يبدو أن محاولات اليميني المتطرف الدنماركي-السويدي، راسموس بالودان، مواصلة حرق نسخ من القرآن في السويد باتت منذ أسبوعين تصطدم بمنع صارم من قبل السلطات الأمنية، بحسب وثيقة داخلية تسربت تفاصيلها إلى الصحافة المحلية خلال الأيام الماضية.
وكان بالودان أثار موجة من الاحتجاجات والسجالات خلال الأسابيع الأخيرة بعد قيامه بحرق نسخة من القرآن أمام سفارة تركيا في استوكهولم يوم 21 يناير/كانون الثاني الماضي، والتي اعتبرها كثيرون "استعراضية واستفزازية".
ويسعى اليميني المتطرف منذ نهاية يناير الماضي إلى توسيع تظاهراته بحرق المزيد من نسخ القرآن. وتبين بعض التفاصيل الأمنية أنه في عز الانشغال بآثار الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية كان بالودان يحاول الحصول على موافقة أمنية لحرق نسخ أخرى بحجة "الضغط على تركيا حتى قبول عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)".
وفقاً للوثيقة الأمنية، على ما ذكرت صحيفة "داغنس نيهتر" في استوكهولم، فإن الشرطة وجهاز الاستخبارات السويدي، سابو، قدما تصوراً يرتبط بمخاطر أمنية نتيجة تصرفات بالودان، من أجل وقف منحه تراخيص الحرق. وبموجب تلك الوثيقة الأمنية المقدمة من الجهازين الأمنيين، فإن حظر حرق نسخ من القرآن جاء على خلفية ما تتسبب فيه من "أذى للأمن والمصالح السويدية".
ومنذ مطلع فبراير/شباط أصبحت الوثيقة الداخلية في الأجهزة الأمنية السويدية تعتبر "الاعتداء على نسخة من الكتاب المقدس عند المسلمين (القرآن) غير مسموح فيه".
ويتبين أيضاً أنه في اليوم التالي للزلزال (أي 7 فبراير/شباط) كان بالودان تقدم بطلب الحصول على رخصة أمنية (لحماية تظاهرته) أمام السفارة التركية، فجوبه بالرفض كتطبيق عملي للوثيقة الأمنية.
ومن ناحية ثانية، يبدو أن بالودان ومن يرفضون تقييد ما يسمى "حق حرية التعبير وحرق نسخ من الكتب المقدسة" يسلطون هذه الأيام على "التمييز" الحاصل بحق بقية كتب الأديان الأخرى، إذ يعتبرون أن الحظر يشمل فقط القرآن، ولا يمنع حرق بقية الكتب المقدسة. على الرغم من أن طلب شاب من أصل عربي بحرق نسخة من التوراة أمام سفارة دولة الاحتلال الإسرائيلي جوبه بالرفض.
وأدت بالفعل تصرفات راسموس بالودان إلى احتجاجات محلية ورفض من سياسيين ومواطنين مسلمين، مع تحذيرات من أن أفعاله "تضر بمصالح السويد وسمعتها".
وعلى تلك الخلفية، التي أججت احتجاجات خارجية ضد استوكهولم في بعض الدول المسلمة، قُدمت الوثيقة المشار إليها بتطبيق حظر حرق القرآن على وجه الخصوص، دون إشارة إلى الكتب السماوية الأخرى، وهو ما تستغله جمعيات وشخصيات سياسية باعتباره "تمييزاً" ضد بقية الأديان.
وكانت بعض الجهات السويدية ربطت بين ما يقوم به بالودان وأطراف مؤيدة لروسيا، بغية خلق توترات بين أنقرة واستوكهولم تمنع موافقة برلمان الأولى على المصادقة على عضويتها في "ناتو".
وحذر جهاز الاستخبارات السويدية من أن استمرار عمليات حرق القرآن "يزيد من تهديد الهجمات ضد السويد والسويديين"، سواء داخل البلاد أو خارجها، مشدداً على أن السويد "أصبحت هدفاً ذا أولوية للهجوم". السلطات الأمنية تعتبر أن ترجمتها للقانون يحتم عليها الأخذ في الاعتبار "الانعكاسات التي يخلفها حرق القرآن على الأمن والنظام العام لاحقاً.
ومن ناحيتهم يراهن مؤيدو استمرار حرق نسخ من القرآن بحجة "حرية التعبير"، على شكوى أمام المحكمة الدستورية في السويد ضد تطبيق الأمن السويدي للحظر. ويتسلح هؤلاء بتفسيرات قانونية ودستورية يقدمها خبراء قانونيون باعتبار قرار المنع "اتخذ بمشاورات بين السلطات الأمنية بنفسها، دون أن يتوافق ذلك مع القانون العام"، بحسب أستاذ القانون في جامعة لوند هنريك ويناندر، الذي صرح للصحافة المحلية بأن الشرطة لا تملك سلطة الحظر.
وعادة ما تكون مسؤولية الشرطة محصورة في "منح الإذن" إذا كانت قادرة على حماية التحرك الذي يقوم به بالودان، ويبدو أن تكرر رفض منحه الإذن اعتمد على أن الشرطة غير قادرة على ذلك، بعد أن شهدت السويد أعنف المواجهات خلال العام الماضي نتيجة سوء فهم عن أن "الشرطة تحمي حارقي القرآن".
وحاولت السلطات التشريعية والسياسية السويدية شرح موقفها من خلال وسائل الإعلام بأنها "ليست بالضرورة تتبنى تلك التصرفات"، وذلك خلال جولة بالودان في مناطق تجمعات يقطنها أغلبية مواطنين من أصول مهاجرة. واستغل بالودان أن والده سويدي لحصوله على الجنسية السويدية ونقل حزبه وتصرفاته لتشمل السويد بعد سنوات من تركيز جهوده على بلد والدته الدنمارك.
في كل الأحوال، فإن الحكومة السويدية سعت في مرات عدة إلى توضيح أن تصرفات بالودان لا تعني قبولاً رسمياً، وهو ما تكرر أيضاً في كوبنهاغن التي يحمل جنسيتها، على لسان وزير خارجيتها لارس لوكا راسموسن، لتصرفاته التي اعتبرها "استفزازية ومرفوضة". وتعاظمت مخاوف السويد من أن يعرقل الموقف التركي حسم عضويتها في الحلف الأطلسي (ناتو).
ورغم ذلك، تدخل هذه الأيام أحزاب سويدية على الخط، لتطالب بتدخل البرلمان لمناقشة تصرفات الأمن، كما يطالب الحزب اليميني المتشدد "ديمقراطيو السويد"، الذي يصر على حق بالودان في التظاهر رغم عدم حماية الشرطة له.
وفي المقابل يرفض "الديمقراطي المسيحي" و"البيئة" (الخضر) و"اليسار" مناقشة تغيير القانون لفرض حظر على الإساءة للكتب المقدسة عند جميع الأديان، بما فيها القرآن. بينما اعتبر يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي) أنه لا حاجة لقوانين جديدة، حيث القوانين الحالية "متوازنة" بما يكفي للحفاظ على حرية التعبير والأمن والنظام.