نسف الحوثيين منازل الخصوم... جريمة من عمر الانقلاب

29 يوليو 2021
إب من بين المحافظات التي شهدت تفجيراً للمنازل (عادل الشاري/ الأناضول)
+ الخط -

لا تكتفي جماعة الحوثيين، باعتقال أو تشريد خصومها من المناطق اليمنية التي تجتاحها، لكنها تلجأ أيضاً إلى نسف منازلهم، في استراتيجية تهدف إلى عقاب الأصوات التي شكلت عقبة أمام مشروعها التوسعي في تلك المناطق، وترويع أي مناهضين لها في مناطق أخرى لم تصل إليها بعد.
وعمدت المليشيات الحوثية أخيراً إلى الانتقام من أهالي مديرية الزاهر في محافظة البيضاء، وسط اليمن، عبر تفجير منازلهم رداً على مساندتهم للقوات الحكومية في عملية استرداد المديرية، مطلع يوليو/ تموز الحالي، ما يعيد التذكير بممارسات الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً ما يتعلق بسياسته لنسف منازل الفلسطينيين كـ"عقاب" لهم.

وتمتلك جماعة الحوثيين سجلاً حافلاً في نسف منازل خصومها منذ بزوغ الانقلاب مطلع العام 2014. وخلافاً لهدمها أكثر من 900 منزل في جميع المدن التي اجتاحتها، كان منزل حسين صالح البرماني الحميقاني، وهو من أبناء مديرية الزاهر في البيضاء، آخر مبنى تمتد إليه يد الهدم الحوثي، الأحد الماضي.

وصف الإرياني عملية التفجير الحوثية الأخيرة بأنها على طريقة التنظيمات الإرهابية

ومنذ تفجير منزل زعيم قبائل حاشد، الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، في منطقة الخمري بمحافظة عمران مطلع فبراير/شباط 2014، دأبت جماعة الحوثيين على انتقاء منازل الشخصيات القبلية النافذة التي تتصدر المشهد المقاوم لها، لتقوم بتفجيرها. 

ويحرص الحوثيون على توثيق مشاهد التفجير للمنازل التي عادة ما تكون مبنية على تلال مرتفعة، حيث يقومون بوضع العبوات الناسفة في جميع زوايا المبنى ثم تفجيره عن بُعد، مع ترديد الصرخة الإيرانية التي تنادي بـ"الموت لأميركا وإسرائيل" والتي عادة ما يتم تأديتها عند ما ينظر إليه على أنه تحقيق مكاسب.

وخلافاً للزعماء القبليين الذين ناهضوا الانقلاب الحوثي بالوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية، قامت جماعة الحوثيين أيضاً بمعاقبة مشايخ حاشد الذين انحازوا إلى صف الرئيس السابق الراحل علي عبد الله صالح في ما أطلق عليه "انتفاضة صنعاء" مطلع ديسمبر/كانون الأول 2017، إذ قامت بنسف منزل الشيخ مبخوت المشرقي في مديرية خمر بمحافظة عمران.

وقوبلت عملية تفجير منزل حسين الحميقاني الأخيرة، بتنديد حقوقي وشعبي وحكومي واسع، إذ دانت منظمة "رايتس رادار" لحقوق الإنسان في العالم العربي، ما قام به الحوثيون، ودعت الجماعة لإيقاف حملة الملاحقة والتنكيل بحق معارضيها.

من جانبه، اعتبر وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، معمر الإرياني، عملية التفجير الحوثية بأنها "على طريقة التنظيمات الإرهابية؛ داعش والقاعدة، في إرهاب المواطنين والانتقام الممنهج من كل من يخالفها الرأي". وطالب في تغريدات عبر "تويتر"، الأحد الماضي، المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بـ"إدانة جرائم وانتهاكات مليشيا الحوثي وفي مقدمتها تفجير منازل المواطنين باعتبار ذلك انتهاكا صارخا للقوانين والمواثيق الدولية، وإدراج مليشيا الحوثي وقيادتها ضمن قوائم الإرهاب، وضمان عدم إفلاتها من العقاب".

توثيق تفجير الحوثيين لأكثر من 922 منزلاً ومنشأة عامة منذ عام 2014

حطام في كل المدن

وثق التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (تحالف رصد)، تفجير الحوثيين لأكثر من 922 منزلاً ومنشأة عامة منذ عام 2014، في عدد من المحافظات اليمنية، وعلى رأسها محافظة تعز، ثم البيضاء وإب، وطالب بوقف عمليات التفجير وتعويض كافة الضحايا ممن طاولتهم يد الانتقام. 

وقال عضو "تحالف رصد"، رياض الدبعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "أسوأ ما تم رصده كان التنكيل الحوثي في مديرية عُتمة بمحافظة ذمار، حيث فجرت الجماعة هناك 24 منزلاً سكنياً ومعلماً أثرياً، فيما كان النموذج الثاني في قرية الدهيمية بمديرية حزم العدين بمحافظة إب، حيث تم رصده تفجير 20 منزلاً من إجمالي 46 تحتويها القرية بشكل كامل".

وفي مدينة تعز، لم يكن الانتقام هو الدافع الوحيد وراء تفجير المنازل، إذ قال سكان في منطقة الجحملية العليا، لـ"العربي الجديد"، إن بعض المنازل تم نسفها بسبب مخاوف من مواقعها الاستراتيجية، وخشية من أن تقوم المقاومة الشعبية باستغلالها والتمركز فيها. وأشاروا إلى أنّ بعض عمليات الهدم طاولت منازل أفراد عاديين في المقاومة الشعبية، وبعضها الآخر كان الهدف منه إذلال سكان تعز بشكل عام، وخصوصاً بعد التحاق أغلب أبنائها في صفوف الجيش الوطني لقتال الحوثيين.

بعض المنازل تم نسفها بسبب مخاوف من مواقعها الاستراتيجية

ولا تشمل الأرقام المرصودة كافة الانتهاكات الحوثية ضد الخصوم، في المحافظات اليمنية الواقعة تحت نفوذ الجماعة، حيث تبدو الصورة مغيبة بشكل تام في مناطق نائية بعيدة عن الإعلام في الشمال اليمني، وتحديداً في حجور بمحافظة حجة، وبعض مناطق منبّه في صعدة.

ولم يطبّق الحوثيون هذه السياسة على منازل القيادات الرفيعة المناهضة لهم في العاصمة صنعاء، وخصوصاً منزل الجنرال علي محسن الأحمر، نائب الرئيس اليمني، أو منزل رجل الأعمال حميد الأحمر، إذ قاموا بدلاً من ذلك بالاستيلاء عليها، وتحويلها إلى مقرات خاصة بهم، أو مساكن خاصة لقيادات عسكرية موالية للجماعة. وعبر ما يسمى بجهاز "الحارس القضائي"، أجازت الجماعة لنفسها الاستيلاء على عشرات المنازل التابعة لبرلمانيين وسياسيين موالين للحكومة الشرعية، كما صادرت مزارع لهم في محافظتي حجة والحديدة.

ولا تُعرف جذور هذه الظاهرة في اليمن، ويقول مؤرخون، إن نسف منازل الخصوم، تقليد اكتسبه الحوثيون بعدما كان متجذراً في عهد الأنظمة الملكية التي حكمت شمال اليمن قبل قيام النظام الجمهوري عام 1962. وحسب دراسات معنية بالتاريخ، يستند الحوثيون في عقابهم لخصومهم السياسيين إلى قاعدة فقهية في المذهب الزيدي، تبيح لهم نهب وتدمير ممتلكات من يخرج عن طاعتهم.

المساهمون