تسعى روسيا لفرض نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في منتصف العام الحالي في سورية أمراً واقعاً، بالتجديد لبشّار الأسد لولاية رئاسية جديدة مدتها سبعة أعوام، بحسب الدستور الحالي للبلاد، الذي جرى إقراره عام 2012، ولا يلقى اعترافاً دولياً. وعلى أساس هذا الدستور أيضاً، جرى التجديد للأسد لولاية رئاسية في العام 2014، تنتهي منتصف العام الحالي. بيد أن الروس باتوا يستشعرون خطر التحرك الغربي لعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات المقررة في منتصف العام الحالي، ليس فقط من خلال عدم الاعتراف بها وحسب، وإنما التحرك دولياً لإنهاء حكم الأسد، في حال لم تكن الانتخابات وفق دستور جديد، وبعد مرحلة انتقالية حقيقية، بحسب بيان جنيف 1، وقرار مجلس الأمن 2254. وبدأت التصريحات الروسية تصب في إطار الترويج لشرعية الانتخابات مع اقتراب موعدها، لجهة تعزيز موقف الأسد فيها، بذريعة الاستقرار.
يتخوف النظام وحلفاؤه من ردّ الفعل الدولي، لا سيما مع تحايل النظام على مسارات الحل السياسي
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، إن دعوات بعض الدول لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في سورية، تقوّض الأداء المستقر للمؤسسات الرسمية في هذه الدولة. وأضاف فيرشينين، في حديث لوكالة "نوفوستي" الروسية، أنه "على الرغم من العوامل السلبية والقيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، تواصل اللجنة الدستورية الخاصة بسورية العمل في جنيف. ومن المقرر عقد الجولة الخامسة من المشاورات بين الأطراف السورية في اللجنة خلال الفترة من 25 إلى 29 يناير/ كانون الثاني الحالي، وستتم خلالها مناقشة المبادئ الدستورية، وسيتعين فيها البحث بجدية عن حلول مقبولة للجانبين". وأشار المسؤول الروسي إلى أنه "في غضون ذلك، تظهر تصريحات في بعض المحافل الدولية حول التبني العاجل لدستور جديد، وعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية. وهذا يعني عملياً حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم، وفي الوقت نفسه يقوضون استقرار عمل مؤسسات الدولة السورية".
وأظهر كلام نائب الوزير الروسي نوايا موسكو حول تمييع المسار السياسي وإطالة أمده، بإشارته إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وقواعد عمل اللجنة الدستورية، "يفرضان بشكل مباشر ضرورة دفع العملية السياسية قدماً، والتي يقودها وينفذها السوريون أنفسهم، من دون تدخل خارجي ومن دون فرض أطر زمنية مصطنعة"، وخلص إلى أنه "على هذا الأساس بالذات، يمكن التوصل إلى تسوية سياسية طويلة الأمد في سورية".
وفي إطار ذلك، يبدو أن النظام وحلفاءه باتوا في طور التمهيد لفرض الانتخابات أمراً واقعاً مع نتائجها، إلا أنهم باتوا متخوفين من ردّ الفعل الدولي، لا سيما مع تحايل النظام على مسارات الحل السياسي، وآخرها مسار اللجنة الدستورية. وتزايدت الضغوط الغربية، والأميركية على وجه الخصوص، لدفع النظام للانخراط جدياً في العملية السياسية، سواء من خلال العقوبات أو بالتحرك الدبلوماسي بالضغط عليه من خلال حلفائه، دون استجابة واضحة. غير أن واشنطن، من خلال إدارة دونالد ترامب، باتت تلوح بأدوات جديدة لفرض الحل السياسي، بيد أن ذلك بات يرتبط بما ستقدم عليه الإدارة الأميركية المقبلة برئاسة جو بايدن حيال صيغة الحل السوري، ولا سيما التعامل مع مسألة الانتخابات، والتجديد للأسد، كما هو متوقع.
داخلياً، أخذ النظام يحرك أدواته في سبيل الترويج للتجديد للأسد، وكان سابقاً غير مضطر لذلك مع تكفل الأفرع الأمنية بفرض نتائج الانتخابات بنسب مرتفعة. غير أن تحركات النظام حيال ذلك باتت تقوم على أسس ومعطيات جديدة، من خلال كسب دعم العشائر السورية المتحالفة مع النظام، أو التي يرتبط شيوخها بعلاقات طيبة مع الأسد والنظام. في خضم ذلك، جاء الملتقى العشائري الذي عقد في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي في محافظة حماة، وسط البلاد. وأشارت معلومات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الشيخ نواف طراد الملحم هو عراب الملتقى بهدف كسب دعم عشائري للأسد خلال التجديد له في الانتخابات المقبلة، ولفتت المصادر إلى أن الملحم طرح خلال الملتقى فكرة أن يكون الأسد هو مرشح العشائر السورية خلال الانتخابات المقبلة.
وتُشكّل العشائر نسبة جيدة من سكان البلاد، غير أن هناك الكثير من شيوخ العشائر والقبائل العربية في البلاد مع أبناء العشائر يعدون من صلب المعارضة السورية، ويشكلون نسبة كبيرة من الحاضنة الشعبية للثورة، مع رفضهم بقاء الأسد في السلطة. وأشار مصدر خاص لـ"العربي الجديد"، من السويداء، إلى أن الملحم حاول نقل فكرة الملتقى إلى محافظة السويداء، في إطار كسب الدعم المجتمعي والعشائري للأسد، والتقى في نهاية الشهر الماضي مع وجهاء وشيوخ من الطائفة الدرزية، من بينهم شيخ العقل يوسف جربوع، بحضور ممثلين عن العائلات ووجوه اجتماعية مختلفة ورجال دين في دار الطائفة بمدينة السويداء. وأشار المصدر إلى أن الملحم طرح فكرة ترشيح الأسد للانتخابات من قبل الوجوه الاجتماعية والعشائرية نيابة عن عائلاتهم وعشائرهم كما حدث في حماة، إلا أن المصدر أكد أن طرح الأخير لم يلقَ تجاوباً من قبل وجوه السويداء ومشايخها، ولم يحصل من خلال اجتماعه بهم على نتائج نهائية إيجابية.
وفي تعليق على تصريحات فيرشينين حول عدم الاعتراف الدولي بالانتخابات وأن مؤداه الدفع لعدم الاستقرار بالبلاد، أشار عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني المعارض، عبد المجيد بركات، إلى أن "قيام روسيا بدعم النظام بإجراء الانتخابات الرئاسية، يعد إجراءً أحادي الجانب، وعلى عكس ما صرح به نائب الوزير الروسي، فإن اللجوء لإجراء الانتخابات ودعمها من أي طرف سيؤدي إلى عدم الاستقرار في البلاد، وحتى بالنسبة للعملية السياسية، ولا بد من الإشارة إلى أن حلفاء النظام، لا سيما الروس والإيرانيون، غير جديين في التعاطي مع العملية السياسية بالمطلق".
أخذ النظام يحرك أدواته في الداخل في سبيل الترويج للتجديد للأسد، وكان سابقاً غير مضطر لذلك
وأضاف بركات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أي انتخابات يقوم بها النظام، منذ الإعلان عن انطلاق اللجنة الدستورية، هي انتخابات خارج الولاية الدستورية لمؤسسات الدولة، وخارج ولاية مجلس الشعب (البرلمان)، فعندما قام النظام بالموافقة على الانخراط بمسار اللجنة الدستورية، كأحد مكوناتها الثلاثة، فمن المفترض أن يوقف العمل بالدستور حتى تنهي اللجنة أعمالها بوضع دستور جديد للبلاد تقوم على أساسه الانتخابات، وبذلك من وجهة نظر قانونية، فإن النظام لا يحق له إجراء انتخابات، حتى تنهي اللجنة أعمالها"، معلناً أنهم في المعارضة لن يكونوا طرفاً بأي عملية انتخابية يكون النظام فيها الطرف الآخر، وذلك لضلوع النظام وأركانه بجرائم حرب تتوجب المحاسبة عليها.
ولفت بركات إلى أن لديهم في المعارضة مؤشرات دولية واضحة لرفض العملية الانتخابية، مشيراً إلى أن "المجتمع الدولي يصر على تطبيق السلال الأربع في العملية السياسية، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، ومن المفترض أن تكون روسيا مشاركة في تطبيق هذا القرار وسلاله، لذلك سيتحتم عليها الالتزام، أو ستلاقي ضغطاً دولياً للتوقف عن دعم النظام".
وكان وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، قد أعلن أخيراً أن الانتخابات ستجري في موعدها من دون أن تكون لمخرجات اللجنة الدستورية علاقة بها، وهو بذلك يكرر موقفاً سبق أن أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عند زيارته لدمشق خلال مؤتمر صحافي جمعه بوزير خارجية النظام الراحل وليد المعلم. كذلك كان رئيس النظام بشار الأسد قد أشار في حديث صحافي، خريف العام الماضي، إلى أن "المفاوضات ستأخذ وقتاً طويلاً"، في معرض حديثه عن مسار اللجنة الدستورية، ممهداً كذلك للتملص من مخرجاتها، بالإشارة إلى أن الوفد المسمى من قبل النظام لا يمثل النظام، وإنما يمثل الدولة السورية، بحسبه. ويمكّنه هذا الأمر من التملص من مخرجات اللجنة ونتائجها إذا لم تتوافق مع رؤية النظام، والحفاظ على بقائه في السلطة.