معتقل سابق يروي لـ"العربي الجديد" فظائع من سجون بشار الأسد

18 ديسمبر 2024
المعتقل السابق حمدو عبد الحكيم سليمان، 18 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الاعتقال والتعذيب: حمدو عبد الحكيم سليمان اعتُقل في يوليو 2011 بتهم كيدية، ونُقل بين فروع أمنية في إدلب ودمشق، حيث تعرض لتعذيب شديد أدى لفقدان إحدى عينيه.

- سجن صيدنايا: قضى سليمان عشرة أشهر في سجن صيدنايا، حيث عانى من سوء التغذية والتعذيب، وشهد اعتصامات الأهالي ودفن جثث في مقابر جماعية.

- التحرير: في ديسمبر 2024، أُفرج عن سليمان من سجن السويداء بعد 13 سنة وخمسة أشهر من الاعتقال في سجون النظام السوري.

حُرر حمدو عبد الحكيم سليمان المنحدر من مدينة كفرنبل جنوبي محافظة إدلب، في السادس من ديسمبر/ كانون الأول العام الجاري 2024، من سجن السويداء المركزي جنوبي سورية، بعد دخول مقاتلي المعارضة إلى السجن، إثر انسحاب قوات الأسد حينها من المنطقة إلى العاصمة دمشق، وذلك بعد 13 سنة وخمسة أشهر قضاها في سجون نظام بشار الأسد المخلوع، التي تعرض فيها لأنواع متعددة من التعذيب لإرغامه على الاعتراف بأشياء لم يفعلها، كما يروي قصة إعدام جماعي داخل سجن صيدنايا (سيئ السيط)، وطُرق التعذيب داخل الأفرع الأمنية في العاصمة السورية دمشق.

يقول حمدو عبد الحكيم سليمان، المنحدر من مدينة كفرنبل، شمال غربي سورية، لـ"العربي الجديد": "تم اعتقالي من قبل قوات الأسد في السابع من يوليو/ تموز عام 2011، عند حاجز للأمن العسكري ضمن كفرنبل، وتم نقلي إلى معمل السجاد في المدينة الذي تحول إلى ثكنة عسكرية للجيش حينها، ومن هناك تم نقلي إلى فرع الأمن العسكري في مدينة إدلب (مركز المحافظة)، وبعدها جرى نقلي إلى الفرع 291، ضمن المربع الأمني في منطقة كفرسوسة التابع لشعبة المخابرات العسكرية في العاصمة السورية دمشق، ثم إلى فرع 235 (فرع فلسطين)، وبعدها إلى فرع 48 في دمشق".

ويضيف سليمان: "لم يتم التحقيق معي في فرع فلسطين، ولكن تم التحقيق معي في فرع الأمن العسكري في مدينة إدلب، وفرع 291، وبعد ذلك تم ختم الضبط وإحالتي إلى عدة أفرع، بقيت في حالة التنقل بين الفروع هذه حوالي شهرين، ثم نُقلت إلى سجن صيدنايا حيث قضيت هناك عشرة أشهر". وتابع: "الحمد لله، كتبت لي النجاة، وتمت إحالتي من سجن صيدنايا إلى سجن السويداء".

وأشار سليمان، إلى أنه "في سجن صيدنايا، كانت الأوضاع سيئة للغاية. فالأهالي الذين سُمح لهم لفترة قصيرة بأن يزوروا أببناءهم في السجن، لاحظوا أن المعتقلين في حالة مزرية، حيث كانوا يعانون من سوء التغذية وآثار التعذيب والمعتقلون كانوا عبارة عن جلد وعظام فقط، فبدأ الأهالي بالاعتصام أمام السجن لمدة خمسة أو ستة أيام مطالبين بالإفراج عن أبنائهم، وكان هناك ملاحظة من الأهالي عن وجود رائحة موتى في محيط السجن في تلك الفترة، ودفن الجثث في مقابر جماعية بالقرب من السجن".

وأوضح سليمان أن "مدير السجن السابق في تلك الفترة، طلعت محفوظ، الذي تعرض للقتل لاحقاً من قبل فصائل الجيش الحر، أخبر المعتصمين حينها أنه سوف يتم نقل المعتقلين من سجن صيدنايا إلى سجون مدنية، وبعدها بأيام تم نقلنا من صيدنايا على دفعتين إلى سجون مدنية".

ويضيف سليمان: "خرجنا من سجن صيدنايا بسيارتين كُنا نُطلق عليها اسم (سيارات لحوم)، سيارة توجهت إلى سجن عدرا المدني تتضمن حوالي 55 معتقلا، وأنا كنت ضمن السيارة التي نُقلت إلى سجن مدينة السويداء، والتي كانت تضم 65 معتقلا، حيث كان من المخطط نقلنا حينها إلى سجن إدلب المركزي، ولكن في تلك الفترة كانت منطقة إدلب وطرقاتها تشهد معارك بين فصائل الجيش الحر وقوات الأسد".

ولفت سليمان إلى أنه "من جرى نقلهم إلى سجن عدرا بتهمة (الإرهاب) بسبب محاكمتهم من قبل الميدانية العسكرية، تمت إعادتهم إلى سجن صيدنايا بعد رفع تقارير كيدية فيهم من ضابط يدعى نبيل الغجري، رئيس السجل المدني في سجن عدرا، بأنهم سوف ينفذون استعصاء داخل السجن، وأعادوهم إلى سجن صيدنايا وجرى إعدامهم جميعاً داخل السجن، وكان لدينا تخوف نحن المعتقلين الذين جرى نقلنا إلى سجن السويداء المركزي من إعادتنا إلى سجن صيدنايا بتهم كيدية وإعدامنا داخل السجن". وقال سليمان: "تمت محاكمتي في المحكمة الميدانية العسكرية بالإعدام، وتم تنزيل الحكم إلى المؤبد ثلاث مرات، أي مدى الحياة".

وعن سبب اعتقاله، أشار حمدو إلى أن "هناك شخصا كتب تقريرا كيديا للأفرع الأمنية للنظام السابق أنني رئيس منظمة مسلحة، وممول مُسلح ومشارك في الهجوم للجيش الحر في عام 2011 على مفرزة الأمن في مدينة جسر الشغور غربي محافظة إدلب، ومتهم بالحراك المُسلح في العاشر من يونيو/ حزيران 2011 في (جمعة العشائر) وبأنني منفذ هجوم على مفرزة الأمن في مدينة معرة النعمان، وُتهم بقتل عناصر من المفرزة، ولم يكن أي من ذلك صحيحاً، وبسبب ذلك قضيت إجمالاً 13 سنة وخمسة أشهر في السجن، هذه المدة الطويلة كانت تجربة صعبة للغاية".

وعن الحالة الصحية له، قال: "كنت قد أجريت عملية جراحية لعيني قبل دخولي المعتقل، كنت أعاني من آثار العملية وكان وضعي الصحي يتدهور نتيجة الضغوط والتعذيب، ولقد تعرضت للضرب على مكان العملية، مما زاد معاناتي وفقدت عيني، ومع ذلك، حمدت الله على كل حال".

وتابع سليمان: "أصعب موقف تعرضت له أثناء التعذيب كان في الفرع 291 بدمشق، حيث أحضروا أمامي معتقلا كانوا قد ارتكبوا بحقه فعلاً شنيعًا (وضعوه على الخازوق) وأرادوا أن يخضعوني وأجبروني على الاعتراف بجرائم لم أرتكبها، مثل القتل وأشياء أخرى، وفقًا لرغباتهم. كان الهدف إرغامي على الاعتراف بأي طريقة ممكنة".

ولفت إلى أنهم "وضعوني على أداة تعذيب كبيرة تُسمى (بساط الريح)، وهي أداة تضغط على الأضلاع حتى تلتف عظام العمود الفقري بطريقة مرعبة. كل مرة كنت أُرغم على الجلوس عليها كانوا يبدؤون بالضرب، وهذه الأداة وحدها كفيلة بأن تخنق الإنسان".

بالإضافة إلى ذلك، يقول سليمان: "مررت بأشكال عديدة من التعذيب، من ضمنها (الشبح)، حيث عُلقت من يدي بالسلاسل لمدة أربعة أيام. كان وضع الوقوف مؤلمًا للغاية، إذ كانت أصابع قدمي بالكاد تلمس الأرض. خلال هذه الفترة، تراكم الدم في ساقيّ حتى أصبحت قدماي غير قادرتين على الحركة".

وعن أصعب المواقف التي مر فيها سليمان في المعتقل، يوضح، أنه "أحد المواقف التي لا يمكن نسيانها كان عندما أحضروا شخصاً آخر معتقلا وقاموا بالاعتداء عليه بطريقة وحشية أمامي، كان الهدف من هذا النوع من التعذيب الممنهج هو كسر روحنا والنيل من رجولتنا، حيث كانوا يستهدفون المناطق الحساسة من أجسادنا، بل إن كثيرين فقدوا تماماً القدرة على الإنجاب نتيجة هذا التعذيب الوحشي"، لافتاً إلى أن "التعذيب في فرع 291 كان من أشد الأنواع التي رأيتها، مقارنة بذلك، كان التعذيب في إدلب ضمن الأمن العسكري أخف وطأة، حيث كان يقتصر على الضرب دون تلك الأساليب المرعبة".

وأشار سليمان إلى أنه "في إحدى المرات أثناء التحقيق، اعترفت تحت الضغط بأمور تتعلق بالتظاهرات، ولكنهم كانوا يبحثون عن تهم أكبر من ذلك. لم يكن الاعتراف بالتظاهرات كافياً لإرضائهم؛ كانوا يريدون تهماً خطيرة لتبرير جرائمهم بحقنا".