تعتزم المملكة العربية السعودية، بحسب وكالة "رويترز"، دعوة رأس النظام السوري بشار الأسد إلى حضور القمة العربية التي تستضيفها الرياض في مايو/أيار المقبل، في خطوة تعكس تبدلاً في طريقة تعاطي الرياض مع الملف السوري.
ونقلت "رويترز"، أول من أمس الأحد، عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة"، أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان سيتوجه إلى دمشق خلال الأسابيع المقبلة لتسليم الأسد دعوة رسمية لحضور القمة المقرر عقدها يوم 19 مايو.
السعودية وتمهيد التقارب
وكان وزير الخارجية السعودي، مهّد للتقارب مع الأسد، عندما قال لصحافيين في العاصمة البريطانية لندن، مطلع شهر مارس/آذار الماضي، إن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سورية لا يجدي وأن الحوار مع دمشق ضروري، خصوصاً لمعالجة الوضع الإنساني هناك. وبحسب ما نشرته "رويترز" في 23 مارس الماضي أيضاً، زار رئيس إدارة المخابرات العامة لدى النظام السوري حسام لوقا الرياض الشهر الماضي، ويبدو أن الجانبين اتفقا على عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد عيد الفطر (متوقع في 21 إبريل/نيسان الحالي).
وأغلقت السعودية سفارتها في سورية في مارس 2012 بسبب تمادي النظام في قمع المتظاهرين، ورفضه مبادرة عربية لتطويق الأزمة حينذاك. ولكن الرياض أبقت على قنوات اتصال استخبارية مع النظام السوري، إذ تحدثت وسائل إعلام تابعة له عن زيارة إلى دمشق قام بها في مايو 2021 رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان.
رضوان زيادة: دعوة الأسد إلى القمة العربية فشل ذريع لإدارة بايدن
وكانت الجامعة العربية قرّرت في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 تعليق مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من يوم 16 من الشهر نفسه. كما دعت الجامعة إلى سحب السفراء العرب من دمشق، وهو قرار غير ملزم للدول العربية التي حافظ أغلبها على علاقات سياسية وأمنية مع النظام، وإن كان بشكل محدود.
وكانت الجامعة العربية قدمت مبادرة حلّ في سورية بعيد أشهر من انطلاق الثورة السورية، تتضمن وقف كل أعمال العنف من أي مصدر كان حمايةً للمواطنين السوريين، والإفراج عن المعتقلين بسبب الأحداث الراهنة، وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة، وفتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرّية في جميع أنحاء سورية. بيد أن النظام واصل نهجه في قمع المتظاهرين المطالبين بالتغيير، وهو ما أغلق الباب أمام أي محاولة عربية لتجنيب سورية المصير الذي آلت إليه اليوم، حيث تحولت إلى مناطق نفوذ إقليمية ودولية.
دعوة الأسد وموقف واشنطن
ويأتي التوجه السعودي الجديد تجاه نظام الأسد بعد الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، وفي وقت تمتلك طهران العديد من مفاصل القرار في سورية. وتنشر طهران عشرات المليشيات التابعة لها في عدة محافظات سورية، فضلاً عن وجود اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وأمنية وثقافية مع النظام. وسبق أن قال رئيس النظام، بشار الأسد، في العديد من المناسبات، إن إيران "حليف استراتيجي" لا يمكن التخلي عنه.
ومن المتوقع أن تصطدم جهود السعودية ودول عربية أخرى برفض من الإدارة الأميركية التي يرجح المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تمارس ضغوطاً على الرياض للعدول عن خطوتها بدعوة الأسد إلى القمة العربية المقبلة. بيد أن زيادة غير متفائل بهذه الضغوط، معتبراً دعوة الأسد فشلاً وصفه بـ"الذريع" لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مضيفاً أن "حلفاء واشنطن يقومون بإعادة تأهيل الأسد".
وعن أسباب التحول في السياسة السعودية تجاه نظام الأسد، يرى زيادة أن الرياض "ربما تكون مدفوعة من الإمارات العربية المتحدة"، والتي كانت من أوائل الدول العربية التي طبّعت مع النظام، حيث أعادت فتح سفارتها في دمشق قبل سنوات (2018). ويضيف أنه "ربما تكون الخطوة السعودية من باب النكاية السياسية تجاه الولايات المتحدة، خصوصاً أنها تأتي بعد الاتفاق مع إيران برعاية صينية".
ويعرب المحلل السياسي عن اعتقاده بأن الرياض "لن تحصل على شيء من وراء محاولة إعادة تأهيل الأسد"، مضيفاً أن الأخير "لن يقطع علاقته مع إيران، ولن يحل مشكلة اللاجئين، ولن يوقف حرب المخدرات التي يشنّها، فهي مصدر ثروة كبيرة له".
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية قبل أيام عقوبات جديدة على ستة أشخاص، بينهم اثنان من أقارب الأسد، لدورهم في إنتاج منشط الكبتاغون الخطير أو تصديره. وقالت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الوزارة، أندريا إم جاكي، إن "سورية أصبحت رائدة عالمياً في إنتاج الكبتاغون الذي يسبب الإدمان، ويتم تهريب الكثير منه عبر لبنان". وفي السياق، أكدت الحكومة البريطانية، أواخر الشهر الماضي، أن النظام السوري ينتج 80 في المائة من كبتاغون العالم، ويجني 57 مليار دولار سنوياً من تجارة المخدرات.
محمد سالم: السعودية، أو أي دولة أخرى، لا تملك بمفردها قرار دعوة الأسد للقمة
ويتزامن التقارب بين الرياض ودمشق، مع انفتاح مصري على دمشق أيضاً، ما يعزز الاعتقاد بوجود تنسيق بين المصريين والسعوديين حيال الملف السوري، إذ لطالما كان الموقف المصري يدور في فلك الموقف السعودي ولم يخرج عن سياقه. وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في 2 إبريل الحالي، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس النظام السوري قد يلتقيان نهاية إبريل.
وكان وزير الخارجية في حكومة النظام السوري فيصل المقداد قد زار أخيراً القاهرة، في سياق محاولات النظام الاستفادة من زخم سياسي ولّده الزلزال الذي ضرب الشمال السوري في 6 فبراير/شباط الماضي، بعدما زار وزير الخارجية المصري سامح شكري دمشق في 8 مارس الماضي، لإبداء التضامن مع سورية بعد الزلزال.
ويبدو أن النظام السوري يعوّل على موقف سعودي ومصري وإماراتي وجزائري داعم لدعوته إلى القمة العربية المقبلة، في خطوة تنهي عزلته وتخلق واقعاً سياسياً جديداً ربما يضطر الغرب للتعامل معه.
غير أن مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري" للدراسات، محمد سالم، يعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن السعودية، أو أي دولة أخرى، "لا تملك بمفردها قرار دعوة الأسد للقمة العربية المقبلة"، مضيفاً أن "هذا الموضوع يحتاج إجماعاً من كل الدول الأعضاء في الجامعة".
ويلفت سالم إلى أن "هناك معارضة لاتزال موجودة من عدد من الدول لدعوة بشار الأسد إلى القمة وإلغاء تجميد عضوية نظامه في الجامعة العربية، أهمها قطر والكويت والمغرب". ورغم ذلك يرى سالم أن "تغير الموقف السعودي خطوة تدريجية لإعادة تعويم الأسد عربياً وإقليمياً"، مضيفاً أن "غموضاً لا يزال يكتنف الموقف السعودي تجاه الأسد، وتقدم المحادثات متعلق بتنفيذ إيران والنظام لبعض الالتزامات، بحسب ما رشحت الأنباء، وهذا يمكن أن يتعثر".
ويعرب سالم عن اعتقاده بأن الخطوات السعودية تجاه نظام بشار الأسد "ربما تتوقف عند موضوع الخدمات القنصلية، والذي لا يعني تغيراً كبيراً على المستوى السياسي"، بحسب رأيه.