعد العطار من الجيل المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، وتسلم أول منصب قيادي في العام 1955 من القرن الماضي، حين عقد مؤتمر في دمشق ضم كل شيوخ سورية الكبار وكل السياسيين السوريين الإسلاميين وكل الجمعيات الثقافية الإسلامية، إذ اختير عصام العطار بالإجماع أمينا عاما لهيئة المؤتمر الإسلامي، وكان في وقتها عضوا في الهيئة التشريعية والمكتب التنفيذي للإخوان المسلمين وعضوا في مكتب دمشق للجماعة.
من على منبر مسجد جامعة دمشق أفصح العطار عن أفكاره ودعا إليها وانتقد وهاجم، فكان الخطيب شبه الدائم في مسجد الجامعة مع علي الطنطاوي ومصطفى السباعي وآخرين، وكان المسجد يمتلئ بآلاف الطلاب وأساتذة الجامعة.
وقد هاجم عصام العطار حكم الرئيس أديب الشيشكلي سنة 1951، فصدر أمر اعتقاله، قبل أن ينصحه مقربوه بالخروج إلى مصر. وعندما عاد إلى سورية، كان مرافقا للمراقب العام الذي سبقه، ومؤسس الجماعة في سورية مصطفى السباعي، لكن العطار الذي خرج للحج في تلك الأثناء منع من العودة إلى سورية، ليذهب إلى لبنان، وحين اشتد المرض على السباعي، اختير العطار في العام 1964 مراقبا عاما للجماعة في سورية. وتنقل العطار في تلك الفترة بين لبنان والأردن والكويت وبلجيكا، قبل أن تحط رحاله في مدينة آخن الألمانية، وظل قائدا للجماعة في سورية حتى عام 1973.
الكثير من قيادات الإخوان حينها عارضوا اختياره مراقبا عاما، وهو الإسلامي صاحب الفكر الديمقراطي، والمفكر المتنور المنفتح، فسعى تيار واسع لعزله في عام 1973، ليشكل هذا الحدث ما يشبه القطيعة بين العطار والتنظيم.
وفي عام 1981، اغتالت المخابرات السورية الداعية بنان الطنطاوي في آخن الألمانية، وهي زوجة المفكر العطار وأم أولاده، ما شكل حدثا فارقا في حياته، لكن النظام السوري كانت له محاولات عدة في توجيه الضربات للعطار معنويا، لا سيما تدريج شقيقته نجاح العطار في المناصب القيادية في الدولة في سبيل إضعاف حضوره سواء في الوسط المعارض للنظام أو جماعته الإخوان، إذ تسلمت نجاح العطار منذ عام 1973 وحتى عام 2000، منصب نائبة رئيس الجمهورية، وهي أول امرأة عربية تختار لهذا المنصب.
للعطار العديد من المؤلفات، منها: "بلادنا الإسلامية وصراع النفوذ، الإيمان وأثره في تربية الفرد والمجتمع، ثورة الحق، أزمة روحية"، بالإضافة إلى الكثير من المقالات التي كانت تكتسي بالتسامح والفكر المتنور والتي كان يصدرها حتى من على سرير المرض، إلى أن توفي".