استمع إلى الملخص
- الجيش السوداني يعلن عن تعيين رئيس وزراء جديد وإعادة تشكيل مجلس السيادة، مع توجه لإلغاء الوثيقة الدستورية السابقة، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذه الخطوات على المشهد السياسي.
- "تقدم" تهدف لبناء جبهة مدنية لوقف الحرب ودعم التحول الديمقراطي، مستبعدة التعاون مع حزب البشير، لكن توجد شكوك حول قدرتها على إحداث تغيير نظرًا لتركيبتها ومواقفها، مما يجعل مستقبل السودان غامضًا.
تشكل اجتماعات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، التي بدأت يوم الأحد الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، محاولة جديدة لتحريك العمل السياسي في السودان. لكن النتائج المرجوة من مؤتمر تقدم المتمثل باجتماع الهيئة القيادية لـ"تقدم" الذي انعقد الأحد، و"المؤتمر التأسيسي" الذي بدأت فعاليته أمس الاثنين على أن يستمر حتى الخميس المقبل، وتحديداً على صعيد تحقيق اختراق في المشهد السياسي، تبقى غير مضمونة. وصحيح أن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" تضم قوى سياسية عدة إلى جانب ممثلين عن المهنيين والنقابات ولجان المقاومة (تنظيمات شعبية ثورية)، والمجتمع المدني والجبهة الثورية (تحالف جماعات مسلحة)، إلا أنها تبقى مكوناً من أصل عدة قوى سياسية في السودان تتباعد مواقفها من طرفي الأزمة، الجيش والدعم السريع، اللذين دخلت الحرب بينهما عامها الثاني في 15 إبريل/ نيسان الماضي.
وبالتزامن مع انعقاد مؤتمر تقدم الذي تناقَش فيه استعادة الحكم المدني بعد الحرب، يبرز إعلان مساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا، في مقابلة تلفزيونية أول من أمس الأحد، أن البرهان سيعين رئيساً للوزراء قريباً ويعيد تشكيل مجلس السيادة، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء المستقل هو من سيعيّن حكومته المقبلة من كفاءات مستقلة. ووفقاً للعطا، فإن هناك توجهاً لإلغاء الوثيقة الدستورية - خلال الفترة الانتقالية السابقة في 2019 - واعتماد دستور جديد لإدارة الفترة التأسيسية الانتقالية، مشيراً إلى أن هناك خطاباً مرتقباً للبرهان سيعلن فيه توكيل رئيس وزراء مستقل يعيّن حكومته من كفاءات مستقلة، في خطوة إن تمت من شأنها أن تحدث تغييرات إضافية في المشهد السياسي.
ويقود تنسيقيةَ "تقدم" المشكّلة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي رئيسُ الوزراء السابق عبد الله حمدوك، ضمن هيئة قيادة من 70 عضواً ومكتب تنفيذي من 36 عضواً. وتسعى التنسيقية التي تحشد كوادرها في أديس أبابا لاستعادة العمل السياسي في السودان، وتضم بصورة أساسية في صفوفها تحالف "قوى الحرية والتغيير"، شريك العسكر في السلطة عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في ثورة شعبية عام 2018، قبل أن ينتزع منه الحكم بانقلاب عسكري في أكتوبر 2021 بقيادة طرفي الصراع الحالي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قبل أن يدب الخلاف بينهما ويشعلا حرباً حوّلت حياة السودانيين إلى جحيم.
أهداف مؤتمر تقدم
وتقول التنسيقية إنها تسعى عبر مؤتمرها التأسيسي إلى "خلق جبهة مدنية تعكس تنوع الطيف السوداني الواسع في كل أقاليم وولايات السودان"، مضيفة في بيان الخميس الماضي أن "جهود وقف الحرب وإعادة البناء وعمليات التأسيس لدولة ديمقراطية مدنية مستقرة يجب أن تقوم على عملية سياسية تفاوضية، لا تستثني أي فصيل سياسي سوى "المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية" - حزب الرئيس المخلوع عمر البشير - وواجهاتها، وكل من دعم ويدعم حرب الخامس عشر من إبريل".
يناقش مؤتمر "تقدم" في أديس أبابا استعادة الحكم المدني بعد الحرب في السودان
وبحسب المتحدث باسم "تقدم" بكري الجاك، فإن أهداف التنسيقية "محاولة لبناء حلف استراتيجي لإيقاف الحرب واستعادة المسار الديمقراطي في البلاد"، مضيفاً في مؤتمر صحافي بأديس أبابا، الأحد الماضي، أنه لا بد من وجود جسم سياسي مدني يضم تكوينات السودانيين المختلفة للاتفاق حول مبادئ وحدة السودان وديمقراطيته، لأن الحل العسكري لا يمكن أن يكون الخيار الوحيد المتاح على طاولة المفاوضات. ويشير إلى أن هناك رؤيتين في السودان، الأولى قائمة على استمرار الحرب والخراب والدمار، واستدامة الوضع الحالي لتحقيق أهداف سياسية من بينها تصفية الثورة، وأخرى لمشروع تتنباه "تقدم" وهو وحدة السودان وتماسكه ولا يتم برؤية العنف والإقصاء ودولة لا تعترف بمكوناتها أو فرض وصاية على المجتمع. ويشدّد على أنهم يحملون رؤية لوقف الحرب وإعادة تأسيس الدولة وليس تركيب نظام سياسي، لأن المشكلة في السودان ليست تشكيل حكومة.
ويذّكر الجاك أن المجتمع الآن يعاني من انقسامات حادة نتيجة لاصطفافات الحرب، وهو المهدد الحقيقي الذي يحتاج إلى دفع الحل السياسي، مضيفاً أنهم في التنسيقية نجحوا في جهدهم لعزل سرديات الحرب إلى حد كبير باعتبار أن الغالبية العظمى من السودانيين لا تريد الحرب. ويتابع: "تواصلنا مع الطرفين وعقدنا لقاء مع الدعم السريع تمخض عنه إعلان أديس أبابا بين حميدتي وحمدوك (يناير/ كانون الثاني الماضي)، وظللنا نحاول مع القوات المسلحة وجاءنا وعد أكثر من مرة بالجلوس والتفاكر للوصول إلى حلول سلمية، وسنستمر في التواصل مع الطرفين". ويوضح أنه ليست لدى "تقدم" مشكلة في العمل مع المجموعات غير المتفقة معهم سياسياً، ولكن تتفق معها في إيقاف الحرب والدخول معها في حوار، واذا استدعى الأمر أن تدخل "تقدم" في تحالف أكبر مع كيانات أخرى لمشروع مستقبل السودان، فهي منفتحة على هذا الاتجاه.
من جهته، يعتبر رئيس حزب الأمة القومي - أحد أحزاب التنسيقية - فضل الله برمة أن الأوضاع الحالية تشير إلى أن البلاد "في خطر وجودي حقيقي، ولا مخرج آمناً إلا بحل سلمي وتوافق سياسي". ويضيف في رسالة موجهة إلى مؤتمر تقدم السبت الماضي: "نحن أمام فرصة جديدة، وموعد مع التاريخ بإنهاء هذه الحرب واستعادة الاستقرار والتحول الديمقراطي، وبناء عقد اجتماعي جديد بوصفه مشروعاً وطنياً ديمقراطيأً".
ويشير إلى أهمية "بناء جبهة مدنية وكتلة صلبة لوقف الحرب وتحقيق السلام والتحول الديمقراطي، لكي تضطلع بعملية إنهاء الحرب وهندسة جديدة لبناء الوطن، وفق رؤية واضحة وميثاق سياسي وهياكل منضبطة تضمن المشاركة في صناعة القرار السياسي وآليات التنفيذ". يأتي ذلك، وفق برمة، مع "السعي الجاد وتكثيف التواصل بين طرفي الحرب وتشجيعهما على وقف العدائيات وإطلاق النار والاستجابة للتفاوض والوساطة، إلى جانب التزام "تقدم" بالحياد الإيجابي الذي يدين الانتهاكات من أي طرف، ويضغط من اتجاه حماية المدنيين ويضمن توصيل المساعدات الإنسانية وبصورة عاجلة.
ويذكر برمة أن مؤتمر تقدم التأسيسي يأتي في "مرحلة دقيقة وخطيرة وفي ظل تحدٍ يهدد بقاء السودان الوطن الواحد". ويضيف أن "كل يوم تنحدر الأوضاع نحو الأسوأ، ويزداد استهداف المدنيين خصوصاً وسط النساء"، ليصل السودانيون "إلى حالة عدم اليقين والخوف من المستقبل، وعليه، وفي هذا المؤتمر، لا بد من الاستجابة لنبض الشعب الذي سئم الحرب والقتل والتشريد وحياة اللجوء والنزوح، وأبدى دعمه وقف الحرب، وكل أمله في الاستقرار والعيش الكريم".
بدوره، يقول القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير عروة الصادق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تحرك "تقدم" يمثل "حراكاً لأكبر مجموعة من القوى السياسية والمدنية والشبابية والنسوية الرافضة الحرب، لتحقيق أهداف مشتركة على رأسها وقف الاقتتال في السودان". ويضيف أنه "من المؤكد أن مؤتمر تقدم ستكون له تأثيرات ملحوظة آنية ومستقبلية على الواقع الإنساني والأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، منها توحيد الأصوات الرافضة الحرب وإبراز قوة الرؤية السياسية مقارنة بمواجهة كل قوة على حدة، ما يترجم إلى فرص أكبر لتحقيق أكبر ضغط على المتحاربين والتأثير على صنع القرار".
ويشير الصادق الى أن هناك أهدافاً سياسية مشتركة لا يمكن تحقيقها لو كانت تلك القوى السياسية تعمل بشكل فردي، مثل "قضايا الحرب والمتضررين وقضية السلام المستدام وبنائه، وما بعده من إجراءات العدالة والإنصاف وجبر الضرر، ووضع تصور متكامل للقوى المدنية لما بعد الحرب حول قضايا الحكم والإدارة والدستور والاقتصاد والتعليم والصحة والبيئة". ووفق الصادق، فإن هذا الجهد يُتوقع أن "يقود إلى تعزيز الاستقرار السياسي عن طريق تقديم منصة موحدة تقوم على التوافق والتعاون بين الأطراف المتحالفة، ما سيقلل من الصراعات الداخلية، ويعزز الثقة بين القوى المدنية والمواطنين".
ويذكر أن "هذا الأمر بدوره سيحكم التوجهات السياسية العامة واتجاهات السياسات في البلاد، سواء من خلال ممارسة الضغوط السياسية أو من خلال المشاركة في صنع القرار وتوحيد قناة التعاطي مع الإقليم والعالم". ويرى أن هذا التحالف "سيكون هو الأكبر والأقدر على مخاطبة المبادرين في المحيط الإقليمي والدولي، وتقديم التصور الأمثل لإنهاء الحرب، مدعوماً بروافع شعبية ومهنية وفئوية ونسوية وحزبية وقوى مهاجرة، بالإضافة لمتضرري الحرب والنازحين واللاجئين".
مشهد سياسي أكثر تعقيداً
وفي السياق، يرى المحلل السياسي السوداني مجدي عبد القيوم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العمل الذي يمكن أن يشكل اختراقاً في الجمود السياسي في دولة تعاني من حرب متعددة الأطراف، وتتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية، "لا يمكن أن يختزل في مخرجات مؤتمر تنظمه جهة أو مجموعة ما أياً كان ثقلها وقدرتها". ويضيف أن المشروع أو الحل السياسي الذي يمكن أن يشكل اختراقاً "هو الذي ينطلق من المصالح الوطنية العليا، والقادر على مخاطبة مخاوف ومصالح الأطراف المتصارعة"، معتبراً أن "المسألة أكثر تعقيداً وتتطلب حشد أوسع قطاع شعبي، بالإضافة للجهات الرسمية والدول المعنية بموضوع السودان سواء من الوسطاء الدوليين أو الإقليميين، وكذلك الدول الضالعة في الحرب".
مجدي عبد القيوم: معظم تنظيمات "تقدم" لا وزن أو ثقل سياسياً لها
ويقول عبد القيوم إن "السؤال هل تحالف تقدم مؤهل للقيام بهذا الدور في ظل تركيبته ومواقفه من الحرب الحالية؟ لا أعتقد، وذلك لعدة أسباب يمكن إيجاز أهمها في أن تحالف تقدم لا يضم من القوى السياسية الحزبية التي لها عمقها الاجتماعي وتجربتها إلا حزب الأمة القومي". ويوضح أن بقية تنظيمات "تقدم"، سواء الحزبية أو تنظيمات المجتمع المدني، "لا وزن أو ثقل سياسياً لها، وهي مجرد ظواهر صوتية".
ويلفت إلى أنه "إضافة للخلل في بنية مؤتمر تقدم التنظيمية وإصرار مجموعة داخله على اختطاف القرار من مجموعة متنفذة، وليس أدل على ذلك من استقالة السفير نور الدين ساتي (الشهر الماضي) من قيادة "تقدم" التي أسسها، وكذلك مذكرة حزب الأمة الإصلاحية (وجهها إلى تقدّم في مارس/ آذار الماضي)، بالتالي هو غير مؤهل لإنتاج حل أو رؤية سياسية". ويضيف أن "الأهم هو الشكوك حول الإرادة، فأغلب الشعب السوداني يرى أن تقدم مرتهنة للخارج سواء الدولي أو الإقليمي ولا تعدو أن تكون حصان طروادة".
ويشير عبد القيوم إلى أنه في ما يخص التحضير لأجل مؤتمر تقدم نفسه من قبل اللجنة المنظمة، فإنه يأتي وفقاً لمنهج مؤتمرات الأحزاب لا التحالفات، وسط ارتكاب أخطاء تنظيمية قاتلة. ويوضح أن تحالفات "تقدم" تشارك "بالأصالة لا بالوكالة، ولا أفهم كيف يمكن أن تمثل أحزاب أحزاباً أخرى، لا سيما في مؤتمر تأسيسي، ففكرة انتخاب ممثلين للتنسيقيات الولائية وقطاعات المهجر مثلاً لا تصلح لتنظيم مؤتمر تحالف، كذلك لم تطرح اللجنة المنظمة وثائق المؤتمر للتداول داخل المؤسسات المشكلة للتحالف، فعضو المؤتمر يمثل منظومة لا شخصه".
ويذكّر بأنه "في ظل منهج إدارة الأزمة، لا حلها، الذي تنتهجه أميركا وحلفاؤها الإقليميون، يظل الدعم الذي تجده تقدم خصماً عليها وليس ميزة، ويباعد بينها وبين القطاع الأعرض من الشعب السوداني، لا سيما أنها اتخذت مواقف سياسية متصلة بمجريات الحرب لتضعف موقفها وعزلتها جماهيرياً. ويعطي أمثلة على ذلك "كاتفاق أديس أبابا مع الدعم السريع (يناير الماضي)، وفي ذات الوقت الترويج وبشكل ممنهج لخطاب عدائي ضد القوات المسلحة بغية تفكيكها بذريعة إصلاحها".
ويرى "أن التحالفات، كي تحقق أهدافها، لا بد لها من مشروع سياسي مجمع عليه، يشكل الأهداف، وإطار تنظيمي يبنى على أسس العمل التحالفي، وقيادة كفوءة مقتدرة ومؤهلة". ويتابع: "لا أرى هذا في تقدم بشكلها الحالي، وفي تقديري أن مؤتمر تقدم ليس أكثر من تظاهرة سياسية ينتهي العزاء فيها بانتهاء مراسم الدفن، وهو نفسه جزء من تكتيك المجتمع الدولي لإطالة أمد الأزمة الوطنية الكارثية في سياق إدارتها لا حلها".