هكذا عرقل الاحتلال تدخلات الإسعاف الفلسطيني خلال العدوان على طولكرم

06 سبتمبر 2024
شارع دمرته الجرافات الإسرائيلية في مخيم طولكرم، 3 سبتمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

لم تكن مهمة الطواقم الإنسانية خلال تسعة أيام من العدوان في طولكرم شمالي الضفة الغربية، وبشكل خاص مخيماتها؛ مهمة يسيرة، بل إن قوات الاحتلال الإسرائيلي وعلى مدار تلك الأيام، تعمدت عرقلة عمل تلك الطواقم وكررت تأخير أو منع وصولها لتقديم الخدمة، فضلا عن صعوبات في التحرك داخل المخيمات بسبب تدمير الشوارع والبنية التحتية.

تستعيض طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني عن عدم قدرة وصول مركبات الإسعاف إلى داخل المخيم بمركبات دفع رباعية صغيرة يطلق عليها الأهالي "توك توك" لحجمها القريب من مركبة "توك توك" المعروفة، وقد استخدمتها الجمعية الأربعاء الماضي من أجل إدخال مساعدات بسيطة إلى أهالي مخيم طولكرم المحاصرين الذين قطعت عنهم كل الإمدادات بما فيها قطع شبكة المياه نتيجة التدمير بالجرافات.

حصلت الطواقم، كما أكدت لـ"العربي الجديد"، على إذن من الاحتلال بالدخول إلى مسارات محددة في المخيم لإيصال المساعدات، بعد تنسيق مع الصليب الأحمر والارتباط الفلسطيني، وبعد أن كان رئيس اللجنة الشعبية فيصل سلامة قد أعلن، مساء الثلاثاء الماضي، أن المخيم منطقة منكوبة نتيجة الحصار عليه، وأكد في حينها لـ"العربي الجديد" أنه طلب من الصليب الأحمر الدولي العمل على السماح بإدخال حليب الأطفال وبعض المستلزمات.

وبالفعل، أدخلت، الأربعاء، مركبتان صغيرتان للهلال الأحمر مياه الشرب والخبز وحليبَ وفوطَ الأطفال وبعض المستلزمات البسيطة، في حين أكد سلامة منع الاحتلال إدخال المعلبات إلى الأهالي. ورغم أن المركبات الصغيرة مخصصة للعمل في طرق صعبة، إلا أن الطواقم اضطرت في بعض الأحيان للترجل منها ودفعها إلى الأمام بسبب ما أحدثته جرافات الاحتلال الضخمة من دمار في الطريق.

لكن المهمة لم تستكمل، ففي عدة مرات، منعت جيبات الاحتلال مركبات الدفع الرباعي تلك من الدخول إلى المخيم وهي محملة بالمساعدات، بحجة "إلغاء التنسيق" معها، لتعود الطواقم وتجرب في كل مرة بعد أن تبلغ بإمكانية الدخول، لكن عمليات التوزيع تلك لم تتواصل، وبقيت مقتصرة على أطراف المخيم كما قال لـ"العربي الجديد" نائب مدير الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر في طولكرم أحمد زهران الذي أكد منع الطواقم من الوصول إلى عدد من الأحياء بسبب وجود قوات الاحتلال فيها.

خلال الأيام التسعة، اقتحمت قوات الاحتلال مخيم نور شمس لقرابة 46 ساعة، وعادت لاقتحام مخيم طولكرم لأكثر من 72 ساعة، وتكررت حوادث منع الوصول أو تأخير وصول عاملي الإسعاف والأعمال الإنسانية، ففي مخيم نور شمس شرقي طولكرم، بقي جثمان الشهيد عايد أبو الهيجا قرابة 20 ساعة داخل منزله، ولم يسمح لطواقم الهلال الأحمر الدخول وانتشاله إلا في اليوم التالي.

يقول المسعف المتطوع في الهلال الأحمر توفيق عماد، لـ"العربي الجديد"، إن ذوي الشهيد اضطروا لوضع الجثمان على الأرض وتغطيته كل تلك الساعات، وتشغيل مروحة هواء في الغرفة في محاولة لحماية الجثمان بما يستطيعون. وقال عماد إن الطاقم زود بخريطة للمسار المسموح سلوكه، ولكن استغرق الوصول قرابة 40 دقيقة بسبب التدمير في الشوارع، وإغلاق بعض المقاطع، بينما لم تكن تحتاج لأكثر من خمس دقائق في الوضع الطبيعي.

يؤكد عماد أن تأخير وصول الطواقم يتكرر دائما، حتى لو كان لنقل حالة مرضية إنسانية، وهو ما حصل عند مدخل مخيم طولكرم الجنوبي، حيث تأخر وصول الطاقم إلى مريض يحتاج إلى النقل إلى المستشفى أكثر من 45 دقيقة، بما يعنيه ذلك من خطر على حياة المرضى والمحتاجين للرعاية الصحية.

ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل إن المسعفة المتطوعة في الهلال الأحمر داليا حدادية أصيبت بجروح بعينها، وبشظايا في قدميها ويدها، خلال قصف طائرة مسيرة على مجموعة مواطنين في مخيم طولكرم ليل الاثنين الماضي، وقالت حدادية في تسجيل مصور؛ إنها توجهت إلى الميدان عصر الاثنين الماضي في وقت اقتحام المخيم، وقد أبلغت عند الساعة 11:30 ليلا بوجود إصابات، فهرعت لتلبية واجبها وفوجئت باستهدافها بشكل مباشر من طائرة مسيرة، ما أدى إلى جرح في عينها وشظايا في قدميها ويدها، وحتى قبل تمكن الطواقم من إدخالها إلى مستشفى الإسراء؛ قام جيش الاحتلال بتفتيشها وهي داخل مركبة الإسعاف.

تفتيش مركبات الإسعاف هذا أصبح أمرا شائعا، ليس فقط عند مداخل المخيمات، بل من خلال جيبات موجودة قرب المستشفيات بشكل متكرر كما يؤكد زهران، الذي قال إن المركبات تفتش عند دخولها وخروجها. وقد نال الدفاع المدني كأيضاً نصيبه من العراقيل، من خلال منع وصوله أو عدم تمكنه من الوصول إلى أماكن حرائق في مخيمي نور شمس وطولكرم، حيث لم تستطع الطواقم أمس الخميس من الوصول إلى منزل في مخيم طولكرم فجرته قوات الاحتلال واندلع فيه حريق، بسبب عدم قدرة المركبة على إكمال الطريق المدمر.

وفي 29 أغسطس/آب الماضي، أدى تفجير قوات الاحتلال محلاً تجارياً بداخله أسطوانات غاز إلى حريق في عدد من المنازل، وقد حاولت طواقم الدفاع المدني الوصول أكثر من مرة من دون جدوى. ورغم حصول الدفاع المدني على "تنسيق" مع الاحتلال للوصول حينها، إلا أن جيش الاحتلال أطلق النار مباشرة على طاقم مركبة الإطفاء عند وصولها إلى مكان قريب من حارة المنشية، عندما حاول رجال الإطفاء إزالة عوائق من الطريق، كما أكد أحدهم لـ"العربي الجديد".

وما تخشاه طواقم الإسعاف أن تتسبب تلك المعيقات في بعض الأحيان من مفارقة مرضى أو جرحى الحياة لعدم قدرة مركبات الإسعاف على الوصول إليهم، أو امتداد حريق لمساحات واسعة في ظل المنع المتواصل للطواقم من القيام بدورها.

المساهمون