يطرح تشكيل الحكومة الجديدة الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل بقيادة الثلاثي؛ نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، تحديات هائلة على الطبقة السياسية الفلسطينية، لأسباب ومعطيات عدة تتعلق بكيفية مواجهتها في ملفات وجبهات داخلية وخارجية، ضمن المعركة السياسية الدبلوماسية الخارجية، أمام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي عامةً.
منهجياً، يتطلب الأمر إصلاحات فلسطينية ضرورية وملحة؛ مؤسساتية وتنظيمية وسياسية، من أجل مواجهة ناجعة ومجدية ومثمرة، إذ لا يتعلق الأمر بإفشال أو كشف القناع عن وجه الحكومة المتطرفة فقط؛ على أهمية ذلك، إنما يتعداه إلى إدارة متبصرة وواعية ومصممة وناجعة أيضاً للصراع الاستراتيجي والماراثوني مع الدولة العبرية.
التهجير القسري والتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني سيزداد شراسة وقسوة مع الحكومة الثلاثية الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية
مؤسساتياً، نحتاج بالضرورة إلى قيادة فلسطينية جديدة؛ ديمقراطية منتخبة شابة ونزيهة ونقية من الاستبداد والفساد؛ حتى لو كانت مواقف القيادة الحالية من الحكومة الإسرائيلية مقبولة بالعموم، إلا أنها قطعاً فقدت شرعيتها وشعبيتها، قياساً إلى الفشل في بناء منظومة شفافة للحكم الرشيد، ولنتائج نهجها السابق الكارثية والمأساوية؛ منذ أوسلو، فهي لا تمتلك الشرعية والمناقبية، ولا حتى القدرة على مواجهة الحكومة المتطرّفة بنجاعة، في سياق الصراع السياسي الدبلوماسي الميداني المفتوح، هي التي يقول عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق؛ يئير لبيد، إن بنيامين نتنياهو؛ بكل خبراته وتجاربه وعلاقاته، يبدو فيها ضعيفًا أمام وزراء وشركاء؛ بن غفير وسموتريتش، أكثر شبابًا وتصميمًا وبالطبع تطرّفًا.
يقتضي ذلك إنهاء الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني، وتطبيق جوهر وروح وثيقة القاهرة الأصلية؛ مايو/ أيار 2011، هو أمر لن يحدث دون الحسم الديمقراطي وإجراء الحزمة الانتخابية الشاملة؛ الانتخابات التشريعية والرئاسية، مع التوقف عن استخدام ذريعة رفض إسرائيل إجراءها في القدس؛ مجرد وسيلة للتهرب من الاستحقاق، علمًا أن الانتخابات المحلية الأخيرة؛ لم تجر في العاصمة أيضًا، على أن يتولى نواب المجلس التشريعي؛ باعتبارهم أعضاء بالمجلس الوطني بصفته البرلمان الجامع، انتخاب ممثلي الشتات بالمجلس، في ظل صعوبة؛ استحالة، إجراء الانتخابات في الدول العربية، التي تضم غالبية الشتات، وتحكمها أنظمة استبدادية، لا تجري انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة حتى لشعوبها.
دون ذلك؛ لا يمكن؛ ولا أمل أصلاً، بناء مواجهة فلسطينية ناجعة ومجدية ومثمرة للحكومة الأكثر تطرفًا، ضمن إدارة متبصرة وواعية ومصممة وعنيدة للصراع الاستراتيجي مع الاحتلال.
سياسياً، ثمة ثلاثة أهداف واضحة وصريحة لحكومة نتنياهو الجديدة؛ مرتبطة ببعضها، تتمثل في الاستيطان والملف النووي الإيراني والتطبيع مع الدول العربية، البند الأول يتضمن تعزيز وتقوية الاستيطان على كامل أراضي إسرائيل، كما نص برنامج الحكومة السياسي؛ بما في ذلك الضفة الغربية والقدس والنقب والجليل وهضبة الجولان السورية المحتلة، حيث الاستيطان حق حصري لليهود لا جدال فيه.
مواجهة الاستيطان ستؤثر مباشرة على برنامج الحكومة المتطرّفة، لتداعياته السلبية على البندين الآخرين، لذلك؛ يفترض أن تأخذ القيادة الفلسطينية على عاتقها مواجهته بمقاومة وطنية شعبية شاملة في القدس، وتحديدًا المسجد الأقصى والحرم الشريف ومحيطه، كذلك في نقاط الاشتباك التقليدية في الضفة الغربية؛ مثل بيتا وبرقة وبلعين ونعلين والبؤرة الجديدة في جوريش.
إدارة متبصرة وواعية ومصممة وناجعة أيضاً للصراع الاستراتيجي والماراثوني مع الدولة العبرية
لا يمكن؛ لا يجوز، استبعاد غزة من معركة المواجهة، مع الانتباه إلى معطيات ووقائع مهمة ومركزية، مفادها؛ باتت التهدئة بمثابة القاعدة في العقد الأخير، هي لا تستطيع؛ حتى لو أرادت، الانخراط جديًا في مواجهة عسكرية، وفق الخطاب السائد هناك.
كما لا يمكن إدارة حرب استنزاف يومية مع الاحتلال عبر؛ الصواريخ، معركة تقليدية أو شبه تقليدية وفق الواقع الراهن والعجز عن تغييره إيجاباً بعد أربع حروب وعدة جولات قتالية قصيرة.
كما لا يمكن إدارة ملفات سياسية بامتياز؛ مثل الاستيطان والتهويد وتغيير الوقائع بالأقصى وبالقدس، والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي بوسائل عسكرية، دون مقاومة شاملة داخلية وخارجية؛ متعددة المستويات والأبعاد. مع الانتباه إلى أن قاعدة "الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى" أضحت مستحيلة في ظل الواقع الحالي بغزة، التي أصبحت بالكاد مكانًا ملائمًا للعيش وفقًا لـ الأونروا، مئات الآلاف على حافة الفقر، يعتمدون على المساعدات الخارجية، ونصف طلاب الصف الأول فيها يعانون اضطرابات نفسية، ويحتاجون إلى دعم طبي.
انخراط غزة في المعركة الوطنية الجامعة، يتطلب إنهاء الانقسام والمصالحة، وترتيب البيت الداخلي، والتوافق على استراتيجية تديرها قيادة شرعية جديرة، تنال ثقة الفلسطينيين بأماكن تواجدهم المختلفة.
أيضاً، إذا كانت الحكومة المتطرّفة تأخذ إسرائيل إلى طريق الحرب الأهلية، التي تسرع وتيرة زوالها وانهيارها، علينا حينها الاستفادة من ذلك عبر تشديد الضغط، ومنعها من استخدام الحد الأقصى من القوة ضدنا؛ دون الاستسلام أمامها، للحفاظ على حياة وأرواح الشباب الفلسطيني، كما للمنعة الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية.
خارجياً، بعد الكشف عن الوجه المتطرّف والعنصري للحكومة الإسرائيلية، ومواصلة المعركة القضائية معها؛ ضمن الحرب الاستراتيجية مع الاحتلال، نحتاج إلى العمل الحثيث على مقاطعتها ومحاصرتها عربيًا ودوليًا، ما يقتضي حكمًا التوقف عن علاقات التنسيق متعددة المستويات معها، تحديدًا في سياقها السياسي والأمني، لا المدني الإجرائي المستحيل ضمن قيود أوسلو وما تفرع عنها، من اتفاقيات وتفاهمات وعدم توفر البديل، أو حل السلطة نفسها في الضفة، وهو أمر غير مطروح جديًا على جدول الأعمال الفلسطيني، أقله حتى الآن.
لا يمكن إدارة حرب استنزاف يومية مع الاحتلال عبر؛ الصواريخ، معركة تقليدية أو شبه تقليدية
لا يستقيم الأمر في ظل علاقات فلسطينية متعددة الأشكال مع الحكومة نفسها، ولامتلاك الثقة والقدرة والمصداقية للمطالبة بوقف الدول العربية التطبيع معها، وقطع الطريق على توسيعه، ليشمل قطاعات إضافية اقتصادية واجتماعية، في ظل الرأي العام الشعبي العنيد والمساند للقضية الفلسطينية، والرافض تجاوزها أو تجاهلها، كما رأينا في المونديال الأخير بقطر، حيث حضرت فلسطين وقضيتها مع رفض التطبيع، أو التعاطي مع الدولة العبرية، بأي طريقة كانت.
في السياق التركي، تعلن الحكومة أن رفع مستوى العلاقات؛ القائمة أصلًا، مع الدولة العبرية، لن يؤثر سلباً على دعم القضية الفلسطينية متعدد المستويات، إذ لا تطبيع بالمعنى التقليدي، كما هو شائع في العالم العربي، خاصةً في موجته الجديدة، التي تقودها الإمارات، ما يعنى أن لا فرصة لتطور العلاقات على المستوى الرسمي، مع حصرها اقتصاديًا في القطاع الخاص لدى الجانبين، دون أن يعني ذلك عدم القيام بجهد سياسي وإعلامي ضمن بيئة مواتية أصلًا، مع منظمات المجتمع المدني التركي، لمواصلة الحضور ونشر الرواية الفلسطينية محلياً، مع الثقة التامة باستمرار الدعم الرسمي لجهود ومساعي الفلسطينيين، من أجل نيل حقوقهم وتحقيق آمالهم الوطنية المشروعة.
أخيراً، ثمة معطى مهم لا يحظى عادةً بالاهتمام الكافي؛ مفاده صعوبة مواجهة الحكومة الجديدة المتطرفة في إسرائيل، ونيل دعم وتأييد دولي لقضيتنا؛ رسميًا وشعبيًا، بموازاة الانخراط الفلسطيني في الحلف الروسي، أو تأييد الحرب المجنونة وغير المبررة ضد أوكرانيا. موسكو ترتكب؛ بالتأكيد، جرائم حرب موصوفة، وأخرى ضد الإنسانية هناك، بما فيها الاحتلال نفسه؛ كما ضم مناطق أوكرانية واسعة؛ خمس الأراضي تقريبًا، بموازاة تهجير قسري وتطهير عرقي؛ نفس ما تفعله إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، الذي سيزداد شراسة وقسوة مع الحكومة الثلاثية الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية.
باختصار؛ لا يمكن مطالبة العالم بمعاملة إسرائيل مثل روسيا، في وقت تبني الرواية الروسية، بل ترويجها والدفاع عنها، هذا تناقض وانفصام، لا يمكن تبريره، أو شرحه للمجتمع الدولي، والرأي العام أيضًا، المتعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.