ميلوني في الصين... بكين تبحث عن إعادة التوازن مع القارة الأوروبية

27 يوليو 2024
ميلوني في مجلس الاتحاد الأوروبي ببروكسل، 17 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تزور الصين لمناقشة العلاقات الثنائية والقضايا المشتركة مع الرئيس شي جين بينغ وكبار المسؤولين، بعد انسحاب إيطاليا من مبادرة الحزام والطريق.
- وسائل الإعلام الصينية ترى الزيارة كجهد لتحقيق توازن في سياسات إيطاليا الخارجية بين الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع الحاجة لمزيد من التعاون والدعم من الصين.
- الزيارة تأتي في سياق تكثيف التفاعل بين الصين والدول الأوروبية، وتحمل اعتذاراً ضمنياً عن انسحاب إيطاليا من مبادرة الحزام والطريق، مع توقع توقيع اتفاقيات في التكنولوجيا الخضراء والمركبات الكهربائية.

تبدأ اليوم السبت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، زيارة رسمية إلى الصين تستمر حتى نهاية الشهر الحالي، وذلك تلبية لدعوة من نظيرها الصيني لي تشيانغ. ومن المقرر أن تلتقي ميلوني في الصين بالرئيس الصيني شي جين بينغ، وكبير المشرعين جاو لي جي، وعدد من المسؤولين الصينيين لتبادل وجهات النظر حول العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

تأتي الزيارة بعد أشهر من انسحاب إيطاليا، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بصورة رسمية من مبادرة الحزام والطريق (ربط الصين بالعالم عبر مشاريع بنية تحتية) والتي أطلقها شي عام 2013. كما أنها أول زيارة لميلوني إلى بكين بعد توليها منصبها قبل نحو عامين. وكانت ميلوني أعلنت قبل وصولها إلى السلطة أن القرار الذي اتخذته الحكومة الايطالية السابقة بالانضمام للمشروع الصيني في العام 2019 كان خطأ فادحاً. وبعد تولي منصبها أبلغت ميلوني نظيرها الصيني لي تشيانغ على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الهند في سبتمبر/أيلول العام الماضي، أن بلادها تعتزم الانسحاب من المبادرة، مع الاحتفاظ بعلاقات ودية مع بكين.

ميلوني في الصين قدوة لأوروبا

وعلّقت وسائل إعلام صينية، أمس الجمعة، على الزيارة، أن إيطاليا بدأت بالعودة إلى العقلانية، وتحاول البحث عن التوازن في سياساتها الخارجية بين الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وذكرت أنه بعد أن تم تعزيز موقف ميلوني بشكل أكبر، فهي بحاجة أيضاً إلى المزيد من التعاون والدعم من الصين، خصوصاً أن زيارتها السابقة للولايات المتحدة لم تجلب لها أي فوائد حقيقية. ولفتت إلى أنه من خلال هذه الزيارة، ووجود ميلوني في الصين على مدى الأيام المقبلة، يمكن لإيطاليا أيضاً أن تكون قدوة في القارة العجوز، وتُظهر لمزيد من الدول الأوروبية أن فوائد تعزيز الصداقة وتعزيز التعاون مع الصين تفوق بكثير تداعيات الانفصال عنها.

وشهدت الأشهر الأخيرة من العام الحالي، كثافة في الزيارات والفعاليات المتبادلة بين الصين والدول الأوروبية، سواء بصورة منفردة أو في إطار الاتحاد الأوروبي، لعل آخرها انعقاد جولة خامسة من الحوار رفيع المستوى بين الصين والاتحاد ببروكسل في يونيو/حزيران الماضي. وفي الشهر نفسه أيضاً استضافت الصين فعاليات حوار حقوق الإنسان بين الصين والاتحاد الأوروبي في مدينة تشونغتشينغ، جنوب غربي البلاد.

وخلال نالفترة نفسها زار الرئيس البولندي أندريه دودا الصين وأجرى نقاشات معمقة مع شي جين بينغ، فيما قالت وسائل إعلام صينية رسمية حينها إن "موسم الدبلوماسية الصيفية المزدحم بين الصين ودول أوروبية يعكس موقف بكين من الانفتاح على العالم الخارجي". ولفتت إلى أن بعض الدول الأوروبية تواصل اختيار تعزيز العلاقات مع الصين بالرغم من الخلافات القائمة، ما يدل على التزام هذه الدول بالاستقلال ومقاومة الهيمنة الأميركية التي تسعى إلى تضخيم التهديدات الصينية أمام حلفائها.

إعادة التوازن

وبشأن تفعيل خطوط الاتصال بين الصين والدول الأوروبية، قال الأستاذ في جامعة صن يات سن، ليو تشوان، لـ"العربي الجديد"، إن بكين تسعى إلى إعادة التوازن للعلاقات الثنائية مع دول القارة العجوز. وأضاف أن "هناك مصلحة مشتركة بين الطرفين للحفاظ على قنوات الاتصال بغض النظر عن الخلافات المرتبطة بموقف بكين من الأزمة الأوكرانية، واختلال الميزان التجاري، وملف حقوق الإنسان".

ليو تشوان: كل دولة أوروبية على حدة تدرك أهمية الصين رافعة اقتصادية

وأوضح أن "كل دولة أوروبية على حدة تدرك أهمية الصين بما هي رافعة اقتصادية، لكن تبرز الخلافات حين تصدر التصريحات وتُتخذ القرارات في إطار الاتحاد الأوروبي". واعتبر أن بكين "تولي أوروبا أهمية كبيرة في سياستها الخارجية بصفتها شريكاً مهماً ودعامة أساسية في تحقيق التحديث الصيني (التحديث على الطريقة الصينية في مجال التنمية)".

وفي سياق زيارة ميلوني إلى الصين، نقلت صحيفة غلوبال تايمز الصينية الحكومية، عن الباحث في معهد الدراسات الأوروبية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، جاو جون جيه، قوله إن وجود ميلوني في الصين يثبت مرة أخرى أن "انسحاب إيطاليا من مبادرة الحزام والطريق لم يكن بسبب إحجامها عن التعاون مع الصين أو بسبب معتقدات ميلوني السياسية، بل بسبب الضغوط الهائلة من الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية الكبرى في ذلك الوقت".

وأشار إلى أن "الانسحاب لا يعني الانفصال عن الصين، إذ ظل التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين وثيقاً منذ ذلك الحين"، مضيفاً أنه "على الرغم من أن الشخصيات السياسية اليمينية المتطرفة مثل ميلوني قد تلجأ إلى الخطاب المتطرف لجذب الأصوات أثناء الانتخابات، إلا أنها غالباً ما تعود إلى العقلانية وتسعى إلى تحقيق أكبر فائدة بمجرد وصولها إلى السلطة".

جيانغ قوه: الزيارة تحمل اعتذاراً ضمنياً لبكين عن اتخاذ قرار خاطئ بضغط من أميركا

وقبل لقاءات ميلوني في الصين ووصولها بكين، قال الباحث في العلاقات الدولية في مركز النجمة الحمراء في بكين، جيانغ قوه، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الزيارة "تحمل اعتذاراً ضمنياً لبكين عن اتخاذ قرار خاطئ تحت وطأة الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة" في إشارة للانسحاب من مبادرة الحزام والطريق. ولفت إلى أن إيطاليا "كانت تعاني من ركود اقتصادي كبير في السنوات الأخيرة، مع ارتفاع مستويات الدين والعجز (الاقتصاد) الوطني، وقد استغلت واشنطن ذلك للضغط عليها من أجل مقاطعة المبادرة الصينية مقابل دعم اقتصادي سخي، لكن ذلك لم يحدث، وبالتالي كانت هناك حاجة لتصحيح المسار بعد أن أدركت روما أنه لا غنى لها عن بكين". وتوقع جيانغ أن تأخذ اجتماعات ميلوني في الصين منحى اقتصادياً "يشمل التوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات مختلفة أبرزها التكنولوجيا الخضراء والمركبات الكهربائية والحافلات العامة".

ومهّدت زيارة وزير التنمية الاقتصادية الإيطالية أدولفو أورسو، لبكين الشهر الحالي، الطريق للقاءات ميلوني في الصين. وخلال الزيارة، قال أورسو إن الصين سوق لا غنى عنه للشركات الإيطالية وشريك رئيسي، مضيفاً أن زيارته توضح تركيز الحكومة الإيطالية على استئناف العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية، وأن إيطاليا لديها اهتمام قوي بالاستثمار في الصين، خصوصاً في قطاع الطاقة المتجددة.

المساهمون