وثائق سرية: تعاون استخباراتي بين القاهرة وباريس أدى إلى مقتل مئات المدنيين في الصحراء الغربية المصرية

23 نوفمبر 2021
وجّه نظام السيسي العملية الفرنسية لقتل المهربين ولم يكن مهتماً بمكافحة الإرهاب (فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال السلطات المصرية تلتزم الصمت تجاه التقرير الذي نشره موقع "ديسكلوز" الإلكتروني الاستقصائي صباح الأحد، وكشف خلاله أنّ فرنسا "قدّمت معلومات استخباراتية إلى السلطات المصرية، استخدمتها الأخيرة لاستهداف مدنيين بغارات جوية عند الحدود المصرية-الليبية، لا "إرهابيين"، بخلاف ما هو متّفق عليه".

واستند الموقع في تقرير بعنوان "فرنسا متواطئة في جرائم الدولة في مصر"، إلى ما قال إنه "وثائق دفاع سرية" تظهر انحراف هذه المهمة الفرنسية عن مسارها. وقال إنه منذ عام 2016، تقوم مديرية المخابرات العسكرية بعملية سرية في الصحراء الغربية المصرية، "خدمة لدكتاتورية المشير السيسي".

وكشفت الوثائق التي حصل عليها "ديسكلوز" عن وجود عملية عسكرية سرية، مهمة باسم "سيرلي"، استخدمتها الديكتاتورية المصرية في قصف المدنيين. ويقول الموقع إنه "على الرغم من التنبيهات العديدة، لم يضع فرانسوا هولاند ولا إيمانويل ماكرون حداً للعملية".

وأطلق الموقع على تلك الوثائق اسم "أوراق مصر"، وجاء فيها أنّ مصر "استخدمت المعلومات التي جمعتها الاستخبارات الفرنسية من أجل شنّ غارات جوية على مركبات يشتبه في أنها لمهربين".

وجاء في الوثائق أنّ سوء استخدام مصر لهذه المعلومات واستنادها إليها لاستهداف مهربين على الحدود مع ليبيا سبّب إحراج باريس واتهام "القوات الفرنسية بأنها ضالعة في ما لا يقلّ عن 19 عملية قصف ضد مدنيين بين عامي 2016 و2018".

ويشير الموقع إلى أنّ بداية المهمة السرية كانت في 25 يوليو/تموز 2015، وكانت أولى خطوات الاتفاق على مهمة "سيرلي" بتوجه جان إيف لودريان عندما كان وزيراً للدفاع في إدارة الرئيس الفرنسي آنذاك، فرانسوا هولاند، برفقة رئيس المخابرات العسكرية الفرنسية الجنرال كريستوف جومارت إلى القاهرة، من أجل لقاء وزير الدفاع المصري حينها، الفريق أول صدقي صبحي.

وبحسب موقع "ديسكلوز"، وفقاً لوثيقة دبلوماسية قال إنه حصل عليها، فقد جاء اللقاء "انطلاقاً من الظروف المواتية بين البلدين واتفاق مصر على شراء 24 مقاتلة رافال فرنسية وفرقاطتين متعددتي الأغراض بقيمة 5.6 مليارات يورو"، مضيفاً أنّ اجتماع القاهرة "ارتكز على بحث تأمين الحدود المصرية التي يبلغ طولها 1200 كيلومتر مع ليبيا التي تعيش في فوضى".

ويقول الموقع إنّ وزير الدفاع المصري "أثار آنذاك، بشكل خاص، "الحاجة الملحة" للمعلومات الواردة من الاستخبارات الجوية الفرنسية". وتعهد لو دريان بإقامة "تعاون عملي وفوري" كجزء من "مناورة عالمية ضد الإرهاب" على أن يأخذ هذا التعاون شكل "مهمة سرية تقودها المخابرات العسكرية الفرنسية من قاعدة عسكرية مصرية".

ويذكر أنّ القوات المسلحة المصرية أصدرت بياناً حينها قالت فيه إنّ اللقاء تناول "تبادل الرؤى تجاه تطورات الأوضاع التي تشهدها المنطقة وانعكاسها على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، ومناقشة عدد من الأوجه المتعلقة بتدعيم أوجه التعاون المشترك بين القوات المسلحة لكلا البلدين الصديقين في العديد من المجالات".

وأشار البيان إلى أنّ الفريق أول صدقي صبحي "أكد أن العلاقات العسكرية المصرية الفرنسية ترتكز على أسس راسخة من التعاون والشراكة الاستراتيجية على المستويات كافة، وتنسيق المواقف المشتركة في ما يتعلق بالقضايا والموضوعات ذات الاهتمام على الساحتين الإقليمية والدولية".

وقال بيان الجيش المصري إنّ وزير الدفاع الفرنسي، أكد من جانبه "تقدير بلاده الكامل لمصر ودورها المحوري في مواجهة التطرف والإرهاب الذي بات ظاهرة عالمية تهدد أمن الشعوب واستقرارها"، مشيراً إلى "حرص فرنسا على تنمية علاقات الدفاع مع مصر سواء في ما يتعلق بمجالات التصنيع وتبادل الخبرات والتدريب والتأهيل بين القوات المسلحة لكلا البلدين".

وكان وزير الدفاع الفرنسي قد وصل قبلها إلى مدينة أسوان قادماً من فرنسا، وقام بجولة نيلية شملت بعض المعالم السياحية والأثرية التي تتمتع بها مدينة أسوان.

موقع "ديسكلوز" المتخصص في نشر معلومات عادة ما تحرج الجيش الفرنسي، ذكر أنه "من حيث المبدأ، كانت المهمة السرية تقوم على مراقبة الصحراء الغربيّة في مصر لرصد تهديدات إرهابيّة محتملة آتية من ليبيا"، باستخدام طائرة مراقبة واستطلاع خفيفة مستأجرة من مديريّة الاستخبارات العسكريّة الفرنسية، وفي كل رحلة كان يرافق الفريق الفرنسي ضابط مصري مكلف التنصت المباشر على المحادثات.

وأضاف الموقع الاستقصائي: "نظرياً، يجب فحص البيانات التي تُجمَع ومقارنتها، من أجل تقييم حقيقة التهديد وهوية المشتبه فيهم. لكن سرعان ما أدرك أعضاء الفريق أنّ المعلومات الاستخباريّة المقدمة إلى المصريين، تُستخدم لقتل مدنيّين يُشتبه في قيامهم بعمليات تهريب...".

وبحسب الموقع، فقد نشأت شكوك الفريق الفرنسي بعد شهرين فقط من بدء مهمتهم، كما يتضح في تقرير لمديرية الاستخبارات العسكرية (DRM) التابعة لوزارة الدفاع الفرنسية بتاريخ 20 إبريل/نيسان 2016.

وذكر الموقع أنّ ضابط الاتصال للفريق الفرنسي أبلغ رؤساءه بأنّ المصريين يريدون "اتخاذ إجراءات مباشرة ضد المتاجرين بالبشر، وأنّ مكافحة الإرهاب لم تعد بالفعل أولوية".

وبعد أربعة أشهر، أكد تقرير آخر شبهات الفريق الفرنسي عندما أعلن وكلاء في الاستخبارات الفرنسية أنّ عملية "سيرلي" "لم تكن مهمة" لاقتصارها على صحراء غرب مصر، حيث تكاد الجماعات المسلحة تكون معدومة. وقالوا في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول 2016، إنهم "مُنعوا من تغطية الأراضي في ليبيا وسيناء، حيث كان التهديد الإرهابي حقيقياً".

ووفق الموقع، فقد انطلقت المهمة في 2016 بإرسال فريق فرنسي سراً إلى منطقة الصحراء الغربية لمصر، في المنطقة المتاخمة للحدود مع ليبيا. وشارك في العملية عشرة عسكريين بالمجال الجوي وتحليل الأنظمة، بينهم ستة عسكريين سابقين يعملون الآن في القطاع الخاص.

وقال "ديسكلوز" إنّ إحدى وثائق الاستخبارات الفرنسية السرية التي حصل عليها ذكرت أن المنطقة الصحراوية الشاسعة التي تمتد من جنوب واحة سيوة إلى مدن دلتا النيل، أطلق عليها ضابط مصري اسم "الموزة"، وهي منطقة تمركز شاحنات الدفع الرباعي التي يستخدمها المهربون الذين يسافرون إلى مصر من الحدود الليبية.

وأوضحت الوثائق أنّ هذه المركبات عادة ما يقودها "مدنيون تراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، ويمكن أن تحمل سجائر أو مخدرات أو أسلحة، ولكن أيضاً يمكنها نقل بنزين وأرز وحبوب ومستحضرات تجميل".

وقال موقع "ديسكلوز" إنه بحلول نهاية عام 2016، لم يعد هناك شك في أن عملية "سيرلي" فشلت في تحقيق هدفها. مضيفاً أن الفرنسيين "وصلوا إلى هذه النتيجة بعد أيام من إعلان مصر في ذلك الوقت تدمير ثماني شاحنات صغيرة مع ركابها، بزعم أنهم مهربون".

وأكد الموقع أنّ العملية المصرية ضد تلك الشاحنات "جرت بناءً على معلومات وفرها فريق "سيرلي" في 21 سبتمبر/أيلول 2016، ما جعل الدولة الفرنسية في النهاية شريكاً في عمليات الإعدام التعسفي لمدنيين مصريين". وكشفت الوثائق "استمرار المهمة رغم هذه التجاوزات"، وأن "الجيش الفرنسي ما زال منتشراً في الصحراء المصرية".

وأعربت مديريّة الاستخبارات العسكريّة والقوّات الجوّية عن قلقهما من التجاوزات في هذه العمليّة، وفق ما يتّضح من مذكّرة أرسِلت إلى الرئاسة الفرنسيّة في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 أوردها موقع "ديسكلوز".

وتحدّثت مذكّرة أخرى بتاريخ 22 يناير/ كانون الثاني 2019، أرسلت لعناية وزيرة القوّات المسلّحة فلورنس بارلي قبل زيارة رسميّة لمصر مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن وجود "حالات مؤكّدة لتدمير أهداف اكتشفتها" الطائرة الفرنسيّة. وتقول المذكّرة إنّ "من المهمّ تذكير (الطرف) الشريك بأنّ طائرة المراقبة والاستطلاع الخفيفة ليست أداة استهداف".

ورغم ذلك، قال "ديسكلوز" إنّه لم يُوقَّع أيّ اتّفاق في هذا الاتّجاه، كذلك لم يُعَد النظر بهذه المهمّة، مؤكّداً أنّ "الجيش الفرنسي ما زال منتشراً في الصحراء المصريّة".

وقالت وزارة الجيوش الفرنسيّة لوكالة "فرانس برس"، مساء الأحد، إنّ "مصر شريك لفرنسا، كما هي الحال مع كثير من الدول الأخرى، نُقيم (معها) علاقات في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب (...) في خدمة الأمن الإقليمي وحماية فرنسا. لأسباب واضحة تتعلّق بالسلامة والكفاءة، لن نعطي مزيداً من التفاصيل بشأن طبيعة آليّات التعاون المُنَفّذة في هذا المجال".

وأضافت أنّ الوزيرة فلورنس بارلي "طلبت فتح تحقيق بشأن المعلومات التي نشرها ديسكلوز".

ورغم رغبة باريس المعلنة في إعادة تركيز صادراتها من الأسلحة إلى أوروبا، تُعدّ مصر أحد المُتلقّين الرئيسيّين للمعدّات العسكريّة الفرنسيّة.

وقد تعزّزت هذه المبيعات كثيراً مع وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2014، ولا سيما بين العامين 2014 و2016، من خلال بيع مقاتلات رافال وفرقاطة وأربعة طرّادات وناقلتي مروحيات "ميسترال".

واستقبل ماكرون السيسي، في ديسمبر/ كانون الأول 2020 ومنحه وسام جوقة الشرف، أرفع الأوسمة الفرنسية.

وأثارت هذه الخطوة مواقف غاضبة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في بلد تتهمه المنظمات غير الحكومية بانتهاك حقوق الإنسان واستخدام أسلحة ضد المدنيين.

المساهمون