هولندا تفتتح انتخابات البرلمان الأوروبي: الأولويات متباينة

06 يونيو 2024
من تجمع داعم للاتحاد الأوروبي في وارسو، الثلاثاء (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- انطلقت انتخابات البرلمان الأوروبي في هولندا، مع توجه 370 مليون ناخب لاختيار 720 نائبًا في 27 دولة، وسط فترة من عدم اليقين الجيوسياسي وقضايا متنوعة تشمل الدفاع، التغير المناخي، والاقتصاد.
- استطلاعات الرأي تظهر تقدم اليمين المتشدد، مع تركيز الناخبين على الحرب الروسية على أوكرانيا وقضايا مثل التغير المناخي والاقتصاد كأولويات متفاوتة بين الدول.
- تعد هذه الانتخابات فرصة للناخبين لتشكيل مستقبل الاتحاد الأوروبي والتأثير على سياساته للسنوات الخمس المقبلة، مع تزايد الوعي بأهمية المشاركة وتأثير النتائج على ميزان القوى داخل البرلمان.

بدأت صباح اليوم الخميس من هولندا انتخابات البرلمان الأوروبي في تصويت يستمر أربعة أيام في 27 دولة لاختيار 720 نائباً. ودعي الأوروبيون البالغ عددهم 370 مليونا للإدلاء بأصواتهم في وقت يتسم بعدم يقين جيوسياسي للكتلة، بعد عامين ونصف عام من الغزو الروسي لأوكرانيا. وتعجّ أجندات المرشحين فيها، وكذلك الناخبين، بمشاغل متعددة تتسم أيضاً بالاختلاف حولها، حيث تتقاطع في بلدان، فيما قد لا تتبناها بلدان أخرى، وذلك خصوصاً بسبب تنوع المعسكرات السياسية. ويأتي تحشيد معسكرات الأحزاب الأوروبية، قبيل التصويت في انتخابات البرلمان الأوروبي بنسختها العاشرة هذا العام، على خلفية قراءتها لأهمية البرلمان الأوروبي المقبل، الذي تستمر ولايته خمس سنوات، لمواجهة التحديات التي تعيشها القارة وفي ظل ترقب لما سيحققه اليمين واليمين المتطرف من تقدم.

وتواصل استطلاعات الرأي الأوروبية منح معسكر اليمين المتشدد تقدماً في انتخابات البرلمان الأوروبي التي تنطلق اليوم، يقوّي نفوذه وتأثيره على مستويات التشريع واختيار المناصب القيادية في الاتحاد الأوروبي. وآخر هذه الاستطلاعات، ما نشره معهد صناعة السياسات الأوروبية في جامعة بوكوني في ميلان الإيطالية، في الثالث من يونيو/حزيران الحالي، والذي ظهرت أرقامه مشابهة لتوقعات استطلاعات أخرى، من أن كتلة "الهوية والديمقراطية" التي تمثل اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي، من المتوقع لها أن ترفع عدد نوابها في هذا البرلمان، من 49 إلى 72 نائباً. كما توقع الاستطلاع أن ترفع كتلة مجموعة أحزاب الشعب الأوروبية (إي بي بي)، وهي المجموعة المسيحية الديمقراطية والمحافظة، أكبر الكتل البرلمانية في البرلمان الأوروبي المنتهية ولايته بـ177 مقعداً، مقاعدها إلى 183، وكذلك كتلة "أي سي آر" عن اليمين القومي المحافظ، من 69 مقعداً، إلى 78.

دور الحرب الروسية في انتخابات البرلمان الأوروبي

تبقى الحرب الروسية على أوكرانيا، من دون شك، وفقاً لدعاية الأحزاب في الدول الأوروبية المهتمة بتداعياتها، حاضرة على أجندة الناخبين القريبين خصوصاً جغرافياً وسياسياً من "التهديد الروسي"، كما يتمّ توصيفه في دول القارة. كما تبقى مسألة الغزو مهمة لدى أحزاب بعض الدول، من زاوية تنامي قوة معسكر أقصى اليمين في القارة، المشكّك بضرورة مواصلة انخراط دول الاتحاد في دعم أوكرانيا.

 الحرب الروسية حاضرة أكثر على أجندة الناخبين القريبين جغرافياً وسياسياً من "التهديد الروسي"

ينطبق ذلك على سبيل المثال، على بعض الأحزاب المحسوبة على كتلتي اليمين المتشدد في البرلمان الأوروبي، في "الهوية والديمقراطية" والمحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (إي سي آر)، ومنهم حزب "ليغا" الإيطالي بزعامة ماتيو سالفيني وحزب البديل لأجل ألمانيا وكتلة فيديز المجرية بزعامة رئيس الوزراء القومي فيكتور أوربان، وتيارات أخرى في المعسكر القومي الأوروبي المتشدد.

وفي دول أخرى، تسيطر المشاكل اليومية بصورة أكبر على مشاغل الناخبين، وبالتالي على طروحات المرشحين، وهي مشاكل تبدو أعظم بالنسبة لهذه الشريحة من الناخبين، من السياسة الأمنية لأوروبا، أقلّه بحسب ما خلص إليه قياس مزاج الأوروبيين في "يورو باروميتر" الاتحاد الأوروبي، في نسخه المحدثة الأخيرة، في إبريل/نيسان الماضي. ورأى التقرير أن هناك زيادة اهتمام لدى الناخب الأوروبي، بالتصويت في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا العام، وسط إدراك أكبر لديه بالتحديات الجيوسياسية. لكن بحسب "يورو باروميتر"، فإن المواطنين الأوروبيين يرغبون برؤية محاربة الفقر ودعم الطبابة المجانية، بوصفها إحدى أهم المسائل التي يجب مناقشتها خلال الحملات الانتخابية، تليها بالترتيب دعم الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة، ثم تحديات الدفاع الأوروبي والأمن الأوروبي. وقال التقرير إن الأهمية التي يوليها الناخبون في انتخابات البرلمان الأوروبي لقضايا الدفاع والأمن في الاتحاد زادت خلال الدورة البرلمانية (المنتهية)، لاسيما في ضوء الحرب الأوكرانية.

الصورة إذاً، وفق معظم ما تشير إليه استطلاعات الرأي، هي أنه في الركن الشمالي الشرقي من الاتحاد الأوروبي، وصولاً إلى الحدود مع روسيا، يمنح الناخبون الأولوية للدفاع والأمن. ولكن، حتى تلك الأولوية متفاوتة الدرجات، فهي مرتفعة بالنسبة للدنماركيين والسويديين والبولنديين، وأخيراً انضم إليهم النرويجيون والفنلنديون، وبعض قوى أوروبا الشرقية والغربية، ومعظم دول البلطيق (سوفييتية سابقة وتضم ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا)، بينما هي في الزاوية الجنوبية والشرقية، كما في قبرص واليونان، أقل أهمية لدى مجتمعات يساورها القلق على أوضاعها الاقتصادية ومشاريع الاتحاد الأوروبي الأخرى، وخصوصاً في مسائل التحول الأخضر.

قضية المناخ "مقدسة"

هكذا يفرض الاهتمام بالمسائل الدفاعية والتسليحية نفسه في انتخابات البرلمان الأوروبي إلى جانب القضية "المقدسة" لأوروبا التي برزت خلال السنوات الأخيرة بعد انتخابات البرلمان الأوروبي في 2019، والمتعلقة بصورة رئيسية بما يطلق عليه "الحد من التغيرات المناخية" وجعل القارة "خضراء" و"محايدة مناخياً". ففي الدول "الثرية"، مثل الدنمارك وهولندا والسويد، وبقية دول الشمال، تبرز مسألة أوروبا الخضراء، أكثر مما تهتم بها شعوب دول أوروبية أخرى. أما بالنسبة للناخبين في دول القارة الجنوبية والشرقية، فإن السخط من الأوضاع الاقتصادية الداخلية وتراجع ازدهار دولهم يلعبان دوراً في توجهات وترشيح الأحزاب السياسية، حيث أن مكافحة الفقر مع انخفاض المداخيل والقدرة الشرائية، تعتبر بالنسبة لهؤلاء الناخبين أهم من مشاريع الاتحاد الأوروبي حول التحول الأخضر.

ومن خلال تتبع قياسات الرأي في "يورو باروميتر"، يبدو جلياً أن نحو 45% (في المتوسط) في جنوب وشرق القارة متأثرون بالتدهور الاقتصادي وسوء مستوى معيشتهم، حيث يؤمنون، وفقاً للقياسات، بأن مستوى معيشتهم انخفض خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة بدول أخرى، من بينها دول إسكندنافية، مثل الدنمارك، حيث نسبة الانشغال بالواقع الاقتصادي لا تتجاوز 27%.

وتعاني بعض شعوب القارة مثل التشيك وبلغاريا ورومانيا وصولاً إلى اليونان وقبرص، من مشاغل يومية، مثل دفع الفواتير الشهرية، ما يجعل نحو نصف ناخبي البرلمان الأوروبي (حوالي 190 مليونا) يعتقدون بأن بلادهم وأوروبا تسيران في الاتجاه الخاطئ، على الرغم من الاستثناءات الإسكندنافية التي تعتمد نموذج دولة الرفاهية في تأمين مواطنيها. وهؤلاء، يغلب لديهم ولدى دول البلطيق، الانشغال بالحرب واحتمالية وقوعها والنجاة منها، تليها بقاء قضايا التغير المناخي بنحو 50%.

في الدول الثرية مثل الدنمارك وهولندا والسويد، وبقية دول الشمال، تبرز مسألة أوروبا الخضراء، أكثر مما تهتم بها شعوب دول أوروبية أخرى

في صفوف معسكرات يسار ويسار الوسط الأوروبي، وبالطبع الخضر، إلى جانب طيف واسع من الليبراليين، تبقى سياسات التغير المناخي في دائرة الاهتمام، وهم يحثون مؤيديهم في كل دولة أوروبية على التصويت لهم بناء على أنهم ينتمون إلى أحزاب تمثل طموحاتهم في المجال. في المقابل، بدا واضحاً مثلاً كيف تلقف اليمين المتشدد "انتفاضة" مزارعي أوروبا هذا العام وتحركات احتجاجية اجتماعية أخرى، في أكثر من ساحة أوروبية، محاولاً ركوب موجتها (لاسيما في بولندا والتشيك وفرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا)، مروجاً لنفسه باعتباره الأكثر حرصاً على مصالح المزارعين، وضد "بيروقراطية بروكسل"، محملين الاتحاد الأوروبي مسؤولية فرض قرارات فوق وطنية ومتجاوزة لسيادة دولهم.

ففي أغلب المناطق الريفية الأوروبية، كفرنسا وألمانيا على سبيل المثال، حيث تتعزز قوة اليمين المتشدد، بدت واضحة تعبئة السياسات المناهضة للسياسات المناخية الأوروبية، ويؤيد المواطنون الساخطون تلك القوى ليس بالضرورة لأنهم ذوو ميول يمينية متشددة، بل لأنها قوى، وفقا لقراءات وتحليلات إعلامية وبحثية، تُعبّر عن نظرتهم المتوجسة من قضايا المناخ والبيئة، باعتبارها قضايا غير ملحّة مقارنة بالخسائر المباشرة (الزراعية والاقتصادية وغيرها) بسبب إجراءات التحول الأخضر، أقله مع ارتفاع أسعار الطاقة وتقييد استعمال محركات الوقود الأحفوري مستقبلاً، وحظر بعض المبيدات والأسمدة والمواد الكيميائية، وغيرها من إجراءات يفرضها الاتحاد الأوروبي في التحول الأخضر.

وبالتالي، فإنه طوال فترة حملات انتخابات البرلمان الأوروبي التي تبدأ اليوم، كانت تعبئة الأحزاب، من مختلف المعسكرات، تقوم على أساس مناهضة أو تأييد السياسات المناخية الأوروبية. وتضاف إليها بقية السياسات المتعلقة بالهجرة، حيث ترفع أحزاب التطرف اليميني محليا (في كل بلد من بلدان أوروبا) لواء "إغلاق الحدود" الأوروبية، متفقة على مستوى القارة للعمل على تحويل وكالة حماية الحدود "فرونتيكس" إلى قوة رادعة لوصول القوارب، ومنحها صلاحيات هائلة من أجل صدّ اللاجئين والمهاجرين.

وتنضم إلى هذه القضايا، أخرى تتعلق بتعهدات بعض الأحزاب الأوروبية (أحزاب محلية في دول الاتحاد الأوروبي) "تجميد" انخراط أوروبا في مواصلة دعم أوكرانيا، معيدين ذلك إلى سوء أوضاع واقتصادات مجتمعاتهم، ومحمّلين تحويل الأموال وتسليح أوكرانيا وسباق تسلح القارة، مسؤولية التدهور الاقتصادي والمالي الحاصل، بل مسؤولية تأجيل بعض المشاريع التنموية لمصلحة تسلح أوروبي مشترك، كما تشيع القوى المعارضة لسياسات الاتحاد الأوروبي في تأسيس قرض مشترك للتسلح، بعد انتخابات هذا البرلمان.

مع ذلك، يرى مواطنو القارة المنخرطون في الاتحاد الأوروبي، وبنسبة 71% منهم، وفقاً لأرقام "يورو باروميتر"، أن هذا الجسم (الاتحاد الأوروبي) الذي تنتمي إليه بلدانهم يملك تأثيراً على حياتهم ومستقبلهم. ومع أن بعض القوى السياسية اليمينية المتشددة قامت بتعبئة طويلة منذ أكثر من عام ضد دعم أوكرانيا، فإنه في المتوسط يعبر 69% من الأوروبيين عن رضاهم على دعم ناديهم لأوكرانيا. ويعبر ما نسبته 64% فقط عن رضاهم على دفاع الاتحاد الأوروبي عن الديمقراطية وسيادة القانون على مستوى القارة.

وبينما يعبر أكثر من 83% من الدنماركيين والسويديين عن أهمية المشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي، فإن النسبة في أوروبا تصل متوسطاً إلى نحو 56 في%، وخصوصاً بين فئة الشباب والأكثر دعماً للعب البرلمان الأوروبي دوراً أكبر في حياة القارة. 

يشير "يورو باروميتر"، في آخر استطلاع له، قال إنه أجري بين فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين، إلى أن نسبة الوعي الشعبي في القارة بأهمية البرلمان الأوروبي زادت بست نقاط عما كانت عليه في عام 2018 (من 50 إلى 56%). ومع وجود تباين بين نسبة المشاركة في التصويت بين بلد وآخر، حيث في بعض الدول وبحسب التعبئة الحزبية والقضايا، يتوقع أن ترتفع نسب المشاركة إلى ما بين 75 و80%، فإن المؤشرات تذهب نحو مشاركة ما بين 58 إلى 60% من الناخبين في التصويت بين اليوم الخميس والأحد المقبل.

رئيسة البرلمان الأوروبي، المالطية روبرتا ميتسولا، تدرك أهمية مشاركة شعوب أوروبا بالتصويت، حين كرّرت دعوتها لمواطني القارة للمشاركة باعتبار "الانتخابات مهمة، وهي فرصتك في القضايا التي تهمك، وأشجع الجميع وخصوصاً شبابنا على التصويت وتشكيل الاتحاد الأوروبي الذي تريدون العيش فيه"، وذلك في تصريح لها نشر على موقع البرلمان الأوروبي (نشرت في التاسع من مايو/أيار الماضي رسالة بمناسبة يوم أوروبا على الموقع دعت فيه إلى حماية البرلمان الأوروبي والمساهمة في تشكيله، وحماية أكبر اختبار ديمقراطي يجري في العالم).

يورو باروميتر: الوعي الشعبي في القارة بأهمية البرلمان الأوروبي زاد بست نقاط عما كان عليه في عام 2018

في الإطار ذاته، يرى مواطنو الاتحاد الأوروبي، بحسب "يورو باروميتر"، أن الانتخابات هي حجر زاوية في الديمقراطية، وبأن الأخيرة هي أهم قيمة يحميها برلمان أوروبا، حيث يعتبر 37% منهم أن حمايتها هي أولوية في البرلمان الأوروبي، و28% يرون أنه من المهم حماية حقوق الإنسان في أوروبا والعالم، بينما يرى 27% أن الانتخابات مهمة في مجال حماية حرية التعبير والفكر. ويعني ذلك أن تزايد الاهتمام بالبرلمان الأوروبي بالنسبة إلى نصف مليار مواطن في الاتحاد الأوروبي، يعود إلى دور هذا البرلمان الحيوي في تبني سياسات مشتركة للقارة، ومن أجل تشكيل المناصب القيادية الأوروبية المشتركة، التي يسعى إلى اختراقها والتأثير فيها معسكر اليمين والشعبويين من خلال زيادة مقاعدهم من بين 720 مقعداً، وزيادة التنسيق بينهم على أساس رفع الصوت في قضايا شعبوية تجذب الناخبين وتصورهم وكأنهم مدافعون شرسون عن مصالحه، كل في دولته وعلى مستوى القارة.

تحول للاستفادة من العضوية

وعلى الرغم من المعارضة الشرسة التي يبديها معسكر اليمين القومي المتطرف للاتحاد الأوروبي ومؤسساته، فقد تراجعت إلى مرتبة متأخرة الدعوات الصادرة عنه للخروج من الاتحاد، بل أصبح هذا المعسكر أكثر براغماتية وانتهازية للتأثير على مخرجات العملية التشريعية والسياسية في بروكسل وستراسبورغ. وبالمناسبة، حتى أقصى اليسار الذي كان خلال نُسخ الانتخابات السابقة للبرلمان الأوروبي يقدم مرشحيه وبرامجه في صيغة "لوائح ضد الاتحاد الأوروبي"، بات أقل ميلاً لرفع مثل هذه الشعارات. على سبيل المثال، أصبح يسار الدنمارك، ممثلاً في "اللائحة الموحدة"، أكثر ميلاً نحو الاستفادة من وجوده في البرلمان الأوروبي، وبالتحالف مع غيره في كتلتي اليسار والخضر، لطرح مواضيع مختلفة بدل سياسة معارضة كل شيء. والمثير للانتباه أن هذا اليسار يذهب الأحد المقبل نحو الانتخابات متعهداً بالضغط في البرلمان الأوروبي نحو تبني الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما يمنحه برأي مراقبين أصوات كثيرين من مؤيدي القضية الفلسطينية في بلده.

وفي السياق ذاته، بات اليسار الأوروبي أكثر ميلاً لطرح قضايا يجري إقرارها أوروبياً، بدل الاكتفاء بدعوة الانسحاب من أوروبا. مع ذلك، يتمسك اليسار وأقصى اليسار بدعوته إلى "عالمية" الاتحاد الأوروبي، بحيث لا يكون معسكراً منغلقاً، بل يطالبون بانفتاح أكثر للعلاقة مع جيران الاتحاد في جنوبي وشرق المتوسط على وجه الخصوص، في مقابل دعوات الانغلاق التي يدافع عنها اليمين المتطرف بنشره الخوف والتوجس من "الأجانب"، وبعضه نظريات مؤامرة "الاستبدال العظيم"، التي يرفعها اليمين المتطرف في أكثر من دولة أوروبية وغربية (نظرية ترى أن سكّان الاتحاد الأوروبي البيض والمسيحيين يجري استبدالهم بصورة ممنهجة بغير الأوروبيين، خصوصاً العرب).

مع ذلك، رأى "يورو باروميتر" أن 54% من ناخبي الاتحاد، راضون عن الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي (تصل النسبة إلى أكثر من 72 في الدول الإسكندنافية والشمال، ربما بناء على تجاربهم المحلية مع أحزابهم المرشحة والعاملة على مستوى أوروبا). وبالنسبة للعناصر المختلفة لهذه الديمقراطية، فإن نسبة 70% راضون عن "الانتخابات الحرّة والنزيهة" في ناديهم (83% في مجموعة دول الشمال). وبينما رضاهم عن حرية التعبير تصل إلى 70%، فإن نسبة الرضا عن احترام الحقوق الأساسية، تصل إلى 66%.

وحتى مع وجود قوى سياسية مرشحة اليوم في انتخابات البرلمان الأوروبي على أساس التعهد بمراجعة سياسات أوروبا حيال أوكرانيا ودعمها، فإن ناخبي القارة يعبّرون بنسبة 69% عن رضاهم عن تدابير دعم الاتحاد لكييف. يبلغ مستوى الرضا أقصاه في هولندا (90%)، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تمنح حزب الحرية اليميني المتطرف، بزعامة غييرت فيلدرز، تقدما في الانتخابات الأوروبية. وتصل نسبة الرضا بشأن دعم كييف إلى 87% في السويد وفنلندا، بينما تبلغ أدناها في في سلوفاكيا بـ45% واليونان بـ48%. وما هو مثير أن 64% من متوسط الأوروبيين لا يشعرون بالرضا عن تصرفات الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بحماية حقوق الإنسان وسيادة القانون في دوله وفي الخارج، بل إن 54% غير راضين عن السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي.

ما من شك أن الأزمات العديدة في السنوات الأخيرة (بعد 2019)، كأزمة جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وتوتر العلاقة مع روسيا والصين ومشكلة سلاسل التوريد بسبب الحرب على غزة، تترك بصمتها على الحالة الاقتصادية والوضع المالي لمواطني الاتحاد الأوروبي. ويرى نحو 50% من الأوروبيين تراجع مستوى معيشتهم، متوقعين استمرار ذلك بعد انتخابات البرلمان الأوروبي. نحو 29% منهم، يرون أن أوضاعهم المعيشية تراجعت، وبأنهم يعولون على أوروبا لإيجاد حلول ملموسة، بينما يعرب ثلثي الناخبين (65%) عن عدم رضاهم عن التدابير التي اتخذتها بلدانهم لمعالجة تكاليف المعيشة، و57% غير راضين عما فعله الاتحاد الأوروبي لتصحيح الأوضاع.

ينتظر حوالي 38% من الناخبين الأوروبيين أن يلعب البرلمان الأوروبي المقبل، دوراً في مكافحة الفقر والإقصاء الاجتماعي، وبنسبة 33% أن تكون أولويته الصحة العامة، وحوالي 31% مكافحة التغيرات المناخية وذات النسبة لدعم الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة. في بعض الدول تأتي أولوية مكافحة التغيرات المناخية في المقدمة، وبأكثر من 48% في الدنمارك والسويد وهولندا، وغيرها، بوصفها أولوية في جدول أعمال البرلمان الأوروبي المقبل.

في مجمل الأحوال، منحت معظم الاستطلاعات حول نوايا التصويت في انتخابات البرلمان الأوروبي تقدما لأهم كتل اليمين القومي المتشدد والشعبويين (خصوصاً في كتلتي آي دي وإي سي آر) بحيث يصبح هذا المعسكر في المرتبة الثالثة، بعد كتلتي المحافظين التقليديين والديمقراطيين والاشتراكيين. ومن دون الدخول في تعقيدات العمليات الحسابية بشأن توزع المقاعد الـ720 بين مختلف الكتل، فإنه سيصبح من الصعب على يمين الوسط ويسار الوسط التقليديين تمرير ما اعتادا على تمريره منذ نسخة 2014 من البرلمان الأوروبي. وهذا يعني أنه حتى على مستوى تجديد انتخاب مرشحة المحافظين لرئاسة المفوضية الأوروبية (الألمانية) أورسولا فون ديرلاين، فإن ذلك سيصبح في قبضة المقايضة اليمينية المتشددة.

ومع أن الكتل البرلمانية في يمين ويسار الوسط تعهدت بعدم التعاون مع اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي المقبل، وهو ما أعلنه زعيم المحافظين التقليديين في أحزاب الشعب الأوروبية مانفريد فيبر، بناء على مبادئ أن تكون الكتل مؤيدة لأوروبا وضد روسيا وتحترم الفصل بين السلطات في دولها، إلا أن مواقف فون ديرلاين الأخيرة، والتي اشتم منها رائحة الانفتاح على اليمين المتشدد، من بوابة مزيد التعاون مع أحد أقطابه، وهي رئيس الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني، التي تتنافس مع الفرنسية مارين لوبان على قيادة معسكر التطرف اليميني الأوروبي، يجعل مسألة تهميش وعزل اليمين المتطرف الأوروبي سيناريو غير مضمون.

ومثلما وقعت المعسكرات السياسية التقليدية في بعض الدول الأوروبية في مطب الشلل البرلماني إذا واصلت استثناء اليمين المتطرف في بلدها، كما جرى في فنلندا وهولندا والسويد وإيطاليا، يبدو أن البرلمان الأوروبي المقبل يجعل الكتل السياسية في يمين الوسط التقليدي تحبس أنفاسها لمعرفة النتيجة التي ستؤثر على تعهدات استثناء التطرف من التشريع والتأثير في اختيار المناصب. الأمر بالتأكيد متروك للشعوب لتحسمه في صناديق ديمقراطية أوروبا، إذ مهما كانت نتيجة انتخابات البرلمان الأوروبي فإن قلب المعادلة أمر ممكن بعد السنوات الخمس المقبلة لاختيار برلمان مختلف عن هذا الذي ستُعرف بعد يوم الأحد المقبل، أطياف ألوانه وثقلها في ميزان الاتحاد الأوروبي.