مقاربة الصين تجاه حرب أوكرانيا: محاولة للعب دور الوسيط

31 مايو 2024
خاركيف أساسية لروسيا في حرب أوكرانيا (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الصين تسعى للوساطة بين موسكو وكييف لحل النزاع في أوكرانيا، معتمدة على مقاربة تراعي مصالحها وتحافظ على موقف حيادي، رغم رفضها المشاركة في مؤتمر السلام بسويسرا لعدم استيفاء شروطها.
- بكين تواصل دفع محادثات السلام بطريقتها، مؤكدة على احترام سيادة الدول ومراعاة المخاوف الأمنية لروسيا، وتستمر في دعم موسكو بتصدير البضائع ذات الاستخدام المزدوج.
- تقترح الصين مبادرة لمؤتمر سلام دولي لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مشددة على وقف التصعيد وبناء إجماع دولي لاستعادة السلام، مع التأكيد على ضرورة مشاركة فعالة من جميع الأطراف الرئيسية.

أظهرت الصين عزمها على المضي بتسويق مبادرتها للسلام بشأن حرب أوكرانيا وتقديم نفسها لاعباً أساسياً في الوساطة بين موسكو وكييف، انطلاقاً من مقاربتها الخاصة المتصلة بالأساس بمصالحها العليا. وما عزز هذا العزم هو ما كشفته وكالة رويترز، اليوم الجمعة، عن رفض الصين المشاركة في مؤتمر السلام حول أوكرانيا المقرر عقده في لوسيرن السويسرية يومي 15 و16 يونيو/حزيران المقبل. ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة قولها إن بكين رفضت الدعوة بسبب عدم استيفاء شروط المشاركة، بما في ذلك مشاركة كل من روسيا وأوكرانيا. وقالت المصادر إن الصين أطلعت دبلوماسيين في الأسبوع الحالي على أن "الشروط التي لم يتم استيفاؤها تشمل ضرورة اعتراف كل من روسيا وأوكرانيا بالمؤتمر، وأن تكون هناك مشاركة متساوية للطرفين، وأن تكون هناك مناقشات منصفة لجميع المقترحات".

الخارجية الصينية: حضور الصين مؤتمر سويسرا سيكون أمراً صعباً

وأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، اليوم الجمعة، أن حضور الصين مؤتمر سويسرا سيكون أمراً "صعباً"، وقالت في إحاطة صحافية: "هناك تباين واضح بين الترتيبات التي تم اتخاذها للمؤتمر من ناحية ومطالب الصين وتطلعات المجتمع الدولي من ناحية أخرى، وهو ما يجعل من الصعب على الصين أن تشارك" فيه. وأضافت أن "الصين أصرت دائماً على ضرورة اعتراف كل من روسيا وأوكرانيا بالمؤتمر الدولي للسلام، والسماح بمشاركة جميع الأطراف على قدم المساواة وإجراء مناقشة عادلة لجميع خطط السلام... وإلا فإن المؤتمر لن يكون له دور كبير في إعادة السلام"، لكنها شدّدت على أنه "سنواصل الحث على إجراء محادثات للسلام بطريقتنا الخاصة، وسنبقى على اتصال مع جميع الأطراف وسنعمل معاً على إنهاء حرب أوكرانيا بتسوية سياسية". وأظهر هذا الموقف تمسك الصين بالحياد الرسمي في حرب أوكرانيا رغم أنها لم تدن الغزو الروسي الذي بدأ في 24 فبراير/شباط 2022، ما عرّضها لانتقادات غربية. ودعت بكين إلى احترام سيادة أراضي جميع البلدان بما في ذلك أوكرانيا، ولكنها حثت أيضاً على مراعاة مخاوف روسيا الأمنية. وخلال مناقشات أجراها، اليوم الجمعة، مع نظيره الأميركي لويد أوستن في سنغافورة، كرر وزير الدفاع الصيني دونغ جون أمام أوستن "موقف بكين الموضوعي والمحايد" بشأن حرب أوكرانيا وأنه "احترمنا التزامنا بعدم توفير أسلحة لأي من طرفي النزاع"، حسبما أفاد المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية وو تشيان.

وقف حرب أوكرانيا

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد ناشد نظيره الصيني شي جين بينغ، الأسبوع الماضي، الانضمام إلى مؤتمر سويسرا، معتبراً في بيان أن "المؤتمر سيظهر من في العالم يريد حقاً إنهاء الحرب". وجاءت هذه التصريحات بعد يومين من إعلان مصادر روسية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد لوقف حرب أوكرانيا من خلال وقف إطلاق النار عن طريق التفاوض والاعتراف بخطوط ساحة المعركة الحالية. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، قال زيلينسكي، في تصريحات صحافية، إن اللاعبين العالميين مثل الصين لهم تأثير على روسيا. وأضاف أن "القادة الصينيين يعتقدون أنه إذا خسرت روسيا الحرب فهذا انتصار للولايات المتحدة"، مضيفاً أنه "انتصار للغرب، لكنهم يريدون إيجاد توازن بين الاثنين، ولهذا السبب أود أن أرى الصين تشارك في مؤتمر السلام". وعدّ مراقبون عدم حضور الصين مؤتمر سويسرا "محاولة صينية لقطع الطريق أمام فرص نجاح أي مبادرة أخرى لا تكون فيها بكين لاعباً أساسياً". وجاءت هذه التطورات تزامناً مع تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس الخميس، بأن "الصين قد تنظم مؤتمر سلام يمكن أن تشارك فيه كل من روسيا وأوكرانيا". واعتبر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن "قرار الصين يظهر أن بكين تدرك أن عقد مثل هذا الحدث من دون روسيا سيكون بلا جدوى".

في السياق، دعت الصين، الأسبوع الماضي، إلى عقد مؤتمر سلام دولي للتوسط في إنهاء حرب أوكرانيا وذلك على هامش لقاء وزير الخارجية الصيني وانغ يي مع سيلسو أموريم، المستشار الخاص للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، في العاصمة بكين. وهي المرة الأولى التي قدّمت فيها الصين رسمياً مثل هذه المبادرة. كما أصدرت بياناً مشتركاً مع البرازيل حثت فيه على وقف التصعيد، مع اقتراح تدابير متعلقة بتبادل الأسرى والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من الصراع وحماية المدنيين، خصوصاً النساء والأطفال. واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين، بعد اللقاء البرازيلي ـ الصيني، أن "الأولوية الملحّة لبكين هي تهدئة الوضع وتوفير الظروف الملائمة لوقف إطلاق النار". وأضاف أن "العديد من الدول، بما في ذلك الصين والبرازيل، دعت إلى التمسك بموقف موضوعي وعادل بشأن حرب أوكرانيا وبناء إجماع دولي لإيجاد أرضية مشتركة أوسع لاستعادة السلام"، مع العلم أن بكين دعمت في العام الماضي اقتراحاً روسياً لوقف إطلاق النار، لكن كييف رفضت المقترح، الذي تمحور حول سحب الأسلحة الثقيلة من منطقتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا. كما عارضت المقترح في حينه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، التي قالت إنها "تفضّل بدلاً من ذلك خطة سلام لا تكافئ المعتدي". وفي أعقاب ذلك، انتقد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أيضاً الاقتراح المدعوم من الصين، وقال إن "واشنطن تتوقع إنشاء عملية سلام تتضمن آليات لحماية أوكرانيا من أي عدوان مستقبلي".

الصين المحايدة

ورأى الخبير في العلاقات الدولية المقيم في هونغ كونغ جو يانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الصين لا تزال تفرض نفسها لاعباً محورياً في حرب أوكرانيا من خلال تبني نهج يبدو في ظاهره متوازناً على الأقل بالنسبة لطرفي الصراع، لكنه لا يلبي التطلعات الغربية"، ولفت إلى أن "بكين منذ اندلاع الحرب حافظت على موقف ثابت من عدة ملفات ذات صلة، فمن جهة تؤكد على مبدأ سلامة ووحدة الأراضي وتحترم السيادة الأوكرانية وترفض باستمرار الاعتراف بروسية شبه جزيرة القرم وغيرها من المناطق الأوكرانية المحتلة كجزء من الأراضي الروسية. ومن جهة أخرى ترفض إدانة الهجمات الروسية، وتستمر في دعم موسكو من خلال تصدير البضائع ذات الاستخدام المزدوج التي تخدم بطبيعة الحال الصناعة العسكرية الروسية". واعتبر جو أن "بكين تدرك أهمية كييف بالنسبة للدول الغربية، لذلك تحتاج إلى الحفاظ على علاقات ودية معها والاعتراف بها كعضو في الأسرة الدولية. وفي الوقت نفسه تدرك حجم المخاطر التي ينطوي عليها التقارب الصيني الروسي، باعتباره يهدد مصالح بكين في القارة الأوروبية، إذ إن تصرفات روسيا التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة تلقي بظلالها السلبية على صورة الصين أمام العالم". وتابع: "على ضوء ذلك تبدو الصين وكأنها تسير على حبل مشدود في مقاربة علاقاتها مع طرفي الصراع، ويتضح ذلك في رفضها الانضمام لمؤتمر السلام المزمع عقده في سويسرا الشهر المقبل، على الرغم من تقديم نفسها وسيطاً محايداً ودفعها المستمر لكييف من أجل حل خلافاتها مع موسكو عبر الحوار والمفاوضات".

لونغ يوان: أستبعد أن تحظى مبادرة الصين لعقد مؤتمر سلام بشأن حرب أوكرانيا بقبول الولايات المتحدة

 

من جهته، استبعد لونغ يوان، الباحث الزميل في جامعة تايبيه الوطنية (تايوان)، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تحظى مبادرة الصين لعقد مؤتمر سلام بشأن حرب أوكرانيا بقبول الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة"، وقال إن "المبادرة ولدت ميتة لأنها لا تضم اللاعبين الأساسيين الفاعلين في الأزمة الأوكرانية، فضلاً عن وجود أزمة ثقة بين بكين والغرب، خصوصاً أن الأولى لم تستجب لمطالب الدول الأوروبية في ما يتعلق بعلاقاتها مع موسكو، ودعمها اللامحدود للرئيس الروسي فلاديمير بوتين"، ورأى أن "مسار نجاح أي مبادرة من هذا النوع مرتبط بمشاركة كل من الصين والولايات المتحدة بشكل مباشر في المفاوضات، باعتبارهما ضامنتين لأطراف الصراع". ولفت لونغ إلى أن "ذلك يستدعي تقديم تنازلات من بكين على وجه التحديد، وفي مقدمة هذه التنازلات تعليق صادرات السلع ذات الاستخدام المزدوج إلى موسكو".