استمع إلى الملخص
- المغرب يجدد التحذير من مخاطر التطبيع مع إسرائيل، معتبراً الحادثة إساءة لجهوده الوطنية وتهديداً للإجماع الوطني وثقة الصحراويين الوحدويين.
- مكتب نتنياهو يصدر بياناً يعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، معتبراً الخطأ سهواً، لكن التكرار يثير تساؤلات حول نوايا إسرائيل ويعكس التوتر في العلاقات بين البلدين.
أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غضباً واسعاً في المغرب، بعد أن أقدم خلال مشاركته في برنامج حواري على إحدى القنوات الفرنسية، مساء أمس الخميس، على عرض خريطة للعالم العربي وشمال أفريقيا، تظهر المغرب من دون منطقة الصحراء. وبينما لم يصدر إلى حدّ الساعة أي موقف رسمي مغربي بخصوص ما أقدم عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال مقابلة مع قناة "إل سي آيه" الفرنسية، كان لافتاً الغضب العارم والتذمر الواسع في صفوف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وفي أوساط مناهضي التطبيع في البلاد، الذين قاموا بشجب واستنكار سلوك نتنياهو.
وليست المرة الأولى التي يقدم فيها نتنياهو على ما يعتبره المغاربة استفزازاً لهم بخصوص قضيتهم الأولى، إذ كان ظهور خريطة المغرب منقوصة من الصحراء، خلال استقباله رئيسة وزراء إيطاليا جورجا ميلوني في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قد أثار سخطاً وتذمراً كبيرين. وقال رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أحمد ويحمان، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة: "بالنسبة لنا في ائتلافي المرصد المغربي لمناهضة التطبيع ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، نعتبر أن ربط أقاليمنا المسترجعة ووحدتنا الترابية بكيان الاحتلال الصهيوني، هو أكبر ضربة لعدالتها، وأكبر إساءة لأرواح شهدائها من الضباط والجنود. كما أنه إسهام في إضاعة الجهد الشعبي الكبير لمختلف المناطق بتنميتها والنهوض بها".
وأضاف: "ما يهمنا هنا هو أن نجدد التحذير لأخطر كل هذه المخاطر، وهو فقدان ثقة الصحراويين الوحدويين، واهتزاز الإجماع الوطني للقوى الحية السياسية والاجتماعية، نتيجة تقديم التطبيع مع كيان الإجرام الصهيوني عملاً وطنياً، ويندرج في دائرة المصالح العليا للوطن. هذا هو أخطر ما في القضية كلها. ومن لا يرى هذه الحقيقة، فهو أعمى البصر والبصيرة". وتابع قائلاً: "مرة أخرى نقول للمطبعين إنكم بالعلاقات مع الكيان الإجرامي المنبوذ والمعزول في العالم والمتآمر حتى على الدولة المغربية نفسها. إنكم بذلك تقامرون بالوطن. إن الحل الوحيد مع هذا الشر المطلق هو التخلص من الورطة معه تدريجياً وبذكاء".
نتنياهو يبرّر
وفي وقت يشتد فيه الغضب الشعبي والمدني في المغرب إزاء خطوة نتنياهو، حاول مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي احتواء الموقف من خلال الإشارة، في بيان أصدره اليوم، إلى أن "إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو اعترفت رسمياً بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في العام 2023، وتمثل هذا الاعتراف، من بين أشياء أخرى، في تصحيح الخريطة التي عُلِّقَت في مكتب رئيس الوزراء".
وأضاف مكتب نتنياهو: "مع الأسف، لم يتم القيام بهذا التصحيح في خريطة قديمة قد قُدِّمَت إلى رئيس الوزراء لحظات قبل بدء مقابلته مع قناة فرنسية. سياسة إسرائيل غير قابلة للتأويل ولم تتغير - إسرائيل تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية".
وعلى الرغم من تأكيد الجانب الإسرائيلي عدم وجود تغيير في موقف تل أبيب من مغربية الصحراء، إلا أن تكرار سوابق فصل المغرب عن الصحراء في الخرائط الرسمية الإسرائيلية يثير أسئلة حول دلالات ذلك ومدى عكسه المواقف الحقيقة لتل أبيب من القضية.
وفي الإطار، رأى رئيس مركز "شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية" رشيد لزرق أن نتنياهو يحاول ابتزاز المغرب وثنيه عن لعب دوره التاريخي والريادي في القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية تتصدر الدبلوماسية المغربية، وتتبوأ نفس مرتبة قضية الوحدة الترابية، مشيراً إلى أن "الرباط لعبت دوراً كبيراً في إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، في مختلف المؤسسات الدولية. وكانت مواقفها واضحة ضد الهجمة الوحشية ضد أهلنا في غزة من تقتيل و تهجير".
واعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تصرف نتنياهو من موقعه رئيسَ حكومة هو محاولة فجة لمقايضة فلسطين بقضية الوحدة الترابية للمغرب، ولكبحه عن مساندة الفلسطينيين، وتحجيم دوره الريادي في الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي، التي عبّر فيها عن مواقف واضحة في إدانة الحكومة الإسرائيلية التي ترتكب حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني".
من جهته، اعتبر الباحث في تاريخ العلاقات الدولية بوبكر أونغير أن إظهار نتنياهو خريطة المغرب المبتورة "خطأ سياسي جسيم، وسلوك استفزازي غير مدروس، ينم عن عدم تقدير الجانب الإسرائيلي التضحيات الكبيرة والجهود المضنية التي بذلها المغاربة من أجل حماية وصيانة الوحدة الترابية، التي تُعتبر في المغرب قضية مقدسة عليها إجماع جميع المغاربة باختلاف أطيافهم وألوانهم السياسية والفكرية والعقدية".
ورأى، في حديث مع "العربي الجديد "، أن ما قام به نتنياهو هو استمرار لمنطق التخبط والانعزالية التي يعيشها، في ظل استمرار عزلته الدولية بسبب استمرار جرائم الإبادة الجماعية التي تنهجها الحكومة الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين، خصوصاً من الأطفال والنساء، وبعد قرار محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية في حقه، مؤكداً أن حكومة إسرائيل مطالبة بتوضيح موقفها وعدم المسّ بالمصالح الاستراتيجية المغربية، لأن ذلك خط أحمر لا يمكن للمغرب أن يتنازل عنه.
ولفت إلى أن تطبيع المغرب مع إسرائيل كان من أجل المصالح الاستراتيجية الحيوية المغربية، ويتجاوز شخص نتنياهو وحكومته، مضيفاً: "لذلك، المغرب سيبقى دائماً مدافعاً عن السلام والأمن والاستقرار، ويترافع من أجل حل الدولتين. وسيقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية، ولن يرهب المغرب لا تخاذل نتنياهو وحكومته، ولا مناورات الأعداء من هنا وهناك".
وكان نتنياهو قد وجه، في 17 يوليو/ تموز الماضي، رسالة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، تضمنت إعلان تل أبيب الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء وأنها تدرس "إيجابياً فتح قنصلية لها في مدينة الداخلة" (ثاني كبريات حواضر الصحراء)، والتي عكست تحولاً في تعاطي إسرائيل مع هذا الملف، وذلك بعد التردد والغموض اللذين طبعا المواقف الإسرائيلية من القضية، وما اعتبر "ابتزازاً" من قبلها للجانب المغربي.
وعلى الرغم من عودة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والمغرب في ديسمبر/ كانون الأول 2020، إلا أن تل أبيب لم توضح بشكل صريح موقفها من الاعتراف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء إلا في 28 مارس/ آذار 2022، حين عبّر وزير خارجيتها السابق يئير لبيد، خلال "قمة النقب" الأولى، عن دعم بلاده مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، مؤكداً أن الرباط وتل أبيب ستعملان معاً لمواجهة "محاولات إضعاف سيادة المغرب ووحدة أراضيه".
ومنذ بدء معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدا لافتاً تراجع وتيرة التطبيع بين الرباط وتل أبيب، وازدياد حجم الانتقادات المغربية للعدوان الإسرائيلي على غزة، خاصة ما جاء على لسان العاهل المغربي محمد السادس خلال أشغال القمة الإسلامية الـ15 لمنظمة التعاون الإسلامي في العاصمة الغامبية بنجول بداية الشهر الحالي، حينما وصف حرب إسرائيل على القطاع بأنها "عدوان غاشم جعل الشعب الفلسطيني الأبي يعيش أوضاعا بالغة الخطورة"، وأنه "يشكل وصمة عار على جبين الإنسانية".
ويشارك المغاربة، منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بفعاليات تضامنية مع غزة بشكل شبه يومي، كان من أبرزها المسيرة المليونية التي نظمت في الـ15 من الشهر نفسه في العاصمة الرباط.