واشنطن ولعبة كشف خداع بوتين... سيف ذو حدّين

21 ابريل 2022
أخذ دعم واشنطن العسكري لأوكرانيا انعطافة ملحوظة في الأيام الأخيرة (Getty)
+ الخط -

في الأيام الأخيرة، أخذ دعم واشنطن العسكري لأوكرانيا انعطافة ملحوظة نوعاً وكماً. تحررت إدارة الرئيس جو بايدن من القيود التي ألزمت نفسها بها منذ البداية، والتي لم يبقَ منها سوى امتناعها عن التدخل المباشر، وتأمين الحظر الجوي، وتزويد كييف بالمعلومات الاستخباراتية عن المواقع العسكرية داخل روسيا. وهذه الأخيرة موضع إعادة نظر.

ما عدا ذلك، فتحت الإدارة الباب لتزويد أوكرانيا بمعظم المعدات الحربية التي سبق ورفض الرئيس بايدن إرسالها لها، "لئلا يؤدي ذلك إلى حرب مع موسكو" كما قال آنذاك. الآن تغيرت الحسابات. الإدارة سلّمت كييف أسلحة بعيدة المدى مثل مدفع "هويتزر"، وقطع طائرات "ميغ" كانت بحوزة بعض بلدان حلف وارسو سابقاً، ليجري تجميعها في أوكرانيا، ومسيّرات، ومضادات جوية ودرعية وذخائر وغيرها، مع تدريب طواقمها خارج أوكرانيا لتشغيلها من قبل القوات الأوكرانية. ويجري نقل الشحنات بشبه جسر جوي، بعضها وصل، والمتبقي على الطريق، إضافة إلى حزمة أخرى بقيمة 800 مليون دولار إضافية، مع تعهد الإدارة بمواصلة الإمدادات التي قد تكون من بينها منظومة "إس 300" روسية الصنع "التي أعيد النظر بتأمينها، وذلك في ضوء التشاور مع الجهات الأوكرانية للوقوف على احتياجاتها ولتسريع الرحلات"، كما قالت الأربعاء الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي.

فالإدارة تتصرف بشيء من التجاهل لـ"التهديد الروسي الأجوف". على هذا الأساس قررت، وفق ساكي، أن يقوم أحد كبار المسؤولين قريباً بزيارة إلى كييف، لم يتحدد موعدها بعد "لأسباب أمنية"، وقد لا يكشف عن الزيارة قبل وصول الزائر. ويتردد على سبيل التخمين، اسم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، من دون إسقاط احتمال أن يقوم بها الرئيس، ولو أن هذا الاحتمال مستبعد في الظروف الراهنة. كما يبدو أن موضوع العضوية في حلف شمال الأطلسي (الناتو) عاد في هذا الإطار إلى التداول، وبشيء من الزخم، بعدما غيّبته الحرب. وتجلّى ذلك من خلال احتمال طلب فنلندا والسويد الانضمام إلى الحلف الذي لا تزال "أبوابه مفتوحة، وطلب الانتساب إليه يعود إلى هذين البلدين"، بتعبير ساكي.

تقارير دولية
التحديثات الحية

نبرة المجاهرة والاستقواء هذه يربطها المراقبون بتعثر، والبعض يقول، بفشل الحرب الروسية حتى الآن، وما كشفت عنه من "تخبّط وخطأ في الحسابات، من التخطيط، إلى المعلومات الاستخباراتية، وانتهاء بالأداء الميداني"، الأمر الذي تسبب وما زال بالكثير من "التوتر" داخل الكرملين، وما أثاره ذلك من تغييرات وانتقادات في الدائرة الداخلية المحسوبة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتعزز هذه السرديات قراءتها بما جرى على الأرض من انكفاء للقوات الروسية إلى منطقة دونباس وجنوبها باتجاه شبه جزيرة القرم، كما بتعثر المرحلة الثانية من الحرب التي بدأت "بطيئة"، حيث لم تحرز سوى تقدم "طفيف" يجري التعويض عنه "بالقصف العشوائي للمناطق المدنية". كل هذا دفع واشنطن والغرب عموماً إلى "السخاء النسبي" في تزويد أوكرانيا بالسلاح، وإن كان هناك اعتقاد بأن ذلك جاء في جزء منه كمحاولة لتطمين القيادة الأوكرانية التي خالجتها الريبة من عملية تسليحها التي كانت تحصل "بالقطّارة".

"فتح حنفية" التسليح أكثر من ذي قبل أثار ردوداً مختلفة. الأغلبية، خصوصاً في الكونغرس، تدعم التشدد مع الرئيس بوتين الذي "لا يقف" عند حدوده "إلا عندما نعمل على وقفه" كما قال السناتور كريس كونز. وهو بذلك يعبّر عن الجوّ العام إجمالاً في واشنطن، والذي يدفع باتجاه حشر و"كشف خداع" بوتين. لكن في المقابل، ثمة من يحذر من التمادي في التعامل مع موسكو، من باب اعتبار أن تهديداتها "مجوفة". أمس الأربعاء، عاد إلى التحذير من عواقب الاستمرار في تسليح أوكرانيا. وردّه العسكري على بلدان في حلف شمال الأطلسي، جرى تمرير السلاح إلى أوكرانيا عبر أراضيها، مسألة غير مستبعدة في حسابات أهل القرار والرأي في واشنطن. كما عاد إلى التلويح بالخيار النووي، ونشره في منطقة البلطيق، لو انضمت فنلندا والسويد إلى الحلف. كذلك، تعمّد إجراء تجربة على صاروخ عابر للقارات "يجعل من أعدائنا يفكرون مرتين"، وهو كان قد حضر تجربة لصاروخ "متفوق" عشية اجتياحه لأوكرانيا.

فإذا كان لا يتراجع ولا يقبل بالهزيمة حسب معظم التقديرات الأميركية، عندئذ تصبح المخاطبة بالسلاح مجازفة تنذر بتصعيد "موسّع" لحرب أوكرانيا. المناخات مؤاتية، فالمفاوضات الأوكرانية الروسية مسدودة، والمساعي الدولية مجمّدة أو عاجزة، والعلاقات بين واشنطن وموسكو شبه مقطوعة. الأربعاء، انسحبت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من اجتماع مجموعة العشرين عندما أطل وزير المال الروسي عبر الفيديو لإلقاء كلمته في الاجتماع.

وفي وشوشات واشنطن، أن الخارجية الأميركية قد تنظر في ضم روسيا إلى لائحة البلدان الراعية للإرهاب، وثمة من يدعو الإدارة إلى مصادرة حوالي مائة مليار دولار لروسيا في أميركا، "وإنفاقها على مساعدة أوكرانيا وتسليحها"، بما يسمح به القانون الأميركي، حسب أستاذ القانون الدستوري في جامعة هارفرد لورانس تريبي. والحال كذلك، يبقى أن الوضع يتجه نحو التصعيد. لعبة كشف "خداع بوتين" لا تخلو من المغامرة، ولعبة التهويل التي يمارسها بوتين لا تخلو من المقامرة.

المساهمون