- أوضح المرزوقي تأثير الأنظمة المتناقضة في إسرائيل والابتزاز الانتخابي في الولايات المتحدة على الوضع الديمقراطي العالمي، مشيرًا إلى تهديدات للديمقراطية ناتجة عن اللوبي الصهيوني والمالي والإعلامي.
- شدد على ضرورة النضال من أجل الديمقراطية، معتبرًا أن الصراع ليس جديدًا ودعا إلى بناء شبكة للديمقراطيين العرب لدعم النماذج الديمقراطية في المنطقة، مؤكدًا على الأمل في التعلم من الأخطاء لتحقيق الديمقراطية.
قال الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي إن مأساة غزة هي "بقية فاتورة فشل الربيع العربي"، واعتبر أن فشل المشروع الديمقراطي كان أحد أسباب المآسي التي توالت بفواتير باهظة، في اليمن وسورية وليبيا والسودان، وستتفاقم على أثرها أزمة الديمقراطية.
كلام المرزوقي جاء في اللقاء المفتوح الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اليوم الأحد، وقدمه المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة.
وتناول المرزوقي مواقف الديمقراطيين العرب من حرب الإبادة على قطاع غزة، مشيراً إلى وقوعهم تحت صدمة ما يجري والشعور بالحزن والغضب، بسبب "المواقف المتخاذلة للأنظمة وحتى الشعوب العربية"، إلا أن "ثمة إمكانية لقراءة ما جرى من موقع ديمقراطي".
وسعى المرزوقي، المنخرط في النضال الحقوقي منذ أزيد من أربعة عقود، إلى تقديم قراءة لما يجري الآن في غزة والإجابة عن سؤال: "ماذا تُعلمنا غزة عن الديمقراطية ذاتها والرهانات عليها؟".
وقال المرزوقي إن "ما يقف وراء الكارثة الماثلة أمامنا يعود في المستويين العالمي والعربي إلى غياب الديمقراطية أو استنزافها أو فسادها"، مضيفاً أن "ثلاث مساحات تحت مجهر الديمقراطية أنتجت ثلاث صور، وهي: في العالم العربي فشل ديمقراطي، في إسرائيل ديمقراطية مزيفة تقوم على الانتخاب التمثيلي بما يجعلها تدار بآلية تسيء للديمقراطية أكثر مما تخدمها، وفي الولايات المتحدة ديمقراطية تحت الابتزاز الانتخابي واللوبي الصهيوني والمالي والإعلامي".
وبحسب المرزوقي، تبدو إسرائيل "البلد الأغرب، ليس من الناحية الإثنية، بل من الناحية السياسية، إذ إنها محكومة بثلاثة أنظمة يُفترض ألا تجتمع مع بعضها البعض، وهي: الديمقراطية الغربية الليبرالية الكلاسيكية، ونظام الأبارتهايد، والاستعمار العنصري".
ويضيف الرئيس التونسي الأسبق أن "هذا الجمع بين الأنظمة سيؤدي إما إلى اختفاء الديمقراطية تحت النهج الاستعماري أو بالعكس، بيد أن الصراع الجاري ليس لصالح الديمقراطية الكلاسيكية"، لافتاً إلى أن "آلية الانتخابات التمثيلية تعطي الأحزاب الصغيرة قدرة على فرض سلطتها كما في نموذجي إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش".
وبالنسبة إليه، فإن الحرب على غزة أدت إلى مضاعفة الصعوبات أمام المشروع الديمقراطي عالمياً وعربياً. فـ"في العالم العربي ما زال يُنظر إلى الديمقراطية كونها تعني الغرب بالجملة، وأن كل ما يضرب الغرب يضرب صورة الديمقراطية، والحال أن الأخيرة ذات تعبيرات متعددة"، كما قال.
المرزوقي: الصراع من أجل الديمقراطية بدأ قبل الربيع العربي
وقال المرزوقي إن "ثمة يمْنَنَة تتمظهر في خيارات شعبوية وإدارة الظهر للديمقراطية، وهذه ستتفاقم في منطقتنا بظهور المقاومة المسلحة خياراً، كما في النموذج الحمساوي الذي سينتشر في العقول والقلوب"، مضيفاً أنه "على الصعيد العالمي، جعلت هذه اليمننة أكبر رابحين استراتيجيين هما الصين وروسيا أمام الغرب الذي خسر العقول والقلوب".
ويشير المتحدث ذاته إلى وجود "بصيص أمل" قال إنه عاينه من مكان إقامته في باريس، حيث العالم الغربي يشهد تظاهرات أكبر بكثير من تلك التي خرجت في العالم العربي، معتبراً أن هذه التظاهرات يقوم بها ديمقراطيون، ومنهم عدد كبير من اليهود، لافتاً إلى أن ذلك أثبت خطأ "الخطاب القومجي البغيض" القائم على أن حقوق الإنسان سلعة غربية منافقة، حيث تبين أن قيم حقوق الإنسان "التي دافعت عنها" هي القيم الحقيقية.
ووفقاً للمرزوقي، فإن الثورات المضادة "أفشلت ثوراتنا"، لكن هذه الخسارة هي خسارة معركة، مبيناً أن الصراع من أجل الديمقراطية لم يبدأ بالربيع العربي، بل سبقه بعقود طويلة في مصر وسورية والعراق وتونس، بسبب حاجة المجتمعات العربية للديمقراطية، بوصفها ضرورة بنيوية للاقتصاد والاجتماع وكرامة الشعوب.
ورأى أن الخط الأحمر الذي يفصل بين من هم ديمقراطيون ومن يعادون الديمقراطية، لا يعني حكماً أنهم علمانيون أو دينيون، فثمة من يعادي الديمقراطية وقد يكون حزباً علمانياً أو دينياً، وعليه فإن "زاوية النظر ينبغي أن تنظر إلى الطيف المتعدد، سواء للديمقراطية التي قد تكون ديمقراطية يمينية، وقد تكون اشتراكية ودينية في حالتنا نحن، إذ قد يكون الحزب دينياً مؤمناً بالمسار الديمقراطي، ودينياً يرفضه".
وتطرق المحاضر إلى ما وصفه بـ"الأمة المستباحة عربياً"، وذلك، بحسب تقديره، ناجم عن الصراع الدموي للوصول إلى السلطة، ثم الحكم الفردي، ما أدى إلى "فشل الوصول إلى نظام سياسي يكفل الانتقال السلمي للسلطة، ويكفل في الآن ذاته ألا يكون مصيرنا معلقاً بشخص واحد".
والديمقراطية، وفق المرزوقي، ليست وصفة ناجزة، بل "يمكن أخذها وتطويرها وفق ما تحتاجه الجماعة التي تتوافق على أن تكون مجموعة مواطنين لا رعايا، أما الآليات التي تتضمنها فينبغي أن تقوم على التعلم من تجاربنا".
ويرى المرزوقي أن هناك إشكالية كبرى تتعلق بوجود الدولة العربية ذاتها، وأن تدمير هذا الوجود كما وقع في بلدان عديدة "ليس حدثاً طارئاً، بل لأنها دول خلقها الاستعمار في غالبيتها واستبدادية الطابع، وليس لها مقومات النجاح الاقتصادي، وهي قضية خطيرة أبعد من كونها ديمقراطية أو استبدادية"، على حد تعبيره.
أما بروز ظاهرة القادة الشعبويين فهي، كما قال، ناجمة عن "فشل وإفشال الديمقراطية عبر تجريم متواصل للطبقة السياسية الديمقراطية من قبل إعلام الثورة المضادة، بما يفتح الباب لهؤلاء الشعبويين"، مستشهداً بما حصل في تونس، مشيراً إلى أن المنظومة القديمة استغلت كل آليات الديمقراطية، بغية ضرب التجربة الديمقراطية الوليدة، عبر التمكن من الإعلام وخلق أحزاب وصفها بـ"الشركات السياسية التي تدار بالمال الفاسد، واستطاعت لاحقاً افتكاك السلطة من الديمقراطيين"، وهذا ما اعتبره المرزوقي "أحد الأخطاء التي يقع فيها الديمقراطيون حين يفشلون في وضع قوانين صارمة فيما يتعلق بتمويل الأحزاب وتكوينها ومواجهة الفيتو الإقليمي، الأمر الذي أفضى إلى الانقلاب على التجربة".
ولفت أخيراً إلى بناء شبكة للديمقراطيين العرب، لأن وجود نموذج ديمقراطي، كما كان الحال في تونس، ينبغي ألا يكون معزولاً عن محيطه الإقليمي، مبيناً أن "فشل تجربة الديمقراطية العربية يقضي بالاعتراف بالأخطاء والتعلم منها، والمضي إلى الأمام دون الإذعان لعقدة الذنب مما وقع عام 2011 وما تلاه".