هل دفعت المعارضة التونسية ثمن خلافاتها؟

11 أكتوبر 2024
من الانتخابات الرئاسية التونسية، 6 أكتوبر 2024 (حسن مراد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- نتائج الانتخابات التونسية: فاز الرئيس قيس سعيّد بأكثر من 90% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وسط عزوف كبير عن المشاركة بنسبة امتناع تجاوزت 70%، مما يعكس استياء الشعب من المناخ السياسي وتقييد الحريات.

- خلافات المعارضة: تعاني المعارضة التونسية من انقسامات عميقة وعدم تنسيق، مما أضعف قدرتها على مواجهة السلطة الحالية وبناء تحالفات قوية أو تقديم بدائل سياسية فعالة.

- التحديات المستقبلية: تواجه المعارضة تحديات كبيرة في ظل استهداف السلطة لقياداتها، وتحتاج إلى إعادة تقييم استراتيجياتها وتوحيد صفوفها استعدادًا للانتخابات المقبلة في 2024.

بدأت المعارضة التونسية تحصي نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت الأحد الماضي، بين من يراها نتيجة طبيعية لمسار أقصاها، وبين من يعتبر أنها كانت خيبة جديدة تسببت فيها الخلافات العميقة بين مكوناتها. وكتب رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي نصاً شرح فيه أسباب هذه النتائج (فوز الرئيس قيس سعيّد بأكثر من 90% من الأصوات)، ومنها "إعراض الغالبية العظمى للشعب التونسي عن المشاركة في اختيار رئيسهم (أكثر من 70% لم يشاركوا)". وذكّر الشابي أن "السلطة جرفت الحقوق والحريات وزجت بقيادات الرأي من سياسيين وإعلاميين في السجن، وذهبت إلى أبعد مما كان يُتصور، فلاحقت المرشحين وزجت ببعضهم في السجن مع حرمانهم من حق الترشح مدى الحياة، وضربت عرض الحائط بقرارات المحكمة الإدارية التي أذنت بقبول بعض الترشيحات، وفي خطوة بهلوانية، قام البرلمان بمراجعة القانون الانتخابي وفقاً لإجراءات استعجال النظر لتجريد المحكمة الإدارية من اختصاصها قاضياً لمراقبة الانتخابات".

وأضاف الشابي على صفحته على منصة فيسبوك الثلاثاء الماضي: "رغم كل ذلك، اختارت المعارضة، عدا بعض الأصوات، عدم مقاطعة الانتخابات، وحوّلت المعركة من معركة سياسية رهانها التداول على السلطة وشرعية الحكم، إلى معركة حقوقية خلفية لإسناد المحكمة الإدارية أو التضامن مع بعض المرشحين، معتبرة أن المقاطعة موقف سلبي لا يعبئ الناس، والحال أن هذه المقاطعة لا تنفي المعركة الحقوقية بل تنطوي عليها ولكن من موقع سياسي جريء ومتقدم، لا من موقع خلفي ومتخف وراء الحركة الحقوقية".


ماهر حنين: القول إن المعارضة التونسية ضعيفة غير صحيح لأنها ملاحقة ومسجونة

خلافات المعارضة التونسية

وعكس هذا النص جانباً من الخلافات العميقة في صفوف المعارضة التونسية مع اعتبار مدير مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي عدنان منصر أنه "على الرغم من أن أهم عناوين المعارضة إعلانها مقاطعتها الانتخابات، إلا أنه كان واضحاً أنه لم يكن موقفاً منسقاً سبقته حركة مشاورات أفضت إلى قرار كهذا. وعدم التنسيق والتشاور هو الذي جعل الموقف متأخراً، وبالتالي لم ينشأ عنه وضع سياسي يمكن البناء عليه. معنى ذلك أن المعارضة لم تستطع تأسيس أرضية تشاور، فما بالك بأرضية تحالف ممكن، بعد ثلاث سنوات من استحواذ قيس سعيّد على كل السلطات". وشدد منصر في حديث لـ"العربي الجديد" على أن "عدم الاتفاق بين المعارضة التونسية على تقييم لما حدث قبل 25 يوليو/تموز 2021 (تاريخ اتخاذ سعيّد إجراءات استثنائية)، وانعدام الثقة بين عناوين تلك المعارضة، ثم بينها وبين الشارع. حتى المقاطعة الواسعة للانتخابات، وهي عزوف أكثر منها مقاطعة، لا يمكن بحال من الأحوال الإدعاء أنها جاءت تحت تأثير موقف المقاطعة الذي أعلنه عدد من الأحزاب أياماً قليلة فقط قبل موعد 6 أكتوبر/تشرين الأول" الحالي، تاريخ إجراء الرئاسيات.

وأكد منصر أن "هناك أكثر من خطأ في أداء المعارضة التونسية، فهناك عجز عن الالتقاء بسبب الفشل في تقديم قراءة موضوعية للفترة التي سبقت 25 يوليو. كما تتصرف المعارضة كضحية، ما يمنعها من الاعتراف بالأخطاء". أما بشأن حركة النهضة، فقال إن "استهداف السلطة قيادات المعارضة، والنهضويين منهم بصفة خاصة، يجعل من الصعب على حركة النهضة أن تقدم تقييماً موضوعياً لمسيرتها في السنوات السابقة. يمكن، بسبب هذا الاستهداف، تفهّم أنهم يعتبرون الوضع الحالي أكثر خطورة من أخطاء الماضي. وهذا مأزق حقيقي يستحيل أن يوفر أسساً للبناء من جديد".

وأشار منصر إلى أنه "لا يزال هناك قسم مهم من المصوتين (أي من 30% تقريباً من المقترعين) يرغبون في معاقبة عشرية الانتقال الديمقراطي، ولا تزال أمام الشعبويين للأسف أيام سعيدة أخرى في تونس. هذا دليل على أن الجهد المنتظر هو أٓضعاف ما يعتقد المعارضون أن عليهم بذله من أجل تغيير الأشياء بعمق".

في المقابل اعتبر أستاذ علم الاجتماع ماهر حنين، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن نتائج الانتخابات هي نتيجة المناخ العام الذي مهّد لها، فهناك مرحلة كبيرة ما قبل الانتخابات من ضرب للحريات وللحق في الترشح والمرسوم 54، وتعديل القانون الانتخابي، وبالتالي، فإن المناخ العام أعد لهذه النتائج مسبقاً". وتابع: "القول إن المعارضة التونسية ضعيفة غير صحيح، لأنها معارضة ملاحقة ومسجونة، والمجتمع المدني والإعلام تحت الضغط، وبالتالي، جرى إعداد الظروف لتكون النتائج بتلك الطريقة". وبيّن حنين أن "المعارضة تتحمل طبعاً جزءاً من المسؤولية في هذا المشهد، لأنها ومنذ سقوط (زين العابدين) بن علي (في عام 2010) لم تفهم معنى الثورة وبناء نظام ديمقراطي، سواء الإسلاميون في مرحلة أولى والقوى الليبرالية في مرحلة ثانية ونداء تونس، أو القوى الجديدة الصاعدة، لم تفهم جيداً أن عمق الثورة يستدعي بناء مؤسسات. وهذا يتطلب جهداً كبيراً من العمل الفكري والمؤسساتي والصبر، وهناك من اعتقد أنه بسقوط النظام أصبحت الدولة غنيمة والسلطة على سجاد أحمر، وهذا خطأ في التقدير والفهم وفي القيادة السياسية للمرحلة".


أحمد النفاتي: الناس تميل إلى السلطة والكرسي لديه ناخبوه

وتابع حنين: "هذا لا يعني أن العمل الحزبي كان غير قادر على التأقلم مع مرحلة الثورة وطموحات الشباب والآفاق الجديدة وثورة التكنولوجيا، فالأحزاب التقليدية تبيّن أنها غير قادرة على استيعاب هذا الزخم، والأزمة ليست فقط تونسية بل عالمية، لأن العمل الحزبي بأشكال التنظيم التقليدية وبصفة عامة لم يعد ناجعاً". ولفت حنين إلى أن "الرئيس سعيّد حصل على أقل من 2.5 مليون صوت، ولكنه حصل عليها أمام المغزاوي الذي كان يناصره إلى شهرين قبل الانتخابات، والعياشي زمال السجين، ولم يحصل عليها أمام المنصف المرزوقي وعبير موسي وعماد الدايمي وعبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي، أي أن سوسيولوجيا الانتخابات ليست ميكانيكية، لأنه لو حصلت انتخابات بسبعة أو ثمانية مرشحين، لكانت النتائج مختلفة، وبالتالي، فالنتيجة لم تنبثق من انتخابات تعددية، والناخب ليس بالضرورة عقلانياً بل تحكمه عوامل أخرى نفسية، وقد يخاف من التغيير المفاجئ، وبالتالي، لم تكن انتخابات تعددية ولا توجد انتخابات في العالم يفوز فيها الرئيس من الدور الأول بـ90% إلا إذا كان مجتمعاً لا ينتمي للقرن 21". وعن خيار المقاطعة، أشار حنين إلى أنه "لم يكن لفكرة الانتخابات، بل لعملية لم تتوفر فيها منذ البداية شروط التعددية والنزاهة، أي لم تكن مقاطعة فوضوية ورفضاً للانخراط عبر الصندوق أو في بناء المؤسسات، بل مقاطعة لموعد انتخابي لم تتوفر فيه الشروط الدنيا، وقد تبيّن أن من قاطع كان على حق والنتائج أثبتت ذلك".

خيار المقاطعة

من جهته، اعتبر نائب رئيس حزب العمل والإنجاز أحمد النفاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الناخب التونسي ذهب للتصويت ووجد أمامه ثلاثة أسماء فقط، بينما المرشحين الجديين والأسماء التي لديها امتداد شعبي وتجذر وتجربة سياسية وانتخابية غير موجودة، وبالتالي، فالمواطن المتابع وغير المتحزب يجد أمامه شخصا عرف أنه مساند لـ25 يوليو، وأتحدث هنا عن المغزاوي، وشخصاً جديداً غير معروف تماماً في الساحة، وهو زمال، وبالتالي، سيذهب الناخب آلياً لمن يعرفه". وتابع: "لذلك، فالناخب التونسي وجد نفسه أمام خيار محدود، ونعلم أن سعيّد ممسك بالسلطة، والناس تميل إلى السلطة، والكرسي لديه ناخبوه وهناك من يصوّت للسلطة وللرئيس وهناك من يخاف من التغيير".

وبيّن النفاتي أن "الطبقة السياسية تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، فحزب العمل والإنجاز طالب منذ سنتين بالاستعداد والانخراط في التحضير لـ2024، وطالبنا بالتوحد وأن تقدم كل عائلة سياسية مرشحها، ولكن المعارضة التونسية غرقت في دعوات إسقاط الانقلاب ولم تستجب لدعوات البناء والمشاركة في الانتخابات". وأضاف: "ناضلنا داخل جبهة الخلاص للمشاركة وعدم ترك المكان شاغراً". وشدّد على أن "المعارضة تتحمل جزءاً من المسؤولية، واليوم هناك أصوات تستشهد وتقول لنا ألم نقل من البداية إنه تجب المقاطعة، وهذا يعني أنها لم تستوعب شيئا". وأشار النفاتي إلى أن "الطبقة السياسية مع قيام الثورة لم تكن جاهزة للحكم، فهي طبقة نشأت وترعرعت في المعارضة والنضال لتجد نفسها مباشرة أمام الحكم في 2011". واعتبر أن "العائلات السياسية يجب أن تقف وقفة مصارحة وتقوم بمراجعات حقيقية، ويجب التفكير في النسب، فـ6% فقط من الشباب شاركوا، وهؤلاء هم من سيصوتون في المستقبل وليست فئة 60 سنة التي صوتت اليوم".

المساهمون