بعد نحو أسبوع على زيارة قائد "فيلق القدس" الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد، ولقائه رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، وعدداً من القيادات السياسية والفصائل المسلحة العراقية، تحركت الحكومة العراقية، وبدعم من قوى "الإطار التنسيقي"، لتجنّب سيناريو اجتياح برّي إيراني للأراضي العراقية الحدودية في إقليم كردستان قد تصل إلى عمق 60 كيلومتراً في حال حدوثه.
وتتحجج طهران بملاحقة الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة، والتي تتواجد داخل إقليم كردستان منذ نحو 30 عاماً، وتتهمها بالمسؤولية عن إذكاء الاحتجاجات الحالية في مدن غربي إيران والقيام بأعمال عنف ضد قوات الأمن.
شروط تعجيزية لإيران
قاآني، الذي زار بغداد منتصف الشهر الحالي، ولمدة أربعة أيام، سلّم العراقيين قائمة شروط اعتُبرت تعجيزية وبمثابة محاولة إيرانية لرفع الحرج عنها للقيام بعملية عسكرية برّية تستهدف الجماعات الإيرانية المعارضة الموجودة داخل العراق.
وجاءت زيارة قاآني إلى بغداد، بعد يوم واحد من قصف صاروخي عنيف نفّذه الحرس الثوري الإيراني على ثلاث مناطق في إقليم كردستان، أبرزها كويسنجق شمالي أربيل، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، بينهم عراقيون وأكراد إيرانيون.
تتهم طهران الجماعات الإيرانية المعارضة في إقليم كردستان بإذكاء الاحتجاجات
ومن بين المطالب التي قدّمها قاآني، تفكيك تجمعات المعارضة الكردية الإيرانية، وسحب سلاحها ونقلها بعيداً عن الحدود، وأن يتولى الجيش العراقي مسؤولية الحدود مع إيران، وليس البشمركة الكردية فقط.
وعقد السوداني خلال الأيام الماضية، اجتماعات عدة، كان أبرزها مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني في بغداد، تلاه اجتماع لمجلس الأمن الوطني الذي يضم في عضويته وزيري الدفاع والداخلية وأجهزة المخابرات والأمن الوطني، إلى جانب رئاسة أركان الجيش العراقي.
لكن بدا لافتاً مشاركة رئيس أركان قوات البشمركة، الفريق عيسى عزيز، في الاجتماع الذي انتهى ببيان ختامي أُعلن فيه البدء بوضع خطة لنشر وحدات عراقية عسكرية إلى جانب قوات البشمركة على الحدود الدولية العراقية مع إيران، من دون أن يوضح أي تفاصيل أخرى لهذا الإعلان. ولم يُقابَل إعلان بغداد هذا لغاية الآن بأي رد فعل إيراني يوحي بقبوله، ويواصل القادة الإيرانيون تهديداتهم بالمزيد من العمليات داخل العراق.
وقال مسؤول عراقي في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الإيرانيين "قدّموا أدلة للعراق تؤكد استخدام الأراضي العراقية ضد إيران، من بينها نقل الجماعات الكردية سلاحاً إلى داخل الأراضي الإيرانية عبر التهريب". وأضاف المصدر أن قاآني كان واضحاً في ما يتعلق بعملية عسكرية برّية داخل الأراضي العراقية، لوقف أنشطة الجماعات الكردية التي تتهمها طهران بالوقوف وراء أعمال العنف وتنسيق الاحتجاجات الأخيرة في مدن كردية مختلفة في الداخل الإيراني.
وكشف المسؤول ذاته عن "التوصل إلى خطة نشر وحدات عسكرية من الجيش إلى جانب وحدات من قوات حرس الحدود على طول حدود يصل إلى نحو 200 كيلومتر. وتتضمن الخطة، بحسب المصدر، وجود ثكنات بالتشارك مع قوات البشمركة، بهدف منع أي تصعيد إيراني داخل الأراضي العراقية"، مضيفاً أن "بعثة الأمم المتحدة تدعم هذه الإجراءات لسحب الحجة الإيرانية في العمل العسكري المحتمل".
واعتبر المسؤول العراقي أن تلك القوات ستتولى منع أنشطة الجماعات الكردية تجاه إيران، لكن هذا الإجراء حتى الآن لا يبدو أنه قد أرضى الإيرانيين، متحدثاً عن أن أي عملية إيرانية عسكرية داخل العراق قد تعني أزمة كبيرة، كون مناطق نشاط الجماعات الكردية المعارضة كثيفة السكّان، ووقوع ضحايا من المدنيين أمر وشيك في حال بدء العملية.
من جهته، قال المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة اللواء تحسين الخفاجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة تعمل حالياً وبشكل جاد على إرسال قوات عسكرية إضافية إلى الحدود مع إيران لضبطها، وهناك تواصل وتنسيق مستمر مع الإقليم لنشر قوات مشتركة على الحدود".
وأضاف الخفاجي أن "العراق قادر على إمساك ملف حدوده بشكل كامل ومنع أي تهديد من أراضيه إلى كافة دول المنطقة، وهذه سياسة عراقية ثابتة، ولم ولن نقبل بأن تكون الأراضي منطلقاً لأي اعتداء على أي دولة كانت".
اختبار أول لحكومة السوداني
من جهته، قال مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، مهدي تقي آمرلي، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة السوداني جادة في تحركها على ملف الحدود مع إيران لمنع استغلال أي فراغ هناك من قبل أي جهات تريد استخدام الأراضي العراقية للاعتداء على إيران أو أي دولة جارة".
وتحدث تقي آمرلي عن "تنسيق مع حكومة إقليم كردستان لإعادة نشر قوات من الجيش وقوات الحدود على الشريط الحدودي مع إيران وكذلك مع تركيا، خلال الفترة المقبلة". ولفت إلى أن "هذا الأمر تمّ الاتفاق عليه وجاء من أجل حفظ سيادة العراق ومنع أي اعتداء عليه من أي طرف، وحتى لا تكون هناك أي حجّة لقصف الأراضي العراقية".
وأضاف مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي أن "إيران أوصلت رسائل امتعاض لاستخدام الأراضي العراقية لزعزعة الأمن والاستقرار فيها، والعراق أكد رفضه وعمله على منع استخدام الأراضي العراقية لاستهداف أمن واستقرار أي دولة جارة أو أي دولة في العالم، ولهذا ستكون له خطوات عسكرية وأمنية بهذا الصدد خلال المرحلة المقبلة وهذا الأمر مدعوم من قبل الجميع لما له من حفظ لسيادة العراق".
عملية إيرانية عسكرية داخل العراق قد تعني أزمة كبيرة، كون مناطق نشاط الجماعات الكردية المعارضة كثيفة السكّان
وفي السياق، اعتبر عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، مثنى أمين، أن أزمة القصف المتكرر على بلدات ومدن حدودية عراقية ضمن إقليم كردستان شمالي البلاد، "لن تنتهي إلا في حال امتلاك البلد سيادته". وأضاف أمين في تصريحات صحافية في بغداد، مساء أول من أمس الجمعة، أن "العراق حالياً بلد لا يمتلك السيادة، ويتبع أجندات إقليمية ودولية، تتوزع ولاءات السياسيين عليها، ما انعكس على كافة المجالات، ومنها السيادة".
من جهته، اتهم القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، بنكين ريكاني، "الإطار التنسيقي"، بأنه "لا يستطيع حتى أن يستنكر القصف الإيراني". وقال ريكاني في تصريح تلفزيوني، إنه "ضمن الاتفاق السياسي الذي شُكّلت الحكومة بموجبه، تمّ تجريم أي عمليات عسكرية ضد الإقليم، وأن تكون هناك ملاحقة قانونية للفاعلين وتقديمهم إلى العدالة".
أما في ما يتعلق بإيران، فاعتبر ريكاني أنه "موضوع آخر" بحسب تعبيره، إذ إن "الإطار التنسيقي لا يمكن له أن يعترض، حتى إنه لا يستطيع أن يستنكر القصف". وأضاف: "نحن نعرف حجم قدرات الإطار، ولا يمكن أن نُحملهم أكثر من طاقتهم".
وحول مسألة نشر القوات العراقية على الحدود، قال المحلل السياسي والعسكري أحمد الشريفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن بغداد "تمتلك القدرة على نشر وحدات عسكرية، لكن هذا الأمر يحتاج إلى اتفاق سياسي قبل أي اتفاق عسكري".
واستبعد الشريفي أن "يقبل إقليم كردستان بدخول قوات عسكرية اتحادية إلى أراضيه، فهو يعتقد أن هذه الخطوة خطر عليه، خصوصاً عند اندلاع أي أزمة سياسية بين بغداد وأربيل، ولهذا فإن الموافقة الكردية ربما تأتي من أجل تخفيف الضغط الإيراني على المسؤولين في الإقليم، خصوصاً أن المعلومات تؤكد أن هناك رسائل شديدة اللهجة وصلت إليهم خلال زيارة قاآني الأخيرة إلى العراق".
وتوقع المحلّل السياسي أن "تعمل حكومة السوداني كل ما يمكنه فعله من أجل منع أي عمليات برّية إيرانية داخل الأراضي العراقية"، لافتاً إلى أن "هذا الأمر يعتبر اختباراً أولّياً لها من قبل طهران وكذلك من قبل الأطراف العراقية الموالية أو المعارضة لطهران".
وكانت وزارة الخارجية العراقية، قد ندّدت بالهجمات الإيرانية والتركية المتكررة على إقليم كردستان، مشدّدة على أنها تخالف المواثيق والقوانين الدولية، وتمثل خرقاً لسيادة البلاد.
وتستهدف الهجمات الإيرانية المتكررة بلدات ومناطق حدودية عراقية في الإقليم، تقول طهران إنها تؤوي مجموعات كردية تصنفها "إرهابية". ومن أبرز تلك الجماعات: الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني "حدكا"، وهو أقدمها وتأسس عام 1945 في إيران، وحزب "كوملة" الكردي اليساري المعارض لطهران (تأسس عام 1967)، وحزب "الحياة الحرة" (بيجاك)، إضافة إلى منظمة "خبات" القومية الكردية، وتعني باللغة العربية "الكفاح المسلح"، ناهيك عن جماعات أخرى.
وتنشط هذه القوى والأحزاب في مناطق وبلدات الشريط العراقي الإيراني الحدودي، وهي مناطق ذات تضاريس صعبة وباردة للغاية في أغلب أوقات السنة، وكانت مسرحاً لتبادل السيطرة بين الجيشين العراقي والإيراني خلال حربهما بين عامي 1980 و1988. وتعتبر مناطق جبال وقرى جومان، وسيدكان، وسوران، وسيد صادق، وخليفان، وبالكايتي وقنديل وكويسنجق وحلبجة ورانيا العراقية، ضمن إقليم كردستان، شمالي أربيل وشرقي السليمانية، وعلى شريط حدودي متباين العمق يبلغ إجمالي طوله أكثر من 110 كيلومترات بين البلدين.