أشارت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، اليوم الاثنين، إلى أنها عادت إلى لبنان في ظلّ التصعيد الحاصل على الحدود بين حزب الله وإسرائيل، والقلق الذي أصبح أكبر من زيادة التوترات مع ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية، محذرة مرة جديدة من الحسابات الخاطئة وخطورة خوض لبنان الحرب، وضرورة التزام الأطراف بالقرار 1701.
وقالت كولونا في مؤتمر صحافي من قصر الصنوبر، مقرّ السفارة الفرنسية في بيروت، بعد لقائها المسؤولين اللبنانيين اليوم الاثنين: "إني جئت إلى لبنان لأؤكد بوضوح للجميع أنه من خلال الدبلوماسية يمكن أن نصل إلى تخفيض التوترات، وسبق أن تحدثت في زيارتي الماضية عن ضرورة تلافي الحسابات الخاطئة والتفكير بها، والعمل على إبقاء الجنوب اللبناني خارج التشنجات، حيث إنه إذا كان على لبنان أن يخوض هذه الحرب، فإنه لن يجد أي مخرج وسيكون ذلك خطأ حقيقياً".
وأضافت: "لدي القلق نفسه اليوم، وربما أصبح القلق أكبر، وأنقل هذه الرسالة أيضاً إلى أولئك الذين هم خارج لبنان ويرغبون أن يستفيدوا من الوضع الكارثي في غزة لزيادة هذه التوترات، وهنا أفكر في إيران وكذلك كل تابعيها في العراق وسورية والبحر الأحمر"، مشيرة إلى أن "عمليات الحوثيين تزايدت وزادت التوترات، وهذا أيضاً خطأ والتصعيد يجب أن يتوقف".
وتابعت كولونا: "لبنان بلد صديق لفرنسا وعزيز على قلبها، وهي ستقوم بكل الجهود للحفاظ على الاستقرار على أساس المعايير التي قُبلت من الجميع خصوصاً القرار 1701، وهذا من صالح الجميع، إذ علينا أن نعود إلى المبادئ بما يساهم في تحسين الوضع في الميدان، وعلينا أن نتفادى التصعيد خصوصاً أن لبنان اليوم بحالة ضعيفة تحتم العقلانية".
وذكرت أيضاً أن "التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون أمرٌ نحييه وكان من الضروري السير به، ولكن يبقى غير كافٍ في هذه الفترة المضطربة، إذ يجب أن يواصل المسؤولون البرهنة عن روح المسؤولية، ونطلب منهم في هذا الإطار انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت إذ لا يمكن أن تبقى البلاد بلا رئيس".
وفي معرض ردها على أسئلة الصحافيين حول ما إذا جاءت إلى لبنان لطلب تراجع حزب الله باتجاه شمال الليطاني وتعزيز حضور يونيفيل على الحدود، قالت كولونا: "لم نتحدث مع حزب الله بهذا الشأن، ومن المفيد أن يعود الجميع إلى تنفيذ القرار 1701، لكننا بعيدون عن ذلك".
وأضافت كولونا: "منذ زيارتي الأخيرة، ألاحظ أن المواجهات والأعمال من كلا الطرفين زادت على الحدود، وهذا الواقع يقلقنا، ولا تُمكن المواصلة على هذا المنوال من دون أن يتخذ لبنان إجراءات، وبالتالي علينا أن نغيّر الوضع ونطلب من كل الأطراف أن تطبق القرار 1701، ما يسمح بوقف التصعيد".
من جهة ثانية، قالت كولونا إن "هناك عدداً مفرطاً من الموتى في غزة، ولا تُمكن المواصلة على هذا المنوال من دون معاناة أكبر واستياء أكبر، وهذا ليس بصالح إسرائيل أو أي طرف، وفرنسا تنادي بهدنة إنسانية فورية ومستدامة تسمح بالعمل على وقف إطلاق النار وتحقق ذلك، كما يجب الإفراج عن كل الرهائن وأن تصل المساعدات إلى غزة وتسلم في كل أطراف القطاع، ولا بد أن تكون هناك مواقع للعبور".
وأضافت: "نعلم جميعاً أنه لن يكون هناك سلام من دون حل سياسي يقوم على حلّ الدولتين، وهذا هو الحل الوحيد، إذ لن يكون هناك سلام من دون أمن، ولا أمن من دون سلام، ولا بد من حل سياسي لهذا الغرض ولن يكون هناك سلام من دون دولة فلسطينية".
وتابعت كولونا: "زرت بالأمس الضفة الغربية والسلطات الفلسطينية، والتقيت مزارعين فلسطينيين حُجزت واختُطفت أراضيهم، وكانت هناك تهديدات من قبل المستوطنين لهم، وسجلت وفيات واعمال من هذا القبيل غير مقبولة، لا يمكن أن نقبلها ولن نقبلها، وفرنسا لن تنتظر وقتاً أطول فقد طلبنا من السلطات الإسرائيلية أن تضع حدّاً لهذه الإجراءات، وسنتخذ تدابير ضد بعض المستوطنين المتطرفين، وناقشنا ذلك داخل الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات ضد هؤلاء، إذ إن هذه الأراضي فلسطينية، وستكون طرفاً من الدولة الفلسطينية".
وشددت وزيرة خارجية فرنسا على أنه آن الأوان ليكون هناك فضاء للسلام، ونحن نعمل لهذا الغرض.
وجالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا على المسؤولين اللبنانيين، اليوم الاثنين، في إطار المساعي الدبلوماسية النشطة لمنع الحرب الشاملة بين "حزب الله" والاحتلال الإسرائيلي والتشديد على ضرورة تنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وتحقيق الأمن والاستقرار في جنوب لبنان.
شرط التزام إسرائيل
وخلال اجتماعه مع وزيرة خارجية فرنسا، شدد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على "أولوية وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتطبيق القرار 1701 نصّاً وروحاً شرط التزام إسرائيل بمندرجاته".
وقال المكتب الإعلامي لميقاتي إن وزيرة خارجية فرنسا أكدت من جهتها أنه "من الضروري خفض التصعيد على الحدود الجنوبية من الجهتين، والتوصل إلى آلية لإيجاد حلٍّ يكون مقدمة لترسيخ الاستقرار الدائم في الجنوب".
وفي وقت سابق، استقبل رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، في مقرّه عين التينة ببيروت، وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، حيث جرى عرض للأوضاع العامة في لبنان والمنطقة على ضوء تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان، وغادرت كولونا من دون الإدلاء بتصريح.
وقال مصدرٌ مقرّب من رئيس البرلمان نبيه بري، لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس البرلمان أكد لوزيرة خارجية فرنسا موقف لبنان المتمسّك بالاستقرار وعدم نيّته الدخول في أي حرب، لكن في المقابل، لن يقف متفرجاً على العدوان الإسرائيلي وتماديه في اعتداءاته".
وأشار المصدر إلى أنّ "بري كرّر لوزيرة الخارجية مواقف سبق أن عبّر عنها في اتصالات ولقاءات مع الدبلوماسيين والموفدين الغربيين والدوليين، وترتكز على أن لبنان ليس الجهة المعتدية بل الطرف الذي يدافع عن نفسه وأرضه التي لا تزال أجزاء منها محتلة من قبل العدو".
ولفت المصدر نفسه إلى أنّ "القرار 1701 كان مدار بحث ونقاش بين وزيرة الخارجية الفرنسية ورئيس البرلمان، الذي أكد أن لبنان ومنذ عام 2006 مع تطبيق القرار وملتزم به، بعكس العدو الذي يتمادى في ضربه والقرارات الدولية كافة من دون أن يردعه الخارج".
كذلك، أشار المصدر إلى أن "وزيرة الخارجية الفرنسية شددت على أهمية الالتزام بالقرار 1701، لكنها لم تحمل أي جديد أو طرح لناحية تطبيقه ولم يجرِ الحديث عن تعديلات في القرار".
وكان مصدرٌ دبلوماسي في السفارة الفرنسية في بيروت، قد قال لـ"العربي الجديد"، إن "كولونا سبق أن زارت لبنان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتعبّر عن قلقها من الأوضاع وتنبّه إلى خطورة اتساع رقعة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، وضرورة وقف إطلاق النار وإبقاء الجنوب اللبناني خارج التشنجات بحماية الجيش اللبناني وعناصر اليونيفيل، التي تُعتبر فرنسا إحدى ركائز هذه القوات الدولية التي يجب أن تبقى بمنأى عن الاعتداءات".
وأشار المصدر إلى أن "هناك محادثات تجري مع المسؤولين اللبنانيين لضرورة تجنّب اندلاع حرب شاملة في لبنان التي ستنعكس بشكل خطير وسيئ على البلاد، وبذل كل الجهود الممكنة لإبعاد حزب الله عن النزاع بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، كما أن هناك حاجة ملحّة لتنفيذ القرار 1701 والتزام الأطراف به، وهناك في هذا الإطار مساع فرنسية لتحقيق ذلك".
وأعلنت السفارة الفرنسية في بيروت عن "تصريح رسمي ستدلي به وزيرة الخارجية الفرنسية مساءً في مقرّها في قصر الصنوبر" وذلك بعد لقاءات حُدّدت مع المسؤولين اللبنانيين اليوم.
وعشية زيارتها اللبنانية، التي أُرجئت من أول من أمس السبت إلى اليوم نتيجة عطل تقني طرأ على طائرتها، أدلت وزيرة الخارجية الفرنسية بمواقف لافتة من تل أبيب، حيث أعربت عن قلق بلادها البالغ إزاء الوضع في قطاع غزة، مطالبة بهدنة جديدة فورية ومستدامة في الحرب على غزة.
واعتبر نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين أن فرنسا بإمكانها أداء دور إيجابي ومهم لمنع الحرب في لبنان، مشدداً على أن "ليس لدى إسرائيل أي نية لفتح جبهة أخرى على حدودنا الشمالية، لكننا سنقوم بكل ما يلزم لحماية مواطنينا"، معتبراً أن "تنفيذ القرار 1701 وإبعاد حزب الله عن الحدود فقط سيمنع نشوب حرب في لبنان".
وتشهد الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة تصعيداً خطيراً منذ بدء المواجهات في 8 أكتوبر الماضي تزامناً مع انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في غزة، بحيث يكثف "حزب الله" عملياته ضد مواقع إسرائيلية وتجمّعات جنود العدو، ويحقق فيها إصابات مباشرة، بينما يوسّع جيش الاحتلال الإسرائيلي استهدافه للبلدات الحدودية، جنوبي لبنان، ويزيد اعتداءاته التي تطاول مدنيين ومسعفين ومراكز للجيش اللبناني وأطقماً صحافية ومستشفيات ومنازل مأهولة وعمق القرى.
القرار 1701
وكانت تصريحات إسرائيلية قد تحدثت في الفترة الأخيرة عن محادثات للتوصل إلى حلٍّ دبلوماسي بشأن لبنان والحرب الدائرة على الحدود اللبنانية الجنوبية مع شروط إسرائيلية يجري تداولها إعلامياً، منها إبعاد "حزب الله" عن حدودها الشمالية لما وراء الليطاني، وتطبيق البند الذي ينصّ على ذلك في القرار 1701، وسحب "قوة الرضوان"، وهي من وحدات النخبة في الحزب، من الحدود، فيما يجري الحديث أيضاً عن فرض رقابة فرنسية على الجانب اللبناني وأميركية على الناحية الإسرائيلية.
وفي المقابل، تؤكد أوساط "حزب الله" أن لا اتفاق سيحصل بين الحزب والاحتلال الإسرائيلي في الوقت الراهن، والجبهة الجنوبية في لبنان مرتبطة بجبهة غزة ولا نقاش في أي وضعية للجنوب اللبناني مع استمرار العدوان على القطاع.
ويشدد المسؤولون اللبنانيون على أن لبنان ملتزم بتطبيق القرار 1701، الذي تواصل إسرائيل خرقها له بالإضافة لاحتلالها أراض لبنانية، وهي التي تدفع اليوم باتجاه توسيع رقعة المواجهة باستهدافها مدنيين وصحافيين والجيش اللبناني وخرقها قواعد الاشتباك.
وطالب وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال في لبنان عبد الله بو حبيب، يوم الجمعة الماضي، خلال لقاء نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك في برلين، بـ"سلة متكاملة" لتطبيق القرار 1701، ومن ضمنها انسحاب إسرائيل من كل المناطق المحتلة ووقف الخروق البرية والبحرية والجوية.
وعاد القرار 1701 إلى الواجهة بالتزامن مع بدء المواجهات في جنوب لبنان، وأصبح في صلب نقاشات الدول العاملة على الشأن اللبناني وأساس محادثات الموفدين الدوليين إلى بيروت، منهم الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، والموفد الأميركي آموس هوكشتاين.
ومن أبرز البنود التي ينصّ عليها القرار 1701 الصادر عام 2006، عقب العدوان الإسرائيلي على لبنان والداعي إلى وقف كل العمليات القتالية بين "حزب الله" والاحتلال، "إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تكون خالية من أي مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات اليونيفيل".
وسمح مجلس الأمن بزيادة عدد قوات اليونيفيل إلى حد أقصى قدره 15 ألف جندي، وأن تتولى القوة بالإضافة لتنفيذ ولايتها عدة مهام، أهمها رصد وقف الأعمال القتالية، علماً أن تعديلات طرأت على صعيد توسيع مهام اليونيفيل في الفترة الماضية وحركتها في الجنوب، أحدثت امتعاضاً لبنانياً رسمياً واستنكاراً من جانب "حزب الله".
اليونيفيل: توتر الوضع في الجنوب
إلى ذلك، قال قائد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) الجنرال أرولدو لازارو إنّ "الوضع في جنوب لبنان متوتر وخطير مع تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل".
وقبيل لقائه وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، ذكر لازارو للصحافيين أن "يونيفيل تواصل لعب دور الوساطة بين الطرفين لتجنب أخطاء حسابية أو تفسيرات يمكن أن تكون سبباً آخر للتصعيد".
وأشار إلى أن "حزب الله يستخدم أسلحة بعيدة المدى فيما تنتهك إسرائيل المجال الجوي اللبناني، لكن في المقابل، لاحظنا في الأيام الثلاثة الماضية تراجعاً لتبادل النيران".