مفاوضات الحكومة المالية و"أنصار الإسلام": الدوافع واحتمالات النجاح

21 أكتوبر 2021
الحكومة المالية كلفت المجلس الإسلامي الأعلى بالحوار مع "أنصار الإسلام" (فرانس برس)
+ الخط -

وافقت الحكومة المالية على إجراء اتصالات ومفاوضات مع تنظيمات مسلحة مصنفة إرهابية وتنشط في شمال مالي، أبرزها تحالف تنظيم "نصرة الإسلام" الذي يقوده الدبلوماسي السابق إياد أغ غالي، الذي اشترط انسحاب القوات الفرنسية من مالي لقبول الحوار مع الحكومة.
وكلفت الحكومة الانتقالية في مالي المجلس الإسلامي الأعلى (أكبر المرجعيات الإسلامية في مالي) بفتح قنوات حوار وإدارة ملف التفاوض مع قائد "نصرة الإسلام" إياد أغ غالي وقائد تنظيم " كتائب تحرير ماسينا" أحمدو كوفا، على وجه الخصوص.
وقال وزير الشؤون الدينية والعبادة في الحكومة الانتقالية مامادو كوني، في تصريحات صحافية، إن الحكومة كلفت المجلس الإسلامي الأعلى بالحوار مع "أنصار الإسلام"، مشيراً إلى أن التفاوض مطلب شعبي، حيث كانت قد طالبت به المجموعات السكانية التي تستوطن شمال مالي قرب الحدود مع الجزائر، بهدف إعادة الأمن والاستقرار في مناطق شمال مالي ووقف الهجمات المسلحة.

وتأتي هذه التطورات بالغة الأهمية على الرغم من أن تنظيم "نصرة الإسلام" كان تبنى منذ يومين فقط هجوماً على الجيش، لكن التنظيم نقل موقفه إلى ناشطين في شمال مالي أكد فيه استعداده للتفاوض.
كما أكد التنظيم، بحسب ما نقل الناشطون، صعوبة حسم الحكومات الأمر عسكرياً لصالحها، مشيراً إلى أن "الحالة الأفغانية أعطت درسًا في كيفية التعامل مع الواقع". ويظهر هذا التصريح قبولاً مبدئياً لوقف العمل المسلح والانخراط في المؤسسات الرسمية وفق اشتراطات ستجرى مناقشتها خلال جلسات الحوار، ومنها ما هو متعلق بالإفراج عن معتقليه في السجون ومستقبل المسلحين المنتمين إليه، الذين قد تقترح الحكومة المالية أن يشملهم قرار بالعفو مقابل تسليم أسلحتهم، إلا أن هناك عائقًا جديًا يتعلق بحمل بعض عناصر التنظيم جنسيات أخرى كالجزائرية والليبية.
وفي الثاني من مارس/آذار 2017 ، كانت أربعة تنظيمات مسلحة، وهي كتيبة "المرابطون" و"أنصار الدين"، و"كتائب ماسينا " وكتيبة "الصحراء" التابعة لـ"تنظيم القاعدة" في بلاد المغرب الاسلامي، قد أعلنت عن مبايعة "القاعدة" والاندماج في تنظيم موحد تحت اسم "جامعة أنصار الإسلام والمسلمين" بقيادة إياد أغ  غالي، وهو زعيم قبلي شغل منصب سفير مالي في الرياض بعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة المالية المركزية وحركات الطوارق المسلحة في الفترة الممتدة بين 1996 و2011، قبل أن يعود إلى شمال مالي ليؤسس حركة دينية باسم "أنصار الدين".
ويعتقد مراقبون أن تحولات الموقف في شمال مالي جاء نتيجة جملة من المعطيات السياسية والميدانية، التي ساعدت على بدء خطوات الحوار والتفاوض، ومنها ما هو مرتبط بالعودة اللافتة للدبلوماسية الجزائرية للإمساك بملف الأزمة في مالي والسعي لتعزيز عوامل التهدئة والسلم في المنطقة، وهو ما تفسره الزيارات المتتالية لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة وعدد من المسؤولين الجزائريين إلى باماكو خلال الشهرين الماضيين، وسعي الجزائر إلى إقناع باماكو بمباشرة الحوار مع المسلحين طبقا لنجاح تجربة الجزائر نفسها في الحوار مع الجماعات المسلحة نهاية التسعينيات خلال مسار المصالحة الوطنية، خاصة أن الجزائر مهتمة بشكل بالغ بتعزيز الأمن في شمال مالي لتأمين مزيد من الحماية على حدودها الجنوبية.

يضاف إلى ما سبق، عدم تمكن أي طرف، كما الحكومة المدعومة من القوات الفرنسية، من حسم المعركة على الأرض، عدا عن استغلال التوتر السياسي الطارئ بين الحكومة المالية وباريس والسعي إلى دفعها لسحب قواتها من شمال مالي، خاصة أن باماكو اتهمت باريس مؤخراً بالتورط في تدريب الجماعات الإرهابية في الشمال.
هذه التطورات قد تكون عاملاً مشجعاً على بدء حوار مع زعيم "تنظيم أنصار الإسلام" إياد غالي، خاصة أن الرجل كان قد شارك عام 2015 في مفاوضات السلام التي جرت في الجزائر، ولكونه يحمل أيضا خلفية دبلوماسية مهمة تسهم في استقطاب التنظيم إلى الحوار، ما من شأنه أن يسهم في عزل "تنظيم داعش" النشط في المنطقة أيضًا ودحر وجوده.
ويؤكد الكاتب والإعلامي المقيم في شمال مالي حسين أغ عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تغير الموقف الرسمي من الجماعات المسلحة، وخاصة "أنصار الإسلام"، يأتي استجابة لمطلب شعبي كان يدعو للحوار بين المسلحين والحكومة في باماكو، لا سيما أنه جاء ضمن نتائج الحوار الوطني الشامل المنعقد في باماكو عام 2019، والذي أكدت الحكومة الانتقالية أكثر من مرة عزمها على تطبيق نتائجه.
وقال أغ عيسى، رداً على سؤال حول احتمال نجاح الحوار المفترض ومدى استعداد "تنظيم  أنصار الإسلام" لوقف النشاط المسلح، إن "الجماعات الجهادية عموما عبرت أكثر من مرة عن استعدادها للتفاوض، في حال التزمت الحكومة بمطالبها المبدئية في التفاوض المتمثلة في انسحاب فرنسا من المنطقة وأمور أخرى"، مشيرًا إلى أن هذا "المطلب الأساسي قد تقبله حكومة مالي بحكم تدهور علاقاتها مع مستعمرتها فرنسا، التي تراها الجماعات الجهادية أيضا كذلك".

المساهمون