أزمة سياسية وإدارية تعصف بمجلس محافظة نينوى العراقية

16 يوليو 2024
مبنى مدمر خلال المعارك ضد "داعش" في الموصل، 1 يونيو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

دخلت محافظة نينوى شمالي العراق في أزمة سياسية وإدارية خانقة بعد أشهر معدودة على تشكيل حكومتها المحلية، وذلك على خلفية تفرد قوى سياسية تابعة لتحالف "الإطار التنسيقي" بالقرارات داخل المجلس بحسب رؤية المعارضين لها، وتعمل في مجلس المحافظة تحت مسمى كتلة "نينوى المستقبل".

في الموصل العاصمة المحلية للمحافظة، التي تنتظرها عشرات الملفات المتعلقة بمعالجة آثار حقبة سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، عليها (2014 ـ 2017) تظهر جلياً الأزمة بعدما صوّت مجلس المحافظة في الثاني من الشهر الحالي على إعفاء رؤساء الوحدات الإدارية للأقضية والنواحي (مناصب القائممقام، ومدير الناحية)، في جلسة شاركت فيها "نينوى المستقبل" فقط وقاطعتها الكتلة الكردية والعربية السنية.

وتمتلك قوى "الإطار التنسيقي"، عبر كتلتها، 16 مقعداً في مجلس المحافظة من أصل 29، ما يمكنها من اتخاذ القرارات والتصويت عليها بعيداً عن كتلتي "الديمقراطي الكردستاني" التي تمتلك أربعة مقاعد، و"نينوى الموحدة" التي تمتلك تسعة مقاعد. وشملت التغييرات رؤساء الوحدات الإدارية في سبعة أقضية وهي: سنجار والبعاج والحضر ومخمور وتلعفر وتلكيف والحمدانية، و12 ناحية وهي: الشورة وحمام العليل وبعشيقة والتل والنمرود والقراج والقيارة وبرطلة والشمال والعياضية وزمار ووانة.

وتُصر كتلة "نينوى المستقبل" على "شرعية" إجراءات إعفاء وانتخاب رؤساء الوحدات الإدارية، بينما تصفها الأطراف الأخرى بأنها "إجراءات مخالفة للدستور"، و"انقلاب على التوافق السياسي". وتسبب ذلك بوضع محافظ نينوى عبد القادر الدخيل في موقف صعب بين الموافقة على الأسماء المُصوّت عليها أو رفضها.

مبادرة لمحافظ نينوى

وخلال الساعات الماضية أطلق الدخيل مبادرة لحل الأزمة التي بدأت تلقي بظلالها على ملف الخدمات والإعمار، حيث وجه دعوة للكتل والقوى المتخاصمة في مجلس نينوى للجلوس على طاولة حوار لحل الخلافات بشأن رؤساء الوحدات الإدارية "من أجل الخروج بحلول ترضي جميع الأطراف ومن أجل خدمة المدينة وإكمال مشوارها العمراني الذي بدأ يتأثر بتلك الصراعات"، وفق بيان صادر عنه.

كما وجه الدخيل دعوته لجميع أعضاء مجلس النواب عن نينوى والوزراء ممن يمثلون المحافظة في الحكومة العراقية لحضور جلسة الحوار مع أعضاء مجلس المحافظة نهاية هذا الأسبوع للخروج بحلولٍ تنهي هذه القطيعة في المجلس من أجل العودة للتركيز على ملف الإعمار والخدمات.

في الأثناء، تترقب الأوساط السياسية المحلية ما ستؤول إليه دعوة المحافظ للحوار، وسط ترحيب من الكتل المعترضة ورفض من كتلة "نينوى المستقبل"، التي أكدت استغرابها من دعوة الدخيل التي جاءت خارج نطاق صلاحياته، بحسب بيان للكتلة.

إقالة رئاسة المجلس

في المقابل أكد مهند نجم الجبوري؛ عضو المجلس عن كتلة "نينوى الموحدة" الرافضة لإجراءات استبدال رؤساء الوحدات الإدارية، أن كتلته تؤكد عدم دستورية وقانونية الجلسة، فضلاً عن كونها تجاوز وانقلاب على التوافقات السياسية. وقال الجبوري في حديث مع "العربي الجديد" إنّ "كتلة نينوى المستقبل صوتت بشكل مخالف للقانون على مسؤولي الوحدات الإدارية وتفردت باتخاذ القرار دون المشاورات والشراكة مع باقي الكتل"، مشدداً على أن كتلته "ستسعى إلى إقالة هيئة رئاسة مجلس نينوى بسبب استحواذ القوى الإطارية عليها، حيث إن الرئيس ونائبه من كتلة نينوى المستقبل". وأوضح أنه في حال عدم التراجع عن قرارات المجلس الأخيرة فإن كتلته لن تتراجع هي الأخرى عن خيار إقالة رئاسة المجلس أو حتى حلّ المجلس.

وأضاف: "كتلة نينوى المستقبل وعدت قبيل الجلسة الأخيرة بالمشاورات مع باقي الكتل من أجل التوافق على تمرير مسؤولي الوحدات الإدارية لكن لم يحصل هذا الشيء، إذ مضت تلك الكتلة بالتفرد باتخاذ القرارات". ورحّبت الكتلة الكردية في المجلس بالدعوة التي وجهها المحافظ لحل الخلافات بين الكتل السياسية. وقال رئيس الكتلة أحمد الكيكي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "كتلته قررت الاستمرار بمقاطعة جلسات مجلس نينوى لحين إلغاء قرارات المجلس".

وأشار إلى أن "تصويت المجلس جاء خلافاً لمواد القانون والدستور العراقي، حيث كان من المفترض أن يتم استجواب المسؤولين السابقين في حال ثبوت تقصيرهم أو فسادهم قبل إقالتهم، كما كان من المفترض أن يتم استقبال أسماء المرشحين لباقي الوحدات من قبل المحافظ وهو ما لم يحصل". وأوضح أن بعض المرشحين "عليهم ملاحظات من ناحية القيود الجنائية".

الاحتكام لدى المحكمة الاتحادية

لكن كتلة "نينوى المستقبل"، التي فجرت الأزمة، دافعت عن تصويتها وإجراءاتها وعدتها قانونية، وأكد رئيس الكتلة في مجلس المحافظة محمد هريس في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المجلس ماضٍ بتنفيذ قراراته بشأن مسؤولي الوحدات الإدارية. ودعا هريس المحافظ إلى الموافقة على الأسماء التي صوت عليها المجلس وعدم الدخول في الصراعات السياسية، كما دعا القوى والكتل المعترضة على قرار المجلس إلى اللجوء إلى المحكمة الاتحادية للتحكيم بينهم.

ورأى الناشط السياسي أحمد العبادي أن الصراعات والمصالح الحزبية تهيمن على مجلس نينوى الجديد، مؤكداً أن ما يجري منذ أشهر في المجلس مؤشر على "عدم أهمية المواطن ومشاكله والملف الخدمي والإعمار". وقال العبادي لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصراع الحالي كان متوقعا بسبب هيمنة جهات تدين بالولاء لأحزابها وكتلها فقط إلى مجلس المحافظة". وتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من الصراعات لاسيما مع أي حراك لاستبدال وتعيين مدراء المؤسسات الحكومية، لافتاً إلى ما حصل يتحمله أهالي المحافظة الذين قاطعوا الانتخابات و"تركوا صناديق الاقتراع للجهات التي تعمل جاهدة على تحقيق الاستحواذ الحزبي على نينوى"، على حد قوله.