استمع إلى الملخص
- تتعامل السلطات المصرية بحذر مع التظاهرات ذات الرسائل السياسية الحساسة، حيث يُسمح بها في حالات محدودة، مما يعكس التحديات السياسية والأمنية في البلاد.
- قرار المحكمة يتعارض مع الدستور المصري الذي يكفل حق التظاهر السلمي، مما يؤثر سلباً على حرية التعبير وصورة مصر دولياً، وفقاً لخبراء سياسيين.
قررت محكمة جنوب القاهرة، بقرار من قاضي الأمور الوقتية أحمد خفاجي، إلغاء وقفة احتجاجية كان من المقرر أن تنظمها "الحركة المدنية الديمقراطية" أمام السفارة الأميركية في القاهرة تضامناً مع الشعبين الفلسطيني واللبناني ضد العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركياً. استند القرار القضائي إلى "مخاوف أمنية"، إذ رأى القاضي أن السماح بتنظيم الوقفة قد يؤدي إلى تهديد الأمن العام نتيجة مشاركة "عناصر إثارية"، ولأن الموقع المقترح للاحتجاج يخالف قراراً حكومياً سابقاً يتعلق بالحرم الآمن للمرافق العامة والمواقع الحيوية.
صعوبة السماح بتظاهرة أمام السفارة الأميركية في القاهرة
وبرأي خبراء وسياسيين، فإن السلطات المصرية تتعامل بحذر شديد مع أي تحركات احتجاجية قد تمثل رسائل سياسية أو أمنية حساسة، خصوصاً في ظل الأوضاع الراهنة. وفي هذا الصدد، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق، لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم التظاهرات في مصر محدود عملياً، ويقتصر غالباً على الحالات التي تسمح بها الحكومة. وأفاد صادق بأن الحكومة سمحت أخيراً بتظاهرات معارضة لتوطين الفلسطينيين في سيناء، لكنه أكد أن مثل هذه المواقف استثنائية ونادرة، خاصة في ظل القضايا الشائكة التي تشهدها المنطقة حالياً. وأضاف: "الآن عقب كتاب بوب وودورد (حرب)، والسفينة كاثرين، ومرور سفينة عسكرية إسرائيلية عبر قناة السويس، ووقفة الاحتجاج على سلالم نقابة الصحافيين، من الصعب سياسياً السماح بمثل تلك التظاهرة أمام السفارة الأميركية في القاهرة، ما قد يحفز على تظاهرات أخرى وهتافات تستخدم القضية الفلسطينية للهجوم على النظام، ولذلك المنع السياسي كان متوقعاً حتى من الذين تقدموا بهذا الطلب، لأنهم يعلمون أنه سيرفض، لكنه يسجل موقفاً سياسياً وإعلامياً لهم".
وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، لـ"العربي الجديد"، إن قرار المحكمة يتعارض مع الدستور المصري الذي يكفل حق التظاهر السلمي، خاصة أن المتقدمين للوقفة هم من الأحزاب السياسية القانونية. ولفت إلى أن هذا الرفض يؤثر سلباً على صورة مصر، التي تحرم مواطنيها من التعبير عن آرائهم ومواقفهم تجاه القضايا الإقليمية، بينما يُسمح بذلك في الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة نفسها. وأضاف: "في الوقت نفسه، تحديد السفارة الأميركية بالتظاهر تعبير عن إدراك العقل الجمعي المصري أن أميركا شريكة في العدوان على غزة، أو أنها تضرب غزة بيد إسرائيل، والشيء العجيب أن داخل الغرب، بما فيه الولايات المتحدة، نظمت وتنظم تظاهرات حتى هذه اللحظة في الشوارع لمناصرة القضية الفلسطينية، بينما يمنع المصريون من أن يمارسوا هذا الحق سواء أمام السفارة الأميركية أو غيرها".
محمد أنور السادات: السلطات تتجنب أي تحركات شعبية قد تتطور إلى تصعيد
حق طبيعي ومشروع
وعبّر النائب السابق محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، عن عدم استغرابه من قرار المحكمة، وقال لـ"العربي الجديد" إن حق التظاهر مشروع وطبيعي، خصوصاً في ظل غضب الشارع المصري من التصعيد الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة ولبنان. وأوضح السادات أن القرار جاء في ظل أوضاع سياسية واجتماعية مضطربة، حيث تتزايد الضغوط الاقتصادية والمعيشية على المواطنين، ما يدفع السلطات لتجنب أي تحركات شعبية قد تتطور إلى تصعيد. ويوضح السادات: "هذا موقف من الطبيعي أن تتفاعل معه كل القوى السياسية في مصر، وأنا لست مندهشاً من قرار إلغاء الوقفة الاحتجاجية، لأنه يستطيع أن يستند إلى أمور كثيرة، مثل تهديدها الأمن والسلم، ورغم أن قانون التظاهر ينظم ذلك، لكن المناخ والأجواء التي نعيش فيها الآن في مصر ليست مرتبطة فقط بأحداث غزة ولبنان، ولكن أيضاً مرتبطة بالظروف المعيشية والضغوط التي يتعرض لها المواطنون، لذلك من الطبيعي أن يجعل هذا القضاء وأجهزة الأمن المصرية حساسة ولا تريد أن تمنح التصريح بالتظاهر، وتتفادى أي تصعيد أو إثارة أو أي نوع من التظاهرات التي يمكن أن تنتج عنها أي حركة شعبية في الشارع أينما كانت، في ميدان أو أمام سفارة أو غير ذلك".
وكان أعضاء في "الحركة المدنية الديمقراطية"، بينهم منسق عام الحركة طلعت خليل، والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي، ورئيس حزب الكرامة السيد الطوخي، ورئيس حزب المحافظين أكمل قرطام، ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مدحت الزاهد، ورئيس الحزب الشيوعي المصري صلاح عبد الحفيظ، ورئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، قد قدموا طلباً رسمياً لمأمور قسم شرطة قصر النيل، الخميس الماضي، لتنظيم تظاهرة أول من أمس الجمعة، من الساعة الواحدة والنصف مساءً وحتى الثانية والنصف مساءً، أمام السفارة الأميركية في القاهرة، قبل أن يلغي قاضي الأمور الوقتية التظاهرة.