هل تحقق جولة مسار أستانة السوري الجديدة اختراقات؟

24 يناير 2024
من جولة أستانة في يونيو الماضي (ميرامغول كوساينوفا/الأناضول)
+ الخط -

تعقد يومي 24 و25 يناير/كانون الثاني الحالي جولة جديدة من مسار أستانة السوري، ليتناول الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار، الذي بدأ مطلع 2017، العديد من الملفات، لعل أبرزها العملية السياسية المتوقفة، والتطبيع بين النظام والجانب التركي، وأخرى إنسانية تخص إدخال المساعدات الدولية لملايين السوريين في شمال البلاد.

وأعلنت وزارة الخارجية الكازاخية، في بيان قبل أيام، أن الاجتماع الدولي الـ21 في إطار مسار أستانة سيعقد في عاصمة كازاخستان في 24 و25 يناير الحالي، بدعوة من الدول الضامنة، روسيا، وإيران، وتركيا.

وأعلن كل من النظام والمعارضة السورية المشاركة في هذه الجولة. ونقلت صحيفة "الوطن"، الموالية للنظام، عن مصادر دبلوماسية، وصفتها بأنها "متابعة"، قولها إن وفد النظام سيترأسه نائب وزير خارجية النظام بسام الصباغ.

المعارضة ستشارك في جولة مسار أستانة

في المقابل، أكد أحمد طعمة، رئيس وفد المعارضة السورية إلى هذا المسار، لـ"العربي الجديد"، مشاركة الوفد في الجولة الجديدة، مشيراً إلى أن "الملف الأهم الذي نحمله هو وقف الانتهاكات التي يقوم بها النظام بقصفه للمدنيين".

أحمد طعمة: سنحمل لجولة أستانة ملف وقف الانتهاكات التي يقوم بها النظام بقصفه للمدنيين

ويشي انعقاد هذه الجولة من مسار أستانة السوري أن الثلاثي الضامن حريص على استمرار خفض التصعيد في الشمال السوري، في ظل متغيرات إقليمية، لعل أبرزها العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 100 يوم على قطاع غزة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وعقدت آخر جولات مسار أستانة في 21 يونيو/ حزيران الماضي بعاصمة دولة كازاخستان، بحضور وفود من الدول الضامنة روسيا وإيران وتركيا، وممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة، ومبعوثين عن الأمم المتحدة والأردن والعراق ولبنان بصفة مراقبين.

ولم تحقق الجولة أي اختراقات في القضايا التي يتصدى لها هذا المسار، ما خلا تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في شمال غربي سورية، والذي تعرض للعديد من الخروق من قبل الروس والنظام، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين في مدن وبلدات إدلب.

وحاولت روسيا وإيران في الجولة السابقة ردم هوّة الخلاف العميقة بين النظام وتركيا، في سياق محاولات بدأت أواخر العام 2022 لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، التي اشترطت انسحاباً كاملاً من قبل الجيش التركي من شمال سورية، وهو ما رفضته أنقرة بشدة.

ومن المتوقع ان يُطرح التطبيع مجدداً على طاولة المباحثات في الجولة الـ21، خاصة من قبل الجانب الروسي الذي كان استضاف في مايو/أيار الماضي اجتماعاً رباعياً ضم وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، والذين اتفقوا، وقتها، على "تكليف نواب وزراء الخارجية بإعداد خريطة طريق لتطوير العلاقات بين تركيا وسورية، بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربع".

ملفات تحول أمام التطبيع بين النظام وتركيا

وتقف العديد من الملفات حائلاً حقيقياً أمام التطبيع بين النظام والجانب التركي، الذي يريد تنسيقاً عسكرياً مع النظام للتعامل مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال شرقي سورية، التي تعتبر أنقرة أنها تشكل تهديداً لأمنها القومي.

في المقابل، يريد النظام انسحاباً تركياً من شمال سورية، والتخلي عن فصائل المعارضة السورية، وتسليم المناطق التي تسيطر عليها في إدلب وريف حلب وشرقي نهر الفرات (رأس العين وتل أبيض) لقواته.

ومن المتوقع أن تمثل التعقيدات العسكرية والأمنية في الشمال السوري، الذي يزدحم بعشرات الفصائل المختلفة، عائقاً أمام تقارب كامل بين أنقرة ودمشق، ولا سيما أن هذا الشمال يضم ملايين المدنيين الذين يعانون من ظروف معيشية تكاد تصل حدود الكارثة.

ظروف إقليمية متغيرة جداً

ورأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجولة الـ21 من مسار أستانة "تأتي في ظروف إقليمية متغيرة جداً فرضت عقد هذه الجولة"، موضحاً أن الحرب الإسرائيلية على غزة خلقت مشاكل مشتركة بين الثلاثي الضامن إضافة إلى المشاكل السابقة.

وتابع: تركيا الآن لديها مشكلة حقيقية مع الإسرائيليين، وربما التقارب اليوم بين أنقرة والنظام مصلحة مشتركة للجانبين إضافة إلى روسيا، وإيران. هذه الحرب تهدد مصالح هذه الأطراف.

ومن المتوقع أن تحضر خلال اجتماع مسار أستانة العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة بين النظام والمعارضة، والمتوقفة منذ منتصف العام 2022، حيث ما يزال الجانب الروسي يعارض عقد جولة جديدة من مباحثات اللجنة الدستورية.

فراس رضوان أوغلو: ظروف إقليمية متغيرة جداً فرضت عقد هذه الجولة

ومن المرجح أن يحاول المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن دفع الثلاثي الضامن لتحديد موعد جديد لمباحثات "الدستورية" المنوط بها وضع دستور جديد لسورية، ولا سيما أن المسؤول الدولي لعب دوراً في انعقاد الجولة 21 من مسار أستانة وفق مصادر إعلامية.

ماذا تبقى من مسار أستانة السوري؟

وحول ما بقي من مسار أستانة بعد مرور نحو ست سنوات على انطلاقته، رأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "بقيت مصالح الدول الثلاث (روسيا، تركيا، إيران)، والتنسيق بينها بما يتعلق بالملف السوري".

وأضاف: الروس والإيرانيون يحاولون توظيف هذا المسار لإبقاء الأتراك إلى جانبهم، والأتراك يحاولون تحقيق مصالحهم، ولا سيما بما يتعلق باللاجئين، وتثبيت التهدئة، والتعامل مع ملف مشروع "قسد".

وأشار القربي إلى أن الجانب الروسي "خلق هذا المسار قبل سنوات ليكون موازياً لمسار العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة"، مضيفاً: الدول الثلاث حتى اللحظة لها مصلحة في بقاء واستمرار مسار أستانة السوري.

وتوقع القربي أن تحاول روسيا ضم دول عربية إلى هذا المسار لـ"إيجاد حل للقضية السورية خارج مسار الأمم المتحدة بما يحقق مصالح موسكو في سورية"، مرجحاً أن تثبّت الجولة الجديدة الأوضاع الموجودة اليوم في الشمال السوري.

وكانت الجولة الأولى من مفاوضات مسار أستانة عُقدت في 23 يناير 2017، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أعقب خروج المعارضة السورية المسلحة من أحياء حلب الشرقية، وفق اتفاق روسي تركي، بدا أنه كان البذرة الأولى لمسار أستانة.

ولم يتبق من تفاهمات مسار أستانة إلا وقف إطلاق النار في شمال غربي سورية، حيث لم تتقدم قوات النظام على الأرض منذ الربع الأول من 2020، الذي شهد حملة واسعة للنظام انتهت بانكفاء فصائل المعارضة السورية المسلحة إلى شريط جغرافي ضيق في شمال البلاد، يقع تحت النفوذ الأمني والعسكري والاقتصادي التركي.

ولم يستطع هذا المسار التعامل بشكل جدي مع الكثير من الملفات من قبيل ملف إزالة الألغام، أو المعتقلين والمغيبين قسراً لدى النظام السوري.

المساهمون