قسّم الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، مساء الأربعاء، إطلالته التي استمرّت لحوالي الساعتين في ذكرى "يوم الشهيد" إلى محاورٍ عدّة، أهمّها، السياسة الأميركية في لبنان ومسار العقوبات، والانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وملف ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي، معرّجاً على المناورة الإسرائيلية الأخيرة، فمسألة تشكيل الحكومة التي أخذت مساحة مقتضبة في كلمته إلى جانب فيروس كورونا والإقفال العام في البلاد.
ولعلّ أبرز ما شدّد عليه نصر الله وصف موقف حليفه رئيس "التيار الوطني الحرّ" النائب جبران باسيل الذي أدلى به يوم الأحد، رداً على العقوبات الأميركية التي طاولته الجمعة الماضية بناءً على قانون "ماغنتسكي"، بـ"الشجاع والوطني والشريف"، في رسالة دعمٍ مباشرة بوجه الأميركيين وغير مباشرة لبعض قواعده ومناصريه وحلفائه السياسيين، لعدم التشكيك بصدق جبران باسيل ووفائه، خصوصاً بعد اتهام السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا له بأنه هو من عرض استعداده فك الارتباط مع "حزب الله" والانفصال عنه.
وكشف نصر الله، عن اتصال هاتفي داخلي جمعه بباسيل، أبلغه فيه الأخير، أن الأميركيين طلبوا منه فك التحالف مع "حزب الله" وإنهاء العلاقة الثنائية بشكل كاملٍ، ووضعوا أمامه مهلة محدّدة مدّدت لفترة، في معرض تهديده بالعقوبات.
وكان تأكيدٌ من باسيل على حدّ قول نصر الله، أنّه لن يخضع للتهديد الأميركي، ولن يسير بما طلبوه منه، لأن ذلك يمسّ بقراره الحر، والمستقلّ ومصلحة لبنان، فوضعته أميركا على لائحة العقوبات في إطار العنوان الأكبر "الفساد لا الإرهاب" في خطوة أرادت منها زيادة الإساءة الشخصية لباسيل، وفق نصر الله.
وأشار أمين عام "حزب الله"، الذي تحدث عن ضغوط تعرّض لها أيضاً الرئيس اللبناني ميشال عون، إلى أن موقف باسيل شجاع ووطني، ويبنى عليه بالسلوكيات الأدبية والسياسية.
وأضاف أنه عبّر من خلاله عن صدقه والتزامه بالعلاقة، مؤكداً أنّ ردّه على قرار باسيل خلال الاتصال، ارتكز على أنّ رئيس "التيار" حرّ في قراره، و"الأهم ألا يتعرّض للأذى واتخاذ الخطوة التي يراها مناسبة، بغض النظر عن العلاقة القديمة والراسخة والصداقة والمودّة بيننا، وهذا الجواب أقوله لكل الحلفاء، بأننا نتفهّم الضغوط التي يتعرّضون لها وموقفهم إزاءها".
وتوقف نصر الله عند تأكيده بأنه "ليس المطلوب من التيار أن يكون نسخة عن حزب الله أو العكس، فهناك حتماً مساحة اتفاق كبيرة ونقاط اختلاف، ونحن حتماً معنيون بمراجعة التفاهم بين الحزبين الذي مرّ عليه 14 سنة وهذا أمرٌ طبيعي، فهناك قضايا كثيرة نشأت في هذه الفترة، لذلك سنضع الملاحظات ولا سيما على صعيد ملفات الفساد، (التي يعتبرها باسيل من نقاط الخلاف بين التيار وحزب الله)، لتطوير العلاقات بما فيه مصلحة البلد".
في المقابل، سأل نصر الله، "بأي حق قانوني وأخلاقي تصنّف أميركا العالم وتضع عليهم العقوبات، هي التي تعتبر رأس الفساد على الكرة الأرضية، ومن الواضح أن العقوبات هي للضغط سياسياً، وفرض الشروط، فماذا لو رضخ باسيل وفكّ التحالف، فيصبح عندها غير فاسد؟"، مشيراً إلى أنّه علينا أن ننتظر هذين الشهرين إذ يبدو أن العقوبات ستكون كثيرة. وأكد في السياق، أنّ "العقوبات على حزب الله لن توصل الى مكان وإن ألحقت بعض الأذى بالحزب وبيئته، لكن سنصمد ونكمل الطريق".
ورأى نصر الله الذي لم يخفِ سعادته بسقوط الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، "المذل" على حدّ تعبيره، أن "مشكلة الأميركيين هي مع المقاومة بكل فصائلها وخصوصاً حزب الله باعتباره الفصيل الأساسي والأكبر، والعدو الإسرائيلي يشعر بقلق في ظلّ وجوده وأن هناك من يدافع عن لبنان ويحمي الأراضي اللبنانية من خلال معادلة الجيش والشعب والمقاومة".
وأشار إلى أنّ أميركا قامت بمحاولات عدّة قبل عام 2005 وبعده للتخلّص من حزب الله حتى عن طريق سورية، كاشفاً، أن الأميركيين عرضوا على رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لبنان بأكمله مقابل نزع سلاح "حزب الله" والمخيمات الفلسطينية. ومضى قائلاً "أما بعد عام 2005، فكان هدف أميركا خلق فتنة مذهبية وحرب أهلية وتم إفشال المخطط، كما باقي المخططات من اغتيالات طاولت قياديين في الحزب الى مؤامرات وبأدوات داخلية، فالربيع العربي، واحتجاز رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري في المملكة العربية السعودية، وغيرها وصولاً إلى محاولات تأليب البيئة الشيعية على الحزب بشكل خاص، واللبنانيين عامةً".
وعلى صعيد ملف ترسيم الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي الذي شهد اليوم جولة رابعة بين الوفدين، قررا خلالها استكمال المحادثات في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، أكد نصر الله عدم تدخل "حزب الله" سواء بترسيم الحدود البحرية أو البرية، وإصراره فقط على أن تكون المفاوضات غير مباشرة وتقنية بحتة.
وقال إن "الأمر من مسؤولية الدولة ومؤسساتها، وهي صاحبة القرار، وقد فاوض فيه الرئيس نبيه بري لسنوات قبل أن يعلن اتفاق الإطار، ويسلّم الملف الى الرئيس ميشال عون والجيش اللبناني"، مشدداً على الثقة التامة والكاملة بإدارة عون للملف.
وتابع قائلاً: "نعرف مدى صلابته، وحرصه على تحقيق المصلحة الوطنية وتحصيل حقوق لبنان"، واضعاً، بيان "حزب الله" و"حركة أمل" (بزعامة بري)، الذي طاول الوفد اللبناني المفاوض، في إطار تسجيل موقف في مسألة حساسة لا التشكيك بالأعضاء والرئيس عون، ومن باب الحذر والاحتياط، بوجه العدو الإسرائيلي.
كذلك، وضع نصر الله كل الكلام عن أجواء تطبيع مع العدو، ومفاوضات سياسية من تحت الطاولة، واتفاقيات سلام، في دائرة "الكلام الفارغ، غير الوارد عند الحزب ولا حركة أمل". علماً أنّ هذه القضية أيضاً هي محط اختلاف مع "التيار الوطني الحرّ" الذي يحمل موقفاً مغايراً من اتفاقيات السلام مع تل أبيب ولا سيما في حال لم يعد هناك أي أراضٍ محتلة أو نزاع.
حكومياً، اكتفى نصر الله، بالتنويه بالمباحثات التي يجريها عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، بينما اعتبر قرار الإقفال العام للحد من انتشار كورونا من القرارات التي هناك خلافات في الرأي حولها في كل العالم، داعياً المواطنين إلى الالتزام بالإجراءات والتدابير الوقائية.
وعن المناورة الإسرائيلية الأخيرة التي حاكت سيناريو حرب محتملة في أكثر من جبهة ضد "حزب الله"، اعتبر نصر الله أنه "عندما ينفذ الإسرائيلي مناورة طابعها دفاعي فهذا دليل أن المقاومة في لبنان للمرة الأولى تنقله من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع". وأضاف قائلاً "ما يؤكد أيضاً أن القوات البرية الإسرائيلية تعاني من أزمة عميقة وحقيقية، وأزمة جهوزية وأزمة ضباط ومقاتلين على المستوى النفسي والروحي"، ملوحاً، بالرد الجاهز السريع إذا فكر الإسرائيلي بأي حماقة أو عدوان.