ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها قائد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي لمحاولة اغتيال، فالرجل يعد من أبرز المطلوبين لأنقرة التي تعتبر قواته تهديدا لأمنها القومي، وتجهد للحد من خطرها من خلال "تحييد" قيادييها. ورغم نفي هذه القوات تعرض قائدها لمحاولة اغتيال، الجمعة، في إقليم كردستان العراق، إلا أن الأنباء القادمة من هناك ترجّح أن غارة بطائرة مسيرة يُعتقد أنها تركية استهدفت موكبا يقّل عبدي وبرفقته عسكريون أميركيون.
من جهتها، نقلت "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مسؤولين أميركيين قولهم إن ثلاثة عسكريين أميركيين كانوا مع قائد "قوات سورية الديمقراطية/ قسد" مظلوم عبدي، عند استهداف موكبه بصاروخ أطلقته طائرة مسيرة في مطار السليمانية شماليّ العراق.
ويعد مظلوم عبدي، المعروف لدى المحيطين به بـ" الجنرال" من أبرز المطلوبين للجانب التركي، ويُنظر إلى "قسد" على أنها الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف لدى العديد من الدول ضمن خانة التنظيمات الإرهابية.
مظلوم عبدي، اسمه الحقيقي فرهاد عبدي شاهين، ولد في منطقة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي عام 1967، ودرس الهندسة في جامعة حلب، إلا أن بعض المصادر السورية الكردية ترجّح أنه لم يكمل دراسته في الجامعة. ووفق المصادر، انتسب عبدي إلى حزب العمال في سورية، وسجن عدة مرات لدى الأجهزة الأمنية السورية على خلفية ذلك، رغم العلاقة الوطيدة التي كانت تربط هذا الحزب بالنظام السوري في التسعينيات من القرن الفائت، والتي كادت أن تتسبب باجتياح الجيش التركي للأراضي السورية في عام 1998.
وبحسب المصادر نفسها، فإن عبدي قريب من قائد حزب العمال عبد الله أوجلان، المسجون حاليا في أحد السجون التركية، بعد طرده من سورية نتيجة الضغوط العسكرية التركية. وشارك بعدة عمليات للحزب داخل تركيا قبل أن يغادر إلى أوروبا، حيث بقي حتى عام 2003، ثم عاد والتحق بالحزب في جبال قنديل الواقعة على الحدود المشتركة بين العراق وتركيا وإيران.
في الشهور الأولى من الثورة السورية التي انطلقت في عام 2011، سمح النظام السوري لحزب العمال بمعاودة النشاط في الشمال السوري في خطوة كانت تهدف لتطويق الحراك الثوري في الشارع السوري الكردي، وانحدر عدد كبير من قياديي وعناصر هذه القوات وخاصة السوريين منهم من جبال قنديل إلى شمال سورية، وكان عبدي أبرزهم.
عمل مع قياديين آخرين على تأسيس وحدات "حماية الشعب" الكردية التي سيطرت برضى النظام على المناطق ذات الغالبية الكردية من السكان في شمال سورية. وتحولت هذه الوحدات الى ذراع عسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يعتبر الفرع السوري لحزب العمال.
في أواخر عام 2015، أسس التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية قوات "قسد" من ائتلاف العديد من الفصائل الكردية والعربية والتركمانية والآشورية، وأبرزها الوحدات الكردية. تولى عبدي قيادة هذه القوات التي خاضت حربًا طويلة ومعقدة مع "داعش" انتهت مطلع عام 2019 بسيطرة قسد على جل الشمال الشرقي من سورية، فأصبحت قوة ضاربة في المشهد السوري العسكري، خاصة أنها تتلقى دعما كبيرا من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي حالت أكثر من مرة دون توغل عسكري تركي للقضاء على هذه القوات.
وضعت تركيا منذ عدة سنوات مظلوم عبدي في قائمة المطلوبين من قيادات حزب العمال الكردستاني، وحاولت أكثر من مرة "تحييده"، كما فعلت مع العديد من قياديي قوات "قسد" وحزب العمال. واستهدفت أنقرة أواخر العام الفائت (2022) مقرًا لعبدي في محافظة الحسكة، إلا أنه نجا من محاولة اغتيال أدت إلى مقتل عدد من العسكريين من "قسد". وتحدث عبدي في حينه عن أنَّ محاولات اغتياله ليست بالجديدة، مشيرًا إلى أنها مستمرة منذ عشر سنوات، وحتى قبل دخول قوات التحالف الدولي إلى المنطقة.
ويحاول مظلوم عبدي لعب دور سياسي فاعل في المشهد السوري الكردي، فدعا في عام 2020، إلى حوار بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، للتوصل إلى تشكيل مرجعية سياسية واحدة للكرد السوريين، إلا أن هذا الحوار تعثر بعد عدة جولات بسبب تمترس كل طرف خلف شروطه ومطالبه.
ويُنظر إلى عبدي على أنه "رجل أميركا" في المنطقة، لا سيما أن واشنطن لا تزال ترى في "قسد" الطرف المناسب لمحاربة تنظيم داعش في سورية، وتسيطر "قسد" على معظم الشمال الشرقي من سورية أو ما يعرف بـ"شرقي الفرات"، ومناطق في غربه، أبرزها منبج، وهو ما يجعل منها ومن عبدي رقما مهما في المعادلتين السياسية والعسكرية السورية.