في انتخابات عام 2000، اعترض جورج بوش على عدّ الأصوات في إحدى المناطق الانتخابية بولاية فلوريدا. كان الفارق بحدود 539 صوتاً لصالح خصمه الديمقراطي آل غور، وكان حسم الرئاسة متوقفاً عند هذه الولاية. طرح الخلاف على القضاء، ووصلت دوامة إعادة العد الآلي ثم اليدوي واستئناف القرارات إلى المحاكم الأعلى وصولاً إلى المحكمة الفيدرالية العليا، التي فصلت في الأمر لصالح بوش وأعلنت فوزه يوم 12 ديسمبر/كانون الأول، بأكثرية 5 قضاة ضد 4. عض آل غور على الجرح وأعلن قبوله بفوز بوش.
الآن السيناريو يعيد نفسه، ولكن بصورة مكبّرة وأكثر خطورة، لأن المعطيات تنذر بنهاية مختلفة تماماً عن مشكلة عام 2000، مع ما قد يترتب على ذلك من ذيول ومضاعفات ثقيلة، فالمشكلة تدور الآن حول أصوات في 4 إلى 6 ولايات، وليس ولاية واحدة. والأخطر أن الرئيس دونالد ترامب الذي قال أمس إنه لا يتحمل الخسارة بسهولة، وأعلن صباح اليوم فوزه مسبقاً وقبل الانتهاء من فرز الأصوات، داعياً المحكمة العليا لحسم الأمر وفق إعلانه.
خطوة ترامب غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات وعززت المخاوف والشكوك، كون المحكمة العليا ترجح فيها كفة المحافظين بنسبة 6 إلى 3، عيّن الرئيس ترامب 3 من بينهم. مع أن تلبية رغبة الرئيس، من المفترض ألا تمررها المحكمة بمثل هذه السهولة. وقد لا تصل القضية إلى هذه المحكمة ويترك البت بشأنها لمحاكم الولايات أو المحاكم الفيدرالية المعنية التي قد ترد الدعوى في الشكل لعدم توفر الحيثيات، خاصة إذا ما كانت الفروقات في الأصوات كبيرة بعد إعادة عدّها والبت بشرعيتها وتوافقها مع شروط ومواقيت الاقتراع. وقد توسعت هذه الفروقات مع انقضاء النهار وتوالي العد لأصوات الاقتراع بالبريد في الولايات الست الحاسمة: ميشيغن، ويسكنسون، جورجيا، أريزونا، نيفادا، نورث كارولينا، والتي بدا أن بعضها غيّر المعادلة بإعطاء بايدن دفعة كبيرة إلى الإمام، ولا سيما ميشيغن وويسكنسون، بما جعل العدد السحري المطلوب من المجمع الانتخابي (270 صوتًا)ممكناً حسابيّاً.
لكن مع ذلك ما زالت الارقام النهائية معلّقة بالرغم من أنها باتت ترجّح بايدن المتلهف فريقه على تثبيتها لحسم المعركة والخروج بأسرع وقت ممكن من الحالة الواعدة إلى حالة اليقين. فالحزب الديمقراطي متخوف، ولو أنه صار على مرمى حجر من الفوز، لأن المشهد يعيد تذكيره بسيناريو 2016، حين نالت هيلاري كلينتون كما نال بايدن حتى الآن: ما يزيد على 3 ملايين صوت شعبي أكثر من ترامب، ومع ذلك خسرت المجمع الانتخابي وبالتالي الرئاسة. خصوصاً أن ترامب بدأ المطالبة بإعادة فرز الأصوات في هذه الولايات، ولو أن ذلك إجراء له سوابق ولا يثير بحد ذاته أي إشكالات.
لكن هذه الخطوة تنبئ بأن القضية باتت في طريقها إلى القضاء. وهو مسار محكوم بطول الوقت الذي قد يتمخض عن تطورات تزيد من التعقيد وتفاقم الأزمة، سواء أأكدت المحاكمات على النتائج أم عدلت في أرقامها قليلًا. وهذا بمعزل عن رفض المخارج القانونية، كأن يتدخل كونغرس هذه الولاية أو تلك ويفرض فض الخلاف من خلال توليه تعيين حصة الولاية من أعضاء المجمع الانتخابي، بحيث تتفاقم المشكلة وتنتقل إلى الساحة السياسية وألغامها.
المشكلة دخلت في هذا النفق الطويل والوعر. المرشح الديمقراطي جو بايدن أخذ المبادرة على ما بدا. وربما دخل دائرة الفوز. لكنه نأى في بيانه قبل قليل عن إعلان فوزه، وإن أعرب عن اعتقاده بأن الأمور تسير لمصلحته. إعلان قد يمتد حتى الأسبوع الأول من ديسمبر. هذا إذا جرت مراعاة المواعيد الدستورية المتعلقة باجتماع ثم تصويت المجمع الانتخابي في الرابع عشر منه. موعد لا يجوز تجاوزه إلا إذا وصل عدم التراجع بالمواقف حد التصعيد.