هكذا بدت أجواء الاستفتاء على الدستور في الجزائر

01 نوفمبر 2020
حضرت المظاهر الانتخابية في استفتاء الدستور (العربي الجديد)
+ الخط -

 

غابت مظاهر الاحتفال بذكرى ثورة التحرير اليوم الأحد، حيث جرت العادة أن يخصص هذا اليوم من كل عام للاحتفال بالثورة واسترجاع مآثر النضال الثوري ورموز المقاومة الوطنية، بينما حضرت المظاهر الانتخابية، فيما يبدو أن رغبة سياسية ما دفعت الرئيس عبد المجيد تبون إلى اتخاذه أيضاً يوماً للتصويت على دستور "الجزائر الجديدة".  

عمر أوزقان ورشيد فريح خرجا من مكتب التصويت في مدرسة بالمدنية في أعالي العاصمة الجزائرية بإصبع "ملطخ" بحبر أزرق، دلالة على التصويت، يعمل الأول (أوزقان) معلم لغة فرنسية، فيما يعمل الثاني (فريح) في محل لإصلاح الحواسيب.

ولم يجد عمر حرجاً في كشف تصويته لصالح الدستور، كما لم يجد رشيد حرجاً في إظهار الورقة البيضاء (نعم) والتي وضعها في جيبه، ما يعني أنه صوت بالورقة الزرقاء (لا).

 "نحن أصدقاء منذ زمن، وكنا معاً في الحراك الشعبي منذ بدايته، وشاركنا في كل المظاهرات، إلى غاية الانتخابات الرئاسية، أنا اقتنعت أنه يجب أن يكون للبلاد رئيس، ورشيد كان مقتنعاً أن الانتخابات ليست حلاً"، يقول الشاب عمر، لكن صديقه رشيد يضيف "اشتركنا في الحراك لكننا اختلفنا سياسياً منذ تلك الفترة، في الاستفتاء أنا قررت لا، وصديقي قرر نعم، هو حر، نطلب الأمن والسلم لبلدنا"، يخطف عمر الكلام ليقول" نعم، هذا كلام جميل، التنمية والتغيير للجزائر، نحتاج إلى التغيير أيضاً".

برغم أن الشابين اختلفا في الموقف السياسي إزاء الدستور، إلا أن توقهما للتغيير واحد، والدستور بحسب ما تسوقه الحكومة هو المحطة الأولى لإقلاع قطار التغيير السياسي والاقتصادي في البلاد.

هكذا بدت أجواء الاستفتاء على الدستور في الجزائر

 

قرب متوسطة باستور في قلب العاصمة، يفتح حميد دكانه الصغير المقابل للمتوسطة التي صوت فيها رئيس البرلمان سليمان شنين، لا يبدو هذا الشاب مهتماً كثيراً بالاستفتاء وتفاصيله، مع أنه يملك شهادة جامعية.

 يعتبر حميد أن حديث السلطة عن الجزائر الجديدة يجب أن يترجم في سلوكات وقرارات فعلية يلمسها الشباب، كما يعتبر أن كثيراً من المظاهر التي رافقت الاستفتاء، تثبت أن التغيير ما زال بعيداً.

ويقول لـ"العربي الجديد"، "لم أضع الحبر في إصبعي، لم أنتخب منذ سنوات عديدة، قيل لنا إنها الجزائر الجديدة، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا ما زالت المظاهر السابقة حاضرة، شاهدت التلفزيون وتصويت كل المسؤولين، لا أحد منهم وقف في الصف أو الطابور، كنت أود أن أرى رئيس الحكومة والوزراء في الصف وطابور الناخبين مثل كل الناس، الجزائر الجديدة تبدأ من هنا، وعندما أرى ذلك ماثلاً سأصوّت".

وإذا كان ذلك ما يزعج حميد وأمثاله من الشباب الذي قاطع الاستفتاء، فإن المشهد في شوارع العاصمة الجزائرية اليوم الأحد كان يظهر ولا شك المدينة كما لو أنها تحت الحصار الأمني، لم تترك السلطات أية فرصة لأية محاولة تجمع أو تظاهر، واستبقت دعوات وزعها ناشطون منذ أيام للتظاهر الأحد في العاصمة، بنشر عشرات من مركبات الشرطة تمركزت وسط العاصمة وفي الشوارع الرئيسية كديدوش مراد ومحمد الخامس وحسيبة بن بوعلي، والساحات الرئيسية كساحة أودان والبريد المركزي.

ويظهر ذلك أن السلطات تأخذ على محمل الجد كل دعوات التظاهر التي يطلقها نشطاء الحراك، وإضافة إلى رغبتها في تأمين الاستفتاء الشعبي.

ومثلما نازع الاستفتاء على الدستور عيد الثورة يومه، نازع قلق الجزائريين وهم يتوجهون إلى مكاتب الاقتراع القلق على صحة الرئيس تبون الذي يعالج في ألمانيا، بانتظار أية أخبار سعيدة قادمة من مدينة بون عن صحة الرئيس.

في بلدة أحمر العين بولاية تيبازة، يسكن الشاب بلال لحول، والذي يدير صفحة على فيسبوك تهتم بأخبار البلدة. يلاحق بلال أخبار وصور الاستفتاء في بلدته لنشرها على صفحة الفيسبوك، لكنه يحاول التوصل إلى أية معلومات عن صحة الرئيس.

 يقول لحلول لـ"العربي الجديد"، "بصراحة أنا منشغل بوضع الرئيس وغموض وضعه وحالته الصحية، هذا الاستفتاء يجرى في ظرف قلق بالنسبة لي ولقطاع واسع من الجزائريين، أنا أتلمس ذلك في الميدان، زرت مكاتب تصويت، تجد الناس يصوتون ويسألون عن أية أخبار عن صحة الرئيس، رغم تصريحات مستشار الرئيس الخاص عبد الحفيظ علاهم الذي أبلغ أن صحته جيدة وهذا ما نتمناه، لا سيما في الظرف الراهن".

 

ويستدرك الشاب قائلاً "إلا أنه وبحكم تجربة الجزائريين مع الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، والذي كانت بيانات الرئاسة ومستشاريه تؤكد أنه في وضع صحي جيد وأنه يمارس مهامه بصفة طبيعية، وهي بيانات لم تكن دقيقة، فإن الشعب أصبح لا يؤمن إلا بالملموس".

تغلق مكاتب الاقتراع في الاستفتاء الدستوري أبوابها في الجزائر، في انتظار لقاء آخر قريب مع الجزائريين مجدداً في انتخابات نيابية ومحلية مرتقبة بداية العام المقبل، صوّت من صوّت وقاطع من قاطع، وأيد الدستور كثيرون ورفضه آخرون، يبقى المحك الحقيقي هو ما سيفرزه هذا المخاض السياسي بكل تفاصيله، وما يضيفه إلى تطلعات الجزائريين في التغيير، في ظل خشية أن يصب في سياق استمرارية المسارات السابقة.

دلالات