نواب ليبيون يستعدون لجلسة رسمية في غدامس وسط أنباء عن تصعيد عسكري محتمل  

08 ديسمبر 2020
جلسة مجلس نواب طبرق محاولة للتشويش على مسار جلسات غدامس (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

يستعد عدد من النواب الليبيين لعقد جلسة موحدة لمجلس النواب، اليوم الثلاثاء، بمدينة غدامس بعد أن تم تأجيلها أمس الإثنين، في وقت دخلت فيه أعمال ملتقى الحوار السياسي مرحلة صمت حذر تزامناً مع تصعيد عسكري متحمل.  

ومقابل بيان جلسة عقدها رئيس مجلس نواب طبرق، عقيلة صالح، في بنغازي، مساء أمس الإثنين، أُعلن عقبها عن تشكيل لجنة قانونية لإعادة النظر في اللائحة الداخلية للمجلس، أكد نواب من غدامس إحراز تقدم في اتجاه عقد جلسة موحدة، ستُعقد اليوم الثلاثاء، بمشاركة أكثر من 120 نائباً، بعد ما انتهت جلساتهم التشاورية التي بدأت الأحد الماضي عقب وصولهم من مدينة طنجة المغربية.  

وأكد خليفة الدغاري، عضو مجلس النواب، انتهاء الجلسات التشاورية بين النواب من إجراء تعديلات على اللائحة الداخلية للمجلس خلال الأيام الثلاثة الماضية، وتوافقها على ضرورة إعادة النظر في رئاسة المجلس.

ولفت الدغاري إلى أن إعادة النظر في اللائحة الداخلية تم الاتفاق عليها خلال لقاءات للنواب برعاية مصرية في القاهرة قبل اجتماعات طنجة التي توافق فيها النواب على توحيد المجلس.  

وحول جدول أعمال الجلسة الرسمية، اليوم الثلاثاء، أكد محمد الرعيض، عضو مجلس النواب، أن الجلسة لن تناقش كافة الملفات بقدر ما ستناقش المقترح المقدم من لجنة تعديل اللائحة ليكون أساساً للنظر في الملفات الأخرى.  

وأوضح الرعيض، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهدف الأساسي هو قيام المجلس بدوره والاستعداد للمرحلة المقبلة التي تتطلب توافقه وعمله على استحقاقات وطنية منها التمهيد للانتخابات والتوافق على قاعدة دستورية".  

وتعتبر اللائحة الداخلية المنظمة لعمل المجلس أساساً للتوافق بين النواب، بحسب محمد عبد الحفيظ، الذي يؤكد أن شكلها والتعديلات التي جرت عليها في جلسات بمدينة طبرق دون نصاب قانوني أعطت عقيلة صالح صلاحيات واسعة منها تفرده بإصدار قرارات تمس الأمن القومي للبلاد.  

وحول شكل مقترح تعديل اللائحة، الذي ستناقشه جلسة اليوم، قال عبد الحفيظ متحدثاً لـ"العربي الجديد" إنّ "المقترح يقوم على أساس توافق لجنة مشكلة من أقاليم ليبيا الثلاثة لضمان نجاحها واستمرارها، وتوصياتها التي سنناقشها اليوم تركز على تشكيل رئاسة المجلس بنظام الدورة البرلمانية التي تتجدد كل ستة أشهر، وهي أيضاً ضامن لعدم تركز سلطة المجلس في يد تيار أو شخصية واحدة".

محاولة للتشويش على جلسات غدامس

وفي محاولة للتشويش على مسار جلسات غدامس، أعلن المتحدث الرسمي باسم مجلس نواب طبرق، عبد الله بليحق، اتفاق النواب المجتمعين في بنغازي، أمس الإثنين، على "تشكيل لجنة لمناقشة وتعديل اللائحة الداخلية المنظمة لعمل مجلس النواب، على أن تكون اللجنة برئاسة رئيس اللجنة التشريعية"، بالإضافة لرفع طلب للجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 لحثها على الإسراع في إعداد مقر مؤقت للمجلس في مدينة سرت، التي تم الاتفاق على عقد الجلسة المقبلة فيها".  

وقال بليحق، في مؤتمر صحافي، مساء الإثنين، عقب جلسة بنغازي التي لم يحدد عدد من حضرها، إنه تم الاتفاق أيضاً على "إعداد مجلس النواب لخطة بديلة في حال فشل الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة".  

ونقل بليحق عن عقيلة صالح أن زيارتيه للقاهرة وموسكو شغلتاه عن حضور جلسات البرلمان، وأنه تفاجأ بعقد النواب اجتماعات في مدينة طنجة "من دون التنسيق معه"، مؤكداً أن صالح "غير متمسك بالرئاسة ويدعو الجميع للتوافق".  

وبحسب الباحث الليبي السياسي زايد مؤمن، فإن هناك محاولات من صالح لقطع الطريق والتشبث بالسلطة رغم نفي بليحق ذلك، متوقعاً أن تستمر عراقيل صالح وحلفائه لجهود النواب في طبرق، خصوصاً أنه يستند إلى قوانين المجلس بشأن المقر الدستوري للمجلس في بنغازي، وهو ما أقدم النواب في غدامس على تغييره.

ولا يعتبر مؤمن، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن نصاب غدامس وتوحد المجلس سبباً في نجاح النواب بالإطاحة بصالح وتغيير مسار عمله، بل إن نجاح المجلس سيقوم على بيانات الترحيب الدولية والأممية التي ستقدم له الدعم والاعتراف بمخرجاته في حال نجح في ذلك. 

ويقول الباحث السياسي الليبي إن "البعثة الأممية تترقب التطورات في صمت، فكلا الاجتماعين في بنغازي وغدامس لمسا ملفات تتعلق بعملها، ولذا فلن تعلن البعثة عن موقف قبل تأكدها من ترجيح كفة هذا الاجتماع أو ذاك لصالح جهودها ومساراتها".  

وفيما يعتقد مؤمن أن اجتماع المجلس وتوحده مهم لشرعنة مخرجات ملتقى الحوار السياسي في تونس الذي ترعاه البعثة الأممية ويمثل تتويج جهودها في ليبيا، يرى أن حديث اجتماع بنغازي، يوم أمس الإثنين، عن تشكيل لجنة لإعداد "خطة بديلة في حال فشل الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة مهم بالنسبة لها".

ومنذ إعلان البعثة الأممية عن عزمها "عقد جلسة افتراضية"، لملتقى الحوار السياسي، لم تحدد موعدها واكتفت بالقول، مساء السبت الماضي، بعد الإعلان عن نتائج التصويت على مقترحات بشأن آليات اختيار شاغلي السلطة التنفيذية الجديدة، إنها ستعقد "في الأيام المقبلة"، ولم يُعلن من جانبها أي جديد يتعلق بالجلسة المنتظرة، ولا تحديد موعد للجلسة الرسمية لبدء العمل على الآلية المتفق عليها لاختيار شاغلي السلطة التنفيذية الجديدة. 

ويرى مؤمن أن "بدء عقيلة صالح في بث عراقيل في طريق توحد المجلس في غدامس يؤكد أن حظوظه في شغل منصب في السلطة التنفيذية الجديدة قد تلاشت"، مشيراً إلى أن صمت البعثة الأممية يعكس "حذراً من جانبها وترقباً بشأن إمكانية حدوث تصعيد عسكري محتمل قد يخلط كل أوراق مساعي التوصل إلى حلول سلمية".  

وفي الأثناء، استمرت قيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في تأكيدها على التزامها باتفاق وقف إطلاق النار، واتهامها لحكومة "الوفاق" في طرابلس بتحريك قواتها باتجاه نقاط التماس في سرت والجفرة.

ونفى المتحدث الرسمي لقيادة مليشيات حفتر، أحمد المسماري، صدور أي أومر من قيادة حفتر بـ"مهاجمة معسكر تيندي"، في أوباري، في إشارة للهجوم الذي شنته مليشيا "سحبان" التابعة لحفتر على مقر المنطقة العسكرية الجنوبية التابعة لحكومة "الوفاق"، أول من أمس الأحد. 

تصعيد عسكري

وأشار إلى أن ما حدث "سوء فهم وتم حل الإشكالية من خلال الحكماء والأعيان"، وأن مليشيا "سحبان" كانت في مهمة بالجنوب الليبي "وأرادت دخول المعسكر للاستراحة داخله" ما أدى إلى مناوشات خفيفة، بحسب تعبيره.  

وفي توجيه للأحداث، اتهم المسماري، في لقاء تلفزيوني، ليلة الإثنين، حكومة "الوفاق" بصلتها بـ"إرهابيين خطرين" تم القبض عليهم في عملية أمنية بمدينة أوباري، مشيراً إلى أن التحقيقات معهم أكدت "وجود ملاذات آمنة لتنظيم القاعدة في طرابلس وضواحيها".  

وركز المسماري ، في تصريحاته، على تمكن قوات حفتر البحرية من "اعتراض سفينة تركية كانت متجهة صوب ميناء مصراتة"، مضيفاً أن السفينة "على متنها "طاقم مؤلف من 17 فرداً بينهم تسعة مواطنين أتراك وحاويات لم يجر تفتيشها بعد"، ما يراه مؤمن بداية إطلاق مبررات لتصعيد عسكري من جانب حفتر والعودة لاستغلال شعارات الإرهاب والتدخل التركي.  

وفي تضارب للأنباء في معسكر شرق ليبيا، في الوقت الذي أكدت فيه وسائل إعلام مقربة من حفتر وجوده في القاهرة للقاء مسؤولين مصريين، قال مكتب إعلام قيادة حفتر إن الأخير اطلع على "صورة المشهد الأمني" وما تم تنفيذه من مراحل الخطة الأمنية التي يشرف على تنفيذها رئيس الأركان المكلف من مجلس نواب طبرق عبد الرزاق الناظوري.  

ورفقة صورة جمعت الناظوري بحفتر، قال المكتب إن الناظوري أطلع حفتر على المرحلة الثالثة من "عملية فرض القانون التي تستهدف كل أوكار المجرمين والخارجين عن القانون في مدينة بنغازي"، لكن مصادر برلمانية من طبرق أكدت أن ما يدور في كواليس قيادة حفتر "قد ينسف كل جهود البحث عن حلول سلمية". 

واطلعت المصادر، التي تحدثت لــ"العربي الجديد"، على معلومات تشير  إلى مناقشة حفتر لخطط بدعم من حلفائه الإقليميين لتصعيد عسكري جديد يتزامن مع توجه أوروبي لفرض عقوبات على أنقرة؛ بسبب نشاطها المتزايد في شرق البحر المتوسط والمرتبط بتحالفات عقدتها تركيا مع حكومة "الوفاق" في طرابلس.  

ودافع وزير خارجية حكومة "الوفاق" محمد سيالة، عن الاتفاقات الموقعة بين حكومته والحكومة التركية، منتقداً أثناء لقائه بنظيره التركي مولود جاووش أوغلو، أمس الإثنين، ما وصفها بالمحاولات الدولية التي تهدف إلى تقويض الاتفاق المشترك بين الحكومتين لــ "تأجيج الوضع لاعتبارات سياسية وانتقامية".  

وفي مقابل اتهامات المسماري لحكومة "الوفاق" بنقل جنود ومقاتلين من قواعد ليبية "تسيطر عليها تركيا"، وفق قوله، إلى نقاط التماس في سرت والجفرة، كشفت ذات المصادر أن نوايا حفتر بالتحرك العسكري بالقرب من نقاط التماس، بإيعاز من حلفائه، ترجع إلى الأسابيع الماضية. 

وقالت المصادر إن آمر غرفة عمليات تحرير غرب سرت المكلف اللواء أحمد سالم التابع لحفتر، تلقى برقية، فجر الأحد الماضي، برمز 59 / 175 ، لــ"رفع درجة الاستعداد لكافة القوات"، متضمنة أن الأمر جاء بناء على اجتماعات عقدها حفتر خلال الأسبوع ما قبل الماضي مع قادته وضباطه.  

وبحسب ذات المصادر، فإن كثافة العملية الأمنية التي يجريها حفتر في بنغازي، وفي مواقع أخرى بالجنوب الليبي منها أوباري التي استهدفت مقراً للمنطقة العسكرية الجنوبية التابعة لحكومة "الوفاق"، تهدف إلى تأمين ظهر قواته، بعد بروز معارضة قبلية واسعة في شرق البلاد بعضها على صلة بمعسكرات ومليشيات في بنغازي.  

ويقرأ مؤمن ثناء حفتر على عقيلة صالح، خلال لقائه بعدد من الضباط في بنغازي، كما أشار إليه بيان مقتضب لمكتب الإعلام الحربي التابع لمليشياته، بأنه "رسالة نعي من حفتر لعقيلة، ورداً على محاولاته السابقة لقلب الأوضاع في شرق ليبيا". وتساءل "إن لم تكن كذلك، فما علاقة الحديث عن صالح في اجتماع عسكري"؟ معتبراً أن تحالفات مساعي حفتر للدفع بأحد حلفائه من النواب كمرشح لرئاسة مجلس النواب في غدامس يحظى بدعم طيف نيابي واسع.  

وطالما اتهمت قيادة حفتر اجتماع نواب ليبيين في طرابلس بــ"الخيانة"، وبأنها "اجتماعات غير دستورية"، لكنه لم يصدر عنها أي تعليق بشأن اجتماعات غدامس الحالية. 

وأكد عضو مجلس النواب عبد الحفيظ أن الأسماء المرشحة لرئاسة المجلس عديدة، لكن الضامن لعدم تكرار ما حدث في طبرق واستيلاء صالح على قرارات المجلس هو نظام الدورات البرلمانية.  

ورغم ذلك، يرى مؤمن أن نجاح شخصية برلمانية موالية لحفتر في شغل كرسي الرئاسة في مجلس النواب "يمكنها أن توفر أي شرعية لحراك عسكري جديد"، في مقابل ذلك لا يرى الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق، أن أي تصعيد عسكري جديد يمكنه أن يجر البلاد إلى حرب جديدة، مشيراً إلى أن التصعيد لن يتجاوز مرحلة الضغط فقط.  

ويشرح البرق رأيه بالقول، لـ"العربي الجديد"، إن "كل الأطراف سواء تركيا في جانب حكومة الوفاق أو روسيا والإمارات لم يتوقفوا عن دعم حلفائهم خلال الفترات الماضية بمزيد من السلاح، ما يعني أن المواقف العسكرية متوازنة وأن أي حرب لن تنتهي لصالح أي من الطرفين". 

وأكد البرق أن "قرار التصعيد لن يتعدى مرحلة التوتر العسكري وربما مناوشات مسلحة متبادلة لكنها في إطار الضغط المتصل بمواقف دولية متصارعة على هامش الملف الليبي".  

ولا تبدو الساحة الليبية، بحسب البرق، ذات أهمية أساسية، بالنسبة لملف شرق البحر المتوسط الساخن حالياً، مشيراً إلى أنها ذات الاتفاقات التي عقدتها أنقرة مع طرابلس، وأهمها الاتفاق البحري الذي يعارض مصالح دول متوسطية أخرى متنافسة على مواقع الغاز في المنطقة. 

وشدد البرق على أن "أي موقف عسكري داخل ليبيا لا يتعلق بالمفاوضات السياسية الليبية وجهود التوصل إلى حل، بقدر ما يتعلق بالضغط من أجل خلط الأوراق لأهداف تتجاوز أزمة الملف الليبي".  

المساهمون