مقاطعة الانتخابات الجزائرية: الكتلة الديمقراطية لا تثق بنوايا السلطة

22 مارس 2021
خلال احتجاجات الحراك الشعبي رفضاً للانتخابات (مصعب رويبي/الأناضول)
+ الخط -

تتعزز المؤشرات السياسية الدالة على مقاطعة أربعة من الأحزاب الجزائرية الأساسية في "الكتلة الديمقراطية"، للانتخابات البرلمانية المبكرة المقرر إجراؤها في 12 يونيو/حزيران المقبل، لكن الأكثر حساسية في المشهد هو انعكاس هذه المقاطعة على سحب كامل منطقة القبائل (ذات الغالبية من السكان الأمازيغ) من الخريطة الانتخابية، ما سيكون له تداعيات سياسية كبيرة. وتضم الكتلة الديمقراطية كل من حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" وحزب "العمال اليساري"، و"الحركة الديمقراطية الاجتماعية" (الحزب الشيوعي سابقاً)، و"جبهة القوى الاشتراكية" وحزب "الاتحاد من أجل التغيير" و"الاتحاد الديمقراطي" وحزب "العمال الاشتراكي"، و"رابطة حقوق الإنسان"، وهيئات مدنية وشخصيات مستقلة.
وبعد أسبوع من إعلان حزب "العمال" اليساري مقاطعة الانتخابات البرلمانية المبكرة، قرر المجلس الوطني في حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" أن يحذو حذو "العمال"، بسبب ما اعتبره "عدم توفر الظروف السياسية والمناخ الصحي الذي يمكن أن يضمن نزاهة الانتخابات المقبلة". ووصف رئيس الحزب، محسن بلعباس، في اجتماع المجلس الوطني لـ"التجمع"، الذي عقد أول من أمس السبت، السلطة بأنها "تتأهب لمهزلة انتخابية جديدة في الثاني عشر من يونيو المقبل، وسط (أجواء) يطبعها القمع واحتجاز سجناء الرأي، وتقييد الحريات الفردية والجماعية، والتراجع الاقتصادي والاجتماعي، على الرغم من أنه سبق لها وأن تلقت صفعتين بسبب المقاطعة الواسعة والتاريخية لصناديق الاقتراع (الانتخابات الرئاسية نهاية 2019 والاستفتاء على الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي)". واعتبر بلعباس أنّ "السلطة تسعى بتنظيم الانتخابات المقبلة، إلى التهرب من أزمة الشرعية وشلل المؤسسات، وهي أمور يفترض أن تجعل من الحوار السياسي الشامل ضرورياً لبناء توافق ديمقراطي يتم تنظيمه وتأطيره بطريقة تسمح لجميع المشاركين بالمساهمة في صياغة خريطة طريق للخروج من الأزمة، يوافق عليها ويحترمها الجميع، وبشكل يبقي المؤسسة العسكرية بمنأى عن أي تأثير أو تفاوض سياسي".

بلعباس: السلطة تسعى بتنظيم الانتخابات المقبلة، إلى التهرب من أزمة الشرعية وشلل المؤسسات

من جهته، قال المتحدث باسم "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، مراد بياتور، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "كان واضحاً أنّ التوجّه العام في الحزب يذهب باتجاه مقاطعة الانتخابات، خصوصاً أنّ الحزب ملتزم بالثورة الشعبية ومطالبها المعلنة منذ 22 فبراير 2019، وكوادره تشارك كل جمعة في المسيرات الشعبية التي تجدد رفع هذه المطالب ولا سيما تلك المتعلقة بإحداث تغيير سياسي حقيقي، متوافق عليه بين كل القوى الوطنية، وعلى أساس الإرادة الشعبية". ولفت إلى أنّ الحزب "لا يمكنه هدّ كل هذه المواقف، والمشاركة في مهزلة انتخابية من الواضح تماماً أنّ السلطة استعدت للإحاطة بها وتسييرها وفقاً لأهوائها السياسية، خصوصاً مع ما نراه من دفع ورعاية للمجتمع المدني للمشاركة بها، بهدف تعويض أحزابها المنهارة".

وقبل "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، كان حزب "العمال" اليساري، أحد أبرز أحزاب "الكتلة الديمقراطية"، قد دشّن مسار المقاطعة، إذ أعلنت الأمينة العامة للحزب، لويزة حنون، في مؤتمر صحافي الإثنين الماضي، أنّ "اللجنة المركزية للحزب قررت بشبه إجماع، عدم المشاركة في هذه الانتخابات التي لن يساهم تنظيمها في تفكيك النظام البائد الذي ثار عليه الشعب في فبراير 2019، بل إنّها جزء من المسار الانتخابي الذي فرض على الشعب بعد استقالة الرئيس السابق (عبد العزيز بوتفليقة)، وستعيد إنتاج النظام السياسي نفسه". واعتبرت حنون أن انتخابات 12 يونيو، وفي الظروف التي ستجرى فيها "هي محاولة بائسة لإنقاذ النظام المتعفن غير القابل للإصلاح، وتتنافى مع تطلعات الأغلبية التي طالبت برحيله. كما أنّ هذه الانتخابات التشريعية لن تعزز الديمقراطية، وفقاً للقانون الانتخابي الخطير، بل تسمح، وعبر جهاز سياسي، بتأسيس نظام شمولي وشرعنة الفساد السياسي وتعميمه، وهي موعد للقضاء على التعددية الحزبية وتدمير التعددية السياسية، ونتائجها محسومة سلفاً".

ثلاثة عوامل تؤشر إلى أن جبهة القوى الاشتراكية متوجهة نحو إعلان مقاطعة الانتخابات

وفي الاتجاه نفسه، ذهب موقف "الحركة الديمقراطية الاجتماعية" (الحزب الشيوعي سابقا) بشأن مقاطعة انتخابات يونيو المقبل، خصوصاً أنّ الحركة المستمرة في دعم الحراك الشعبي؛ سياسياً وميدانياً، من خلال نزول كوادرها وإسنادهم أسبوعياً تظاهرات الحراك الطلابي كل يوم ثلاثاء والحراك الشعبي كل يوم جمعة، ربطت مسارها السياسي ومواقفها بالثورة الشعبية. وقال رئيس الحركة، فتحي غراس، في مداخلة سياسية له على موقع الحزب أخيراً، إنه "لا يمكن إيجاد أي تسوية سياسية مع النظام الحالي، كونه لا يزال مستمراً في ممارساته القمعية نفسها والإغلاق السياسي"، مشيراً إلى أن "الانتخابات في مثل هذه الظروف لا تتيح سوى استمرارية النظام، بدلاً من تحقيق التغيير السياسي، الذي يطالب به الجزائريون والثورة الشعبية منذ فبراير 2019".

وضمن "الكتلة الديمقراطية"، يبرز موقف "جبهة القوى الاشتراكية" التي ستقرر في الثالث من إبريل/نيسان المقبل موقفها النهائي بشأن الاستحقاق المنتظر، وذلك قبل أقل من ثلاثة أسابيع من انتهاء الآجال القانونية لإيداع قوائم الترشيحات للانتخابات النيابية. وتتحكم ثلاثة عوامل في موقف الجبهة وتؤشر إلى أنها متوجهة نحو إعلان مقاطعة الانتخابات المقبلة. العامل الأول هو الوقت، إذ إنّ تأخير موعد اتخاذ القرار مرتبط برغبة الجبهة بدارسة الموقف من جوانبه كافة. أما العامل الثاني، فمرتبط باستمرار دعم الجبهة وكوادرها لتظاهرات الحراك من جهة، ومن جهة أخرى حالة الرفض الواسعة لقواعد الجبهة ومناضليها، خصوصاً في مناطق تمركزها في منطقة القبائل، لإجراء أي استحقاق انتخابي، وهو ما يمثّل العامل الثالث. وكانت بلغت نسبة التصويت في الانتخابات الأخيرة (الاستفتاء على الدستور) في ولايات منطقة القبائل الثلاث؛ تيزي وزو وبجاية والبويرة، إضافة إلى أجزاء من ولايات سطيف وبرج بوعريريج وبومرداس شرقي الجزائر، أقل من واحد في المائة. وواضح أنّ الرفض الكبير والموقف الذي أبدته قواعد الجبهة لمجرد مقابلة قيادتها الرئيس عبد المجيد تبون في 14 فبراير/شباط الماضي، يضع قيادة الجبهة أمام خيار واحد وهو مقاطعة الانتخابات.

إجراء الانتخابات من دون مشاركة الكتلة الديمقراطية، ومنطقة القبائل، قد يؤدي إلى مخاطر سياسية جدية

في السياق، رأى المحلل السياسي، ناصر حدادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "من الصعوبة بالنسبة لجبهة القوى الاشتراكية، كما للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، القبول بالمشاركة في الانتخابات"، موضحاً أنه "لن يكون بإمكانهما إيجاد مرشحين أو القيام حتى بالحملة الانتخابية، خصوصاً في منطقة تذهب كل المؤشرات إلى أنها ستقاطع الاستحقاق الانتخابي المقبل، تماماً كما جرى في الاستفتاء على الدستور في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (في إشارة لمنطقة القبائل)". وبرأيه، فإنّ "موازين القوى في الشارع، تضع مجموع قوى الكتلة الديمقراطية خارج السباق الانتخابي، إذ قد نشهد للمرة الأولى انتخابات من دون أي مشاركة للكتلة، مقارنة بالاستحقاقات السابقة منذ رئاسيات عام 1995، والتي كان يحضر فيها طرف من الديمقراطيين ويغيب طرف آخر، بما فيها انتخابات مايو/أيار 2002، التي تلت مباشرة أحداث الربيع الأمازيغي الأسود من إبريل وحتى يونيو 2001، والتي قتل فيها 165 شاباً من منطقة القبائل. آنذاك، قاطع كل من الحزبين الرئيسيين في المنطقة، التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية تلك الانتخابات".

ومع تغيّر الظروف السياسية، وهيكلية المؤسسات المشرفة على الانتخابات، بنقل صلاحيات الإشراف من وزارة الداخلية إلى سلطة عليا مستقلة، فإنّ إجراء الانتخابات من دون مشاركة الكتلة الديمقراطية، ومنطقة القبائل التي تعدّ كتلة انتخابية هامة، بما يضعف نسبة المشاركة، قد يؤدي إلى مخاطر سياسية جدية على صورة وحدة البلد، وشرعية المؤسسة البرلمانية التي ستنبثق عن انتخابات 12 يونيو المقبل.

وسيكرّس ارتفاع نسبة المقاطعة في منطقة القبائل، خصوصيتها، ويقدم خدمة مجانية لصالح تيار تقوده حركة تتمركز في باريس تطالب بالحكم الذاتي للمنطقة، على الرغم من العبثية السياسية والرفض الواسع للطرح. كما أنّ ارتفاع نسبة المقاطعة سيطرح مشكلة تمثيل منطقة القبائل في البرلمان المقبل. ويفتح ذلك الباب واسعاً أمام سيناريو ضعيف لكنه محتمل، في أن يقدم الرئيس تبون، وفقاً لما يسمح له به الدستور، بتأجيل الانتخابات لفترة أخرى، إلى حين إقناع هذه القوى، في إطار حوار سياسي، بتوفير أقصى الضمانات لإجراء انتخابات شفافة، تجنباً لمشكلات سياسية ومناطقية تؤثر على مسعى التغيير السياسي الذي يتبناه تبون.

المساهمون