مفاوضات التجديد لـ"اليونيفيل" في لبنان: حراك فرنسي لإيجاد حل وسط

30 اغسطس 2023
عناصر من "اليونيفيل" في كفرشوبا، يوليو الماضي (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

تتصدّر الساحة الجنوبية في لبنان المشهد راهناً من بوابَتَي التجديد لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) عشية اجتماع مجلس الأمن الدولي وسط رفض لبناني للصيغة المتداولة وغير النهائية بتوسعة حركة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، ونقل مهماتها من الفصل السادس إلى السابع، وعملية التنقيب عن النفط والغاز في الرقعة رقم 9 في المياه اللبنانية الإقليمية.

ويرجح أن تكون عملية التنقيب عن النفط والغاز تحت إشراف الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، المرتقب أن يزور بيروت، اليوم الأربعاء، وهو المعروف بعرّاب حلّ النزاع البحري اللبناني الإسرائيلي، علماً أن ملفات أخرى قد تكون في جعبته، منها الترسيم البري.

ودخل لبنان مرحلة حفر البئر الاستكشافية في البلوك رقم 9 في المياه اللبنانية، وذلك بعد تسوية نزاعه البحري مع إسرائيل قبل نحو عشرة أشهر، لتتجه الأنظار إلى نتائج الأعمال، المتوقع أن تظهر خلال ما بين شهرين وثلاثة أشهر، وسط تفاؤل سياسي بوجود حقل نفطي، وتخوّف شعبي من إهدار الطبقة السياسية ثروة البلاد النفطية.

في غضون ذلك، يُكثِّف وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب لقاءاته ومشاوراته مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، في نيويورك، للتشديد على رفض بلاده الصيغة المتداولة لقرار تمديد ولاية "اليونيفيل" سنة أخرى، مع انتهاء التفويض لمهام بعثتها في نهاية شهر أغسطس/ آب الحالي.

مصدر دبلوماسي أميركي: الحاجة إلى اليونيفيل في لبنان ملحّة اليوم أكثر من السابق

ويعترض لبنان على توسيع صلاحيات وحركة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان من دون التنسيق مع الجيش اللبناني، وذلك في مقابل تمسّك دول أعضاء في مجلس الأمن، تتقدمها أميركا وبريطانيا، بتعزيز حضور "اليونيفيل" في أماكن معروف أنها تخضع لسيطرة "حزب الله"، المصنَّف من قبلهما تنظيماً إرهابياً.

رفض لبناني لمسودة قرار التمديد لـ"اليونيفيل"

وقالت وزارة الخارجية اللبنانية، في بيان، قبل أيام، إن بوحبيب عبَّر، بعد اطلاعه على مسودة مشروع القرار المطروحة حالياً في مجلس الأمن والمتعلقة بالتجديد لولاية "اليونيفيل"، عن رفض لبنان للصيغة المتداولة، كونها لا تشير إلى ضرورة وأهمية تنسيق القوة الأممية في عملياتها مع الحكومة اللبنانية، ممثلة بالجيش اللبناني، كما تنصّ اتفاقية عمل "اليونيفيل".

وذكّر بوحبيب بأن التجديد السنوي للقوة الدولية في الجنوب يأتي بطلب من الحكومة اللبنانية، مشدداً على رفض لبنان أن يعطي الشرعية لنقل ولاية "اليونيفيل" من الفصل السادس، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، الصادر في العام 2006، والداعي إلى حل النزاع بالطرق السلمية، إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو إلى فرض القرار بالقوة.

من جانبه، ادعى الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في كلمة متلفزة، أول من أمس الاثنين، وجود مخطط لتحويل "اليونيفيل" في لبنان إلى جواسيس لإسرائيل، على حد تعبيره، شاكراً موقف الحكومة اللبنانية التي، برأيه، تسعى لتصحيح الخلل في قرار التجديد للقوة في العام الماضي. لكن نصر الله لوّح، في المقابل، في حال عدم الأخذ بمطلب لبنان، بأن يبقى القرار حبراً على ورق، وأن الناس في الجنوب لن يسمحوا بأن يُطبق القرار.

وسُجِّلت إشكالات كثيرة بين أهالي بلدات جنوبية وقوات "اليونيفيل"، العام الماضي، أبرزها كان في 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقتل فيها الجندي الأيرلندي شون روني، وأصيب ثلاثة، بعدما تم إطلاق الرصاص على آليتهم المدرعة أثناء مرورها في منطقة العاقبية جنوباً، واتهم فيها لاحقاً القضاء العسكري اللبناني خمسة عناصر من "حزب الله"، أحدهم موقوف، بجرم القتل العمد.

وتضمّن قرار التمديد لـ"اليونيفيل" في 31 أغسطس/ آب 2022، تعديلات، أهمّها أن قوات الأمم المتحدة المؤقتة لا تحتاج إلى إذن مسبق، أو إذن من أي شخص، للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، ويُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقلّ. ودعا إلى ضمان حرية حركتها بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلن عنها. وسجِّل وقتها امتعاض من "حزب الله" لسكوت لبنان ووزير خارجيته عنها.

وضمن تعريف مهام "اليونيفيل"، فإنه من أجل تنفيذ ولايتها، التي حددها مجلس الأمن في القرار 1701 الصادر في العام 2006، فإنها تنفذ مجموعة من العمليات في جميع أنحاء منطقة عملياتها بين نهر الليطاني شمالاً والخط الأزرق (خط انسحاب الجيش الإسرائيلي، وليس الحدود بين لبنان وإسرائيل، وتم تحديده عام 2000) جنوباً، وتشمل هذه العمليات دوريات ليلية ونهارية، ووضع نقاط مراقبة، ورصد الخط الأزرق، والقيام بإزالة الذخائر غير المنفجرة والقنابل العنقودية.

وتبقى الأنظار متجهة إلى موقف مجلس الأمن، خلال الساعات المقبلة، وما إذا كان سيأخذ بالرفض اللبناني أم يبقي على الصيغة نفسها في التمديد الذي يحمل رقم 17 للقوات الدولية، مع العلم أن أعضاء مجلس الأمن الـ15 صوتوا بالإجماع على مشروع القرار المقدَّم من فرنسا، العام الماضي، رغم التباينات والخلافات التي كانت موجودة خلال المفاوضات.

"اليونيفيل" ترفض التعليق على الموقف اللبناني

ويفضل مصدر في "اليونيفيل" عدم التعليق، في حديث لـ"العربي الجديد"، على الموقف اللبناني، والإدلاء بأي تصريح لما بعد الجلسة المرتقبة. لكن في حديث سابق مع "العربي الجديد"، شددت نائبة مدير المكتب الإعلامي لـ"اليونيفيل" كانديس أرديل على أن دور قوات الأمم المتحدة المؤقتة يتمثل في تنفيذ الولاية الممنوحة لها من قبل مجلس الأمن الدولي، واتجاه تلك الولاية يأتي من مجلس الأمن نفسه، وما يتفق عليه الأعضاء في نصّ قرار التجديد، وليس للبعثة أي دور تلعبه في مضمون الولاية الممنوحة لها. وتضيف أرديل: "مع ذلك، فإن حرية الحركة ضرورية لإنجاز مهمتنا الحالية، والتي تتطلب منا أن نكون قادرين على التصرّف بشكل مستقل وحيادي في مراقبة انتهاكات القرار 1701 من قبل أي من الجانبين، اللبناني أو الإسرائيلي، والإبلاغ عنها".

نجيب فرحات: "اليونيفيل" بالكاد استخدمت ما ورد في القرار خلال العام الماضي نظراً لصعوبة تطبيقه على الأرض

في السياق، يكتفي مصدر دبلوماسي في السفارة الفرنسية في بيروت بالقول، لـ"العربي الجديد"، إن "الملاحظات اللبنانية تُدرَس وتُناقش، كما ننظر إلى كافة المستجدات على الساحة اللبنانية، وتصاعد التوترات في الفترة الأخيرة بين لبنان وإسرائيل جنوباً"، مؤكداً أن "فرنسا تعمل لإيجاد صيغة وسطية، وقد تكون بإجراء تعديل بسيط من حيث العبارات، ولكن لا شيء محسوماً بعد".

واشنطن: الحاجة إلى "اليونيفيل" ملحة

من جهته، يؤكد مصدر دبلوماسي في السفارة الأميركية في بيروت، لـ"العربي الجديد"، أن "الحاجة إلى اليونيفيل في لبنان ملحّة اليوم أكثر من السابق، خصوصاً مع تزايد التوترات الأمنية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، وسط مخاوف من ارتفاع وتيرتها في الفترة المقبلة، مع بدء لبنان مرحلة الحفر للتنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9 في المياه الإقليمية اللبنانية، مع مخاوف تبقى موجودة أيضاً من عمليات حزب الله وشبكاته في المناطق الجنوبية وأنشطته، وآخرها ما يتصل بجمعية أخضر بلا حدود، التي أدرجتها الخزانة الأميركية حديثاً على لائحة العقوبات، وهي تقدم الدعم لعمليات الحزب على طول الخط الأزرق".

بدوره، يؤكد مصدر دبلوماسي رفيع المستوى في مجلس الأمن الدولي لمراسلة "العربي الجديد" في نيويورك ابتسام عازم، أنّ واحدة من القضايا التي ما زالت الدول الأعضاء تتفاوض حولها في ما يخص مسودة مشروع قرار يجدد عمل قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان تتعلق بـ"حرية تحرك قوات اليونيفيل".

ويضيف المصدر: "حتى الآن لا يوجد اتفاق على مسودة نهائية، ولكن ما زال لدينا بعض الوقت. بحسب ما فهمنا، فإنّ الجانب الفرنسي يحاول أن يجد حلاً وسطاً بين الأطراف المختلفة في ما يتعلق بحرية الحركة".

من جهته، يقول مصدر مقرب من وزير الخارجية اللبناني، لـ"العربي الجديد"، إن "لبنان لا يريد إلغاء دور اليونيفيل في الجنوب، بل على العكس، يراه ضرورياً للحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة، لكنه يريد أن تتم عمليات قواتها بالتنسيق المستمرّ مع الجيش اللبناني، إذ لا يجوز أن تقوم القوات الأممية بتحركات ومهام فردية بلا تنسيق". ويلفت إلى أن "هناك آمالاً بإدخال تعديل على القرار، وإدراج عبارة التنسيق مع الجيش اللبناني عليه".

لا نية لبنانية لإلغاء دور "اليونيفيل"

بدوره، يقول أشرف بيضون، النائب في كتلة "التنمية والتحرير" البرلمانية (يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، حليف "حزب الله")، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا نية لنا بإلغاء دور اليونيفيل في الجنوب اللبناني، والذي يساهم في الاستقرار الأمني، على أن يبقى ضمن الإطار القانوني والدولي والسيادي".

ويلفت بيضون إلى أنه "بالإطار العام، فإن حضور اليونيفيل إيجابي، علماً أنها في بعض الأحيان تتغاضى عن بعض الخروقات التي يقوم بها الكيان الغاصب والمحتل (الإسرائيلي)، ونأمل أن يبقى دور قواتها حفظ السلام والأمن للمنطقة، بما يحفظ حدود لبنان وأراضيه وسيادته".

نزار عبد القادر: الدبلوماسية اللبنانية تسير وفق أجندة حزب الله، وليس مصلحة لبنان

في الإطار، يقول المحامي نجيب فرحات، لـ"العربي الجديد"، إنه "طالما أن التمديد لقوات اليونيفيل يندرج تحت الفصل السادس، فهذا يعني الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين بالطرق السلمية، وبالتنسيق الدائم مع القوى الأمنية الشرعية اللبنانية، ولا يمكن أن يُفرض بالتالي على لبنان تنفيذ أي بند، ولو جاء بالقرار".

ويرى فرحات أن مطالب لبنان تصب في الإطار المعنوي فقط من بوابة الحفاظ على السيادة ووجوب التنسيق مع القوى العسكرية بأي عمل تقوم به "اليونيفيل"، وحتى أن قواعد الاشتباك لم تتغير، منذ العام 2006 على الأقل، مع العلم أن "اليونيفيل" بالكاد استخدمت ما ورد في القرار خلال العام الماضي، نظراً لصعوبة تطبيقه على الأرض.

ويضيف: رأينا عدد الإشكالات التي سجلت مع أهالي بلدات جنوبية، وأخطرها مقتل الجندي الأيرلندي، كما أننا في بلد يمكن الاشتباه بأي تحرك عسكري غير معروف ويمكن الردّ عليه، وهي لا تريد تعريض سلامة طواقمها وعناصرها للخطر، ومن هنا تنسّق دائماً مع القوى الأمنية الشرعية.

ويلفت فرحات إلى أن القرار غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، فإسرائيل بدورها تريد توسعة مهام "اليونيفيل" وتحركاتها لتشمل أعمال التفتيش ومصادرة الأسلحة غير المأذون بها، وهذا أمر لا يمكن حصوله، ولو بمائة قرار دولي. في المقابل، يرى فرحات أن لبنان يبقى قادراً على التفاوض، وهنا "شطارة" الدبلوماسية اللبنانية، للتأثير على الدول الأعضاء في مجلس الأمن، خصوصاً الدائمة العضوية التي تملك حق "الفيتو"، والضغط باتجاه الوصول إلى صيغة معينة ترضيه.

بدوره، يقول الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، إن الرفض اللبناني لا ينبع من إرادة لبنان، الدولة السيدة المستقلة، حيث إن الدبلوماسية اللبنانية تسير وفق أجندة حزب الله، وليس وفق مصلحة لبنان الاستراتيجية أو السياسية الدولية، التي تصبّ في تعميم دور اليونيفيل على كامل الحدود اللبنانية بدل وضع عوائق أمام تأدية مهامها، والدول الغربية والأعضاء في مجلس الأمن تعي ذلك.

عبد القادر: الأمم المتحدة لم تصغ للبنان

ويشير عبد القادر إلى أن الأمم المتحدة لم تصغِ إلى صوت الدبلوماسية اللبنانية، لأنها تعرف أن هذه الحكومة، بكل مكوّناتها، لا تملك الحرية الكاملة لاتخاذ موقف واضح بما يحقق مصلحة لبنان في تعزيز الأمن والاستقرار في الجنوب، أو منع الانزلاق لمواجهة مع إسرائيل في المستقبل، سواء بالخطأ، أو عن طريق قرار إيراني، أو تطور إقليمي معين.

ويستبعد عبد القادر أن "تتراجع الأمم المتحدة عن التعديل الذي وضعته في العام الماضي، خصوصاً أنها تريد للقوات الدولية أن تتحرك بحرية وأن تقوم بعملها ضمن المهام المطلوبة، وتريد أن تسير للأمام بهذا الملف، خصوصاً أن هناك امتعاضاً من انتهاكات القرار 1701 لناحية وجود أسلحة غير مسموح بها في مناطق ضمن نطاق عملها، كما أنه لا يتسنى لها الوصول إلى ميادين الرماية، كما يفترض، وهنا تطلب التنسيق مع الجيش اللبناني بهذا الإطار. ورأينا أن هناك محاذير مرتبطة بتحركات اليونيفيل، من دون الجيش، والتي تقابَل من قبل الأهالي بتعليمات تعطى لهم من جهات معروفة".

ويلفت عبد القادر إلى أنه نادراً ما تتحرك الدول التي تستعمل حق النقض، مثل الصين وروسيا، ضد موقف غربي معين لنقض قرار سبق وجرى اتخاذه من قبل مجلس الأمن، سواء تغيّبت عن التصويت أو صوّتت له.