مقابلة | ليلي غرينبيرغ كول أول مسؤولة يهودية تستقيل من إدارة بايدن احتجاجاً على دعم إسرائيل
تعتبر ليلي غرينبيرغ كول أول مسؤول يهودي يقدم استقالته من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. وتكشف في مقابلة مع "العربي الجديد" أنها اتخذت قرار الاستقالة لأن إدارة بايدن لا ترغب في الاستماع للأصوات والخبراء الذين عينتهم، ويعملون كل يوم على القضية الفلسطينية الإسرائيلية، ويطالبون بوقف إطلاق النار في غزة. ونبهت إلى أنه من الواضح تماماً أنه ليس فقط غالبية الأميركيين يريدون وقف إطلاق النار، ولكن أيضاً غالبية الأشخاص العاملين داخل إدارة بايدن، الذين يريدون وقف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، ووقفاً ثنائياً ودائماً للعنف وإطلاق النار، مع تبادل الرهائن، وهو ما كانت تقوله أيضاً عائلات الرهائن الإسرائيليين، ولكن "لا يبدو أن أصواتنا قد سمعت، وكان عليّ أن أختار وأن أستقيل من تمثيل الإدارة وخدمتها".
وكانت ليلي غرينبيرغ كول قد قدمت استقالتها منذ نحو أسبوعين، في ذكرى النكبة الفلسطينية في الخامس عشر من مايو/ أيار، لتكون أول مسؤول يهودي يقدم استقالته من إدارة بايدن، حيث كانت قبل نحو شهرين من استقالتها تتظاهر في مدينة الإسكندرية بولاية فيرجينيا، تزامناً مع انعقاد مؤتمر "لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية" (أيباك)، وتطالب مع آخرين بوقف تمويل حرب الاحتلال ضد الفلسطينيين.
وقبل استقالتها، شغلت ليلي غرينبيرغ كول وظيفة المساعدة الخاصة لرئيس الأركان في وزارة الداخلية، وكانت ناشطة ومدافعة عن إسرائيل لسنوات، وشاركت في مؤتمرات منظمة (أيباك) خمس مرات، قبل أن تغير مواقفها في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب، وعملها مع لاجئين فلسطينيين، وزيارتها إلى الضفة الغربية، كما عملت في الحملات الرئاسية لكل من الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس. وبحسب وكالة أسوشييتد بريس، تُعدّ ليلي ثاني شخصية سياسية في الإدارة تقدم استقالتها، وعلى الأقل خامس موظفة في الإدارة المتوسطة أو العليا تعلن استقالتها علانية احتجاجاً على سياسات إدارة بايدن. وقالت ليلي: "لقد كنت معينة في إدارة بايدن مدة عام ونصف، وعملت في حملة الرئيس بايدن عام 2020، وقدمت استقالتي في يوم 15 مايو 2024، وهو الذكرى الـ76 للنكبة، احتجاجاً على سياسة الإدارة والدعم غير المشروط للحرب في غزة، وشعرت أنه لم يعد بإمكاني تمثيل الإدارة وخدمتها، نظراً إلى تمويلها الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني".
ليلي غرينبيرغ كول: بايدن يخاطر بالكثير
وشددت ليلي على أن الرئيس يخاطر بالكثير حالياً، وأنه يخاطر بالانتخابات، ويخاطر بمصداقية أميركا في جميع أنحاء العالم، ويخاطر بحياة ملايين الفلسطينيين وملايين الإسرائيليين، لأن الوضع الراهن المتمثل في العنف والاحتلال لا يحافظ على سلامة أي شخص. وأشارت إلى أن الرئيس يقدّم كل هذا الدعم والتمويل لإسرائيل تحت ستار وشعار سلامة اليهود، ولكن نحن نعلم أن هذا غير صحيح، وقالت: "نعلم أنه عندما تقصف إسرائيل الفلسطينيين في غزة، فإن معاداة السامية تتفاقم، والإسلاموفوبيا تزداد سوءاً، والعنصرية ضد الفلسطينيين تزداد سوءاً، وكل هذه الأشياء تؤثر على مجتمعي والأشخاص الذين أحبهم، سواء هنا في أميركا، أو في إسرائيل وفلسطين، ولم يعد بإمكاني أن أكون جزءاً من تمثيل الرئيس".
ولفتت ليلي إلى أن استخدام الرئيس رسالة أن ما يحدث للشعب الفلسطيني في غزة هو بطريقة أو بأخرى للشعب اليهودي ولسلامتنا غير صحيح، وتابعت: "لدي الكثير من أفراد العائلة والأصدقاء الإسرائيليين، وقد تأثر الناس في مجتمعي يوم 7 أكتوبر، حيث أُخذ أحباؤهم رهائنَ، وقتل الناس، وما زلت أرى أن العقاب الجماعي لملايين الفلسطينيين ليس الحل، وقد أوضحت الحكومة الإسرائيلية أنها لا تهتم بإعادة الرهائن، وعائلات الرهائن تقول إن الطريقة الوحيدة لإعادة أحبائنا هي وقف إطلاق النار".
وأشارت إلى أن هناك معارضة واسعة النطاق داخل إدارة بايدن طوال الأشهر الثمانية الماضية، من أشخاص على مختلف المستويات، عبر كلّ الوكالات، في وزارة الخارجية، في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في الداخلية، في وزارة التجارة، داخل البيت الأبيض نفسه، أعربوا للإدارة والقيادة عن اعتقادهم بأن دعم الرئيس المستمر للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني كارثي، سواء على حياة الفلسطينيين، أو حتى على المصالح الأميركية في الخارج، موضحة أن لدى الولايات المتحدة القوة للدعوة إلى وقف إطلاق النار، والتوقف عن إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، والتوسط في تبادل الرهائن، وإطلاق سراح الأسرى، والعمل على إنهاء الاحتلال والفصل العنصري، والوضع الراهن.
ورداً على أسباب استقالتها بعد أشهر مما يحدث في غزة، أشارت ليلي غرينبيرغ كول إلى أنها كان ترغب في التغيير من الداخل، وأنها طوال الأشهر الثمانية الماضية، قامت هي والعديد من زملائها الآخرين بطرح مخاوفهم على الإدارة، وكان الجواب في كثير من الأحيان: نأمل أن تشعروا أنه يُستمع إليكم، حتى لو لم توافقوا على السياسة النهائية. وأضافت: "يمكنك على الأقل أن تشعر وكأن آراءك قد سُمعت، ولكن عندما تتحدث إلى الناس، وخاصة بعض زملائي الأميركيين الفلسطينيين، عن الدمار والقتل لشعبهم، فهذا ليس جيداً بما فيه الكفاية".
طفولة ليلي غرينبيرغ كول
وعن طفولتها، قالت ليلي: "أنا مثل أي يهودي أميركي، نشأت متدينة جداً، منغمسة في المجتمع اليهودي، وذهبت إلى مدرسة يهودية، وكنت دائماً فخورة جداً بهويتي وأحب ثقافتي اليهودية. وفي المجتمعات التي نشأت فيها، كان كوني يهودية ودعم إسرائيل أمراً واحداً إلى حد كبير، لأنني نشأت مع فكرة أن إسرائيل هي ما يبقي الشعب اليهودي آمناً من معاداة السامية، خاصة أن معاداة السامية تهديد حقيقي للغاية، لأن الشعب اليهودي مر بالكثير من الصدمة والألم".
وتمتعض ليلي غرينبيرغ كول وهي تقول إنها، لسوء الحظ، نشأت وهي تؤمن بهذه الفكرة القائلة بأن سلامة اليهود وحرية الفلسطينيين تتعارضان بطريقة أو بأخرى بعضهما مع بعض، كما أنها لم يكن لديها فهم كامل لكيفية تأسيس دولة إسرائيل، وما تعنيه إسرائيل للفلسطينيين، وما هي الحياة اليومية في ظل الاحتلال وفي ظل نظام الفصل العنصري. وتقول: "وهكذا مع تقدمي في السن قليلاً، كنت محظوظة جداً لأن عالمي اتسع، وأنني تمكنت من مقابلة فلسطينيين وفلسطينيين أميركيين، والتعرف إليهم، والاستماع إلى قصصهم، وقصص تهجير عائلاتهم أثناء النكبة وأثناء النكسة، وكان لقصص النزوح هذه عبر أجيال متعددة صدى حقيقي بالنسبة لي بصفتي شخصاً يهودياً، خاصة أن عائلتي شهدت نفس الشيء تماماً، والشعب اليهودي يعي معنى التهجير مراراً وتكراراً، وجيلاً بعد جيل".
وبحسب ما تحكي، فقد تمكنت ليلي من قضاء المزيد من الوقت في إسرائيل وفلسطين، ورؤية الاحتلال عن قرب، ومشاهدة نقاط التفتيش، وقضاء بعض الوقت في الضفة الغربية، وأدركت وهي تشاهد كل هذا أنه لا يعكس القيم التي تحملها، أو الحياة التي ترغب في أن تعيشها سواء في أميركا أو أن يعيشها الناس في إسرائيل وفلسطين، وصارت لديها قناعة، بحسب قولها، بأن الوضع الراهن ليس فقط مدمراً للفلسطينيين، ولا يتماشى مع الكثير من القيم اليهودية التي نشأت عليها، ولكنه ضار أيضاً بالإسرائيليين، مؤكدة أن أي نظام يقمع شعباً من أجل شعب آخر لا يكون آمناً لكليهما.
ليلي غرينبيرغ كول تتظاهر رفضاً لحرب غزة
وعن مشاركتها في تظاهرات سابقة، أوضحت أنه طبقاً للتعديل الأول، "يمكنني ممارسة حقوقي بصفتي الشخصية، لكنني أيضاً كنت دائماً واضحة أثناء عملي في الإدارة بشأن موقفي. كنت، كما يعلم الناس، أعاني من الحزن منذ 7 أكتوبر وأتعامل مع كيفية تأثير ذلك على مجتمعي، وكنت صريحة في أنني أقدّر حزنهم على مجتمعي وعلى الإسرائيليين الذين أعرفهم، ولكنني أردتهم أن يعرفوا أن ما حدث في 7 أكتوبر لم ينشأ من فراغ، ولم يكن منفصلاً عن الأحداث، وإذا كانوا يهتمون حقاً بأحبائي الإسرائيليين، فسوف يهتمون أيضاً بأحبائي الفلسطينيين، لأن حريتهم مترابطة".
وشددت ليلي على أن الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يمنع حدوث شيء كهذا مرة أخرى هو تغيير الوضع الراهن، وإنهاء الاحتلال والفصل العنصري، مضيفة أنها فكرت في مرحلة ما بأنه كان لديها كل هذا الوصول إلى السلطة والقرب منها، و"اعتقدت أنه يمكنني استخدام ذلك لتغيير آراء الناس، وإحداث تأثير في بعض عمليات صنع السياسات، لكن الأمر وصل إلى نقطة، خلال هذه الأشهر الثمانية، حيث كان من الواضح تماماً أن رأيي لن يُستمع إليه أو يُقيَّم".
ورداً على سؤال حول مدى رغبة إدارة بايدن في الوصول إلى "حل الدولتين"، تقول ليلي غرينبيرغ كول: "أعتقد أن هذا هو الموقف السياسي الرسمي للإدارة، ولكن دعمهم الإجراءات الإسرائيلية خلال الأشهر الثمانية الماضية وقراراتهم بالسماح بهذه الإبادة الجماعية، تتعارض مع أي مستقبل سلمي مشترك يمكن أن يكون للفلسطينيين والإسرائيليين، ولا أعتقد أنه يفضي إلى حل الدولتين أو أي نوع من الحل طويل الأمد الذي يخلق مستقبلاً حقيقياً ومستداماً".