معركة باخموت الأطول والأكثر عنفاً منذ بداية الحرب في أوكرانيا

13 فبراير 2023
آثار القتال في باخموت المحاصرة ظاهرة بوضوح (Getty)
+ الخط -

تتّجه سيارات الإسعاف مسرعة نحو مركز يتجمّع فيه الجنود الأوكرانيون الجرحى خارج باخموت (شرقاً)، التي تعدّ مسرح المعركة الأطول والأكثر عنفاً في أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي في فبراير/شباط من العام الماضي.

ينتظر سائق سيارة الإسعاف إيفان على جانب الطريق وصول الجرحى الذين يتزايد عددهم مع اشتداد المعارك. وسط ساحة، يتنهّد إيفان قائلاً "هناك، إنها مثل فردان"، في إشارة إلى معركة دامية في شرق فرنسا في العام 1916 خلال الحرب العالمية الأولى.

تزداد معركة باخموت البالغة العنف رمزية مع اقتراب الذكرى الأولى لبدء الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط. إذ تريد موسكو تحقيق انتصارها الأول بعد أشهر من الانتكاسات، لكن كييف مصمّمة على الصمود.

وبينما يسعى كلّ طرف إلى ترسيخ وجوده، طغت الخسائر البشرية بين القوّات المسلّحة والمدنيين على الأهمية الاستراتيجية للسيطرة على هذه المدينة الصناعية السابقة، والتي باتت أحياؤها الشرقية والشمالية والجنوبية دماراً.

الصمود "لأطول فترة ممكنة"

يرى المحلّل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مارك كانسيان أنّ المقاربة المعتمدة من الطرفين تعدّ "مشكلة كلاسيكية من الحرب العالمية الأولى".

ويقول إنه بعد فشل المحاولات الروسية الأولى لمحاصرة باخموت "واصلت (روسيا) الهجوم" رغم أنّ الانتصار "لا يعني شيئاً على المستوى العسكري والاستراتيجي".

ويضيف الضابط السابق في مشاة البحرية، الذي اعترف بأنّ خيارات أوكرانيا محدودة، "بالتالي، هناك الكثير من الرمزية في حال سيطروا على باخموت، سيتظاهرون بأنّها مهمّة ولكنّها ليست كذلك".

من جهتها، تفيد أجهزة الاستخبارات البريطانية بأنّ التقدّم الروسي توقّف ولكن الضغط مستمرّ.

ويأتي ذلك فيما أعلنت مجموعة فاغنر الروسية المسلّحة، أمس الأحد، مسؤوليّتها عن السيطرة على كراسنا هورا، على بعد بضعة كيلومترات شمالي باخموت.

وهذا ما يبرّر دعوات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المتكرّرة للدول الغربية لتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة.

فقد قال في بداية فبراير/شباط أمام عدد من المسؤولين الأوروبيين الكبار المجتمعين في كييف: "إذا تسارعت عملية تسليم الأسلحة، خصوصاً البعيدة المدى، لن يقتصر الأمر على عدم الانسحاب من باخموت و(لكن) سنبدأ في إنهاء احتلال دونباس"، وأضاف أنّ الجيش سيدافع عن باخموت "لأطول فترة ممكنة".

ولكن هذه المعركة لا تتعلّق فقط بأسلحة عالية الدقة. إذ يشير المحلّل العسكري الأوكراني أوليكسندر كوفالينكو إلى أنّ كييف تحتاج بشكل أساسي إلى مدفعية وذخيرة شائعة الاستخدام، ويقول لوكالة فرانس برس "إذا لم يحدث ذلك، سنواجه مشاكل خطيرة في باخموت".

"ميزة كبيرة" لروسيا

على الأرض، يعرب الجنود الأوكرانيون عن الحاجة نفسها. وكان يوري كريجبيرسكي، الجندي البالغ من العمر 37 عاماً، قد أوضح لوكالة "فرانس برس" في نهاية يناير/كانون الثاني أنّ "العدو يملك ميزة كبيرة من حيث المدفعية"، وأضاف "يمكنكم الجلوس في قبو في فاسيوكيفكا (قرية شمال باخموت موجودة على الخط الأمامي أيضاً)، لمدّة نصف ساعة وسماع مرور 40 قذيفة".

تتمثّل الميزة الثانية لدى روسيا في عدد المقاتلين الروس الذي يثير فضول هذا الرقيب الأوكراني المعروف باسمه الحركي ألكور، إذ قال "نطلق النار، نطلق النار ثمّ نطلق النار، لكن بعد خمس دقائق، يظهر 20 رجلاً آخرون أمامنا".

وتُتهم موسكو وفاغنر باستخدام مجنّدين غير مهيّئين كـ"وقود للمدافع"، الأمر الذي يرفضه المحلّل العسكري الروسي ألكسندر خرامتشيخين، معتبراً أنه "دعاية غربية".

يبقى أنّ كييف تكبدت خسائر فادحة. فقد أكد الرائد فولوديمير ليونوف، من قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية، سقوط حوالى عشرة جرحى في صفوف قواته خلال ثلاثة أيام في يناير. كما قُتل خمسة من الجنود التابعين له ولم يكن بالإمكان استرداد جثثهم.

وقال لوكالة فرانس برس "رجالنا متحمّسون، الجميع جاء للقتال"، مضيفاً "لكن عندما لا يكون هناك دعم مدفعي، ولا توجد دبابات، يتمّ إطلاق النار عليك فقط، كما هو الحال في ميدان رماية".

انسحاب ممنوع

لم يعلن أيّ من المعسكرَين عن خسائره ولكن الأوكرانيين كما الروس يصفون معركة باخموت بأنها الأعنف خلال الحرب. قرب الجبهة الشمالية، شاهد مراسلو وكالة فرانس برس في نهاية كانون الثاني/يناير حوالى عشر جثث يبدو أنها تعود لعناصر من فاغنر متروكة على الأرض الجليدية.

يعلّق الجندي الأوكراني فلاديسلاف على الأمر قائلاً "على ما يبدو، ليس لديهم الحق في الانسحاب"، مضيفاً "لم يستردّوا حتى جرحاهم. وفي النهاية ماتوا هنا، في الحقول".

بالتوازي مع المواجهات في الميدان، تدور حرب كلامية بين الأوكرانيين والروس.

فقد تحدّث المسؤول الموالي لروسيا في منطقة دونيتسك دنيس بوشيلين، أخيراً، عن "تحرير ارتيموفسك"، في إشارة إلى باخموت باسمها المستخدم خلال الحقبة السوفييتية حتى العام 2016.

وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول، تحدّث زيلينسكي عن "حصن باخموت"، خلال زيارته للمدينة التي كان يبلغ عدد سكانها 70 ألفاً والتي كانت تُعرف بمناجم الملح وبنبيذها.

من جهته، أشار رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين إلى أنّ القتال "الشرس" في الأحياء الشرقية من باخموت وقع في "كلّ شارع، كل منزل وكلّ سلّم".

الحياة في الملاجئ

تبدو آثار القتال في المدينة المحاصرة ظاهرة بوضوح في كلّ مكان تقريباً، مثل المباني المحترقة، بقايا القذائف، أو حتى الثلوج التي تناثرت عليها أشلاء بشرية.

بحسب السلطات، فقد دُمّر أكثر من نصف مباني باخموت، كما أنّ الجسر الذي يمرّ فوق النهر الصغير الذي يعبر المدينة لم يعد أكثر من مجموعة متشابكة من الألواح الخشبية والإطارات والمنصّات النقّالة.

باتت ناتاليا شيفتشينكو، التي تستخدم الجسر كل يوم لجلب مياه الشرب، معتادة على دوي القذائف.

وتقول شيفتشينكو، التي تعدّ واحدة من 6500 شخص اختاروا البقاء في باخموت: "أعيش في القبو في الوقت الحالي. عندما أخرج، أكون مثل الخلد، يجب أن أُعوّد عيناي على الضوء". بدورها، توضح تيتيانا تشيتشرباك، وهي متطوّعة في مركز إنساني، أنّ مدنيَين اثنين غادرا المدينة منذ اشتداد القتال.

عند نقطة انطلاق عمليات الإخلاء، ينتظر البعض طيلة الليل حيث يتجمّعون قرب المواقد مع بعض الأغراض التي تمكّنوا من نقلها معهم، كما خرج آخرون من منازلهم بمساعدة متطوّعين تحدّوا القصف ووجدوا أنفسهم أحياناً في قلب المعارك.

يقول ميكولا، وهو متطوّع يبلغ من العمر 24 عاماً كان في كييف يشارك في مراسم نُظّمت لتأبين واحد من متطوَّعين بريطانيين اثنين قتلا في سوليدار في يناير، إنّ البقاء على قيد الحياة هو إذن "مسألة حظ".

في فبراير/شباط، قُتل عامل إنساني أجنبي آخر في باخموت، هو الأميركي بيت ريد.

التاريخ يعيد نفسه

حاولت نتاليا ييفتوشنكو، البالغة من العمر 38 عاماً، مرّتين مغادرة المدينة.

في المرة الأولى في إبريل/نيسان، قُتل ابنها البالغ من العمر 16 عاماً مع 60 مدنياً آخرين بصاروخ أصاب محطّة القطار في كراماتورسك، المدينة الرئيسية التي تسيطر عليها كييف في المنطقة.

وفي المرة الثانية، تعرّضت لحادث سيارة، تقول "حاولت بما فيه الكفاية".

تعمل ييفتوشنكو حالياً متطوّعة في مراكز إنسانية في باخموت، حيث تساعد في إطعام وتدفئة السكان، بينما يجعل الشتاء هذه الحياة غير المستقرّة أكثر صعوبة.

في الخنادق الواقعة على الأطراف، لا يحظى الجنود بهذا الدعم. إنّهم يتحمّلون البرد القارس ويتشبّثون بالشموع التي صنعها متطوّعون، بدون أن يتمكّنوا أحياناً من النوم لعدّة أيام متتالية.

تستعد القوات الأوكرانية لهجوم جديد، عبر حفر خنادق في محاولة لاحتواء الهجوم الروسي.

في سلوفيانسك الواقعة على بعد حوالى خمسين كيلومتراً إلى الشمال الغربي، دُفن أحد الجنود في الأرض المتجمّدة، وشُيِّعت جنازة أولكسندر كوروفني (28 عاماً)، أحد أفراد كتيبة آزوف الذي قُتل في باخموت.

يشير أحد أصدقائه ويدعى أولكسي ستوروج إلى نصب تذكاري للحرب العالمية الثانية، ويقول "التاريخ يعيد نفسه"، متسائلاً "ما الهدف من كلّ هذا؟".

(فرانس برس)

المساهمون