نزاع الصحراء على مفترق طرق: العودة إلى نقطة الصفر؟

15 نوفمبر 2020
قلق دولي وإقليمي من التصعيد بين طرفي النزاع (فادي سينا/ فرانس برس)
+ الخط -

يقف نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة "البوليساريو" على مفترق طرق حاسم في ظل تسارع تداعيات العملية العسكرية المغربية المحدودة في معبر الكركرات الحدودي الفاصل بين المغرب وموريتانيا، وذلك بالتزامن مع قلق دولي وإقليمي من التصعيد بين طرفي النزاع.

وبعد واحدة من المواجهات النادرة بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ إعلان وقف إطلاق النار في 6 سبتمبر/ أيلول 1991، يواجه مسار حل نزاع الصحراء المستمر منذ 45 سنة، أحد أكبر التحديات، بعد أن بات السلم في المنطقة على المحك جراء إعلان قيادة "البوليساريو"، أمس السبت، "نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار".

وفي خطوة تصعيدية جعلت خطر الحرب يخيم على المنطقة، أعلنت "البوليساريو"، "نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار"، واستئناف العمل القتالي ضد المغرب، ردا على العملية التي نفذها الجيش المغربي لإعادة فتح معبر الكركرات، الذي كانت تعرقل حركته عناصر محسوبة عليها.

كما أعلنت الجبهة تكليف ما تسميه "الهيئة الوطنية للأمن"، باتخاذ الإجراءات والتدابير المتعلقة بتنفيذ مقتضيات حالة الحرب في ما يخص تسيير وإدارة المؤسسات والهيئات الوطنية وضمان انتظام الخدمات”، وذلك في خطوة من شأنها تأزيم الوضع بالمنطقة.

وكان لافتا تزامن إعلان نهاية التزام "البوليساريو" باتفاق وقف إطلاق النار، الذي وقع عام 1991 وأنهى حربا امتدت لـ 16 سنة، وخلفت أعدادا غير معروفة من الضحايا في صفوف الجانبين، مع إعلان الجبهة تواصل القتال وشن عناصرها لهجمات على الجدار الأمني، غداة العملية العسكرية التي نفذها المغرب الجمعة.

في ظل هذه الأوضاع لا يبدو أن أزمة الكركرات ستنتهي هنا، بعد أن بات اتفاق وقف إطلاق النار مهددا بالنسف في أية لحظة، لاسيما أن الإعلان عن "نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار" يأتي في سياق تصريحات متواترة لقيادة "البوليساريو" طيلة الأشهر الماضية، تدفع في اتجاه العودة إلى نقطة الصفر، بتهديدها بإعادة النظر في مشاركتها في عملية السلام ككل، تارة، وبـ" العودة إلى حمل السلاح" تارة أخرى.

 ففي الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي وجه زعيم الجبهة إبراهيم غالي، رسالة نارية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، يطالب فيها بإغلاق معبر الكركرات الذي يربط المغرب بموريتانيا، مهددا بالعودة إلى حمل السلاح. قبل أن يعود، في بيان نقلته وكالة الأنباء الجزائرية في 15 يوليو/ تموز الماضي، للتأكيد على أنه "أمام الفشل المتكرر للمجتمع الدولي في منع المغرب من فرض شروط عملية السلام ودور الأمم المتحدة على الصحراء، فإن جبهة البوليساريو ليس لديها خيار آخر سوى إعادة النظر في مشاركتها في عملية السلام ككل".

كما استغلت البوليساريو الذكرى السنوية لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في الصحراء في سبتمبر /أيلول الماضي، لتهاجم مرة أخرى الأمم المتحدة، متهمة إياها بـ"انتهاك" هذا الاتفاق، بعد تخليها بشكل نهائي عن خيار الاستفتاء لصالح خيار الحل السياسي.

وفي الوقت الذي تتهم فيه "البوليساريو" المغرب بـ"نسف" قرار وقف إطلاق النار، بعد قيادة جيشه عملية عسكرية أول أمس الجمعة لإنهاء إغلاق معبر الكركرات، تشير المعطيات المتوفرة إلى حد الساعة، إلى أن الرباط غير راغبة، سواء من خلال بلاغات الجيش الرسمية، أو ما تنقله وسائل الإعلام الرسمية، في منع رفع التوتر بالمنطقة أو توسيع العملية العسكرية مع ما يعنيه ذلك من نسف لاتفاق وقف النار.

وبدا هذا الموقف أكثر وضوحا من خلال إعلان الخارجية المغربية، في بيان أصدرته مساء أول أمس الجمعة، أن المغرب "يظل متشبثاً بقوة بالحفاظ على وقف إطلاق النار، معتبرة أن العملية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية تروم، على وجه التحديد، تعزيز وقف إطلاق النار من خلال الحيلولة دون تكرار مثل هذه الأعمال الخطيرة وغير المقبولة التي تنتهك الاتفاق العسكري وتهدد الأمن والاستقرار الإقليميين".

تقارير عربية
التحديثات الحية

إثبات وجود

لكن هذا الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، لن يصمد في حال أقدمت البوليساريو على خطوات تهدد الأمن القومي للمغرب ووحدته الترابية، إذ يؤكد مدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بجامعة القاضي عياض بمراكش، إدريس لكريني، في حديث مع "العربي الجديد "، أن الرباط وإن كانت حريصة على الشرعية الدولية وعلى اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أنها لن تتساهل مع كل ما من شأنه تهديد أمنها وأمن المنطقة، وهي مستعدة لكل الخيارات.

وبينما لم يصدر، إلى حدود الساعة، أي موقف رسمي بشأن إعلان "البوليساريو" "نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار"، يضع لكريني، تلك الخطوة في سياق "ما درجت عليه الجبهة، في الآونة الأخيرة، من نهج مقاربات جديدة بعد فشل مقارباتها السابقة المتمثلة في "خيار الاستفتاء وتوسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء، مينورسو، واستغلال ثروات المنطقة".

ويضيف المصدر ذاته، أنه "في ظل هذا الفشل وحتى تعود إلى الواجهة بدأت الجبهة تتجه إلى فرض الأمر الواقع والاشتغال بمنطق إدارة الأزمات، وذلك لإثارة الانتباه وإثبات الوجود".

من جهته، يرى رئيس مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، أن" الجبهة تسعى اليوم، إلى إعادة ملف نزاع الصحراء إلى نقطة الصفر، وهي مغامرة لن تنجح فيها تماما بالنظر إلى التغيرات في الخريطة السياسية ولوضعها السياسي الضيق".

واعتبر الفاتحي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "إنهاء الجبهة الالتزام بالاتفاقات الأممية لوقف إطلاق النار لن يكون مفيدا لها. كما أن مواصلتها التمرد لن تجلب لها عوائد سياسية تعيد موقفها إلى الواجهة".

المساهمون