معارض أم دمية بوتين.. من هو المرشح الرئاسي الروسي بوريس ناديجدين؟

08 فبراير 2024
بوريس ناديجدين المرشح الرئاسي عن حزب المبادرة المدنية (ناتاليا كوليسنيكوف/فرانس برس)
+ الخط -

بنظارته الطبية وسنواته الستين وافتقاره إلى الكاريزما، يبدو بوريس ناديجدين، النائب السابق في مجلس الدوما، أبعد ما يكون عن منافس حقيقي للرئيس الروسي القوي وصاحب الحضور الطاغي فلاديمير بوتين، ولكنه رغم ذلك يمتلك كلمته السحرية التي ظهرت فعاليتها في مشهد الطوابير الطويلة للمواطنين الروس الداعمين لترشيحه، ما أثار قلق الكرملين على ما يبدو، حيث إن دلالة هذه الطوابير واضحة في مدى اتساع معارضة بوتين وامتلاك الجرأة على المجاهرة بذلك.

ناديجدين المعارض

لم تدم طويلاً مغامرة ناديجدين، المرشح الرئاسي عن حزب المبادرة المدنية، في الترشح بوجه بوتين، وجاء قرار الهيئة الانتخابية الروسية، اليوم الخميس، متوافقاً مع التوقعات برفض ترشيحه للانتخابات رغم تقديم الرجل 150000 توقيع، إذ ينص القانون على تقديم 100 ألف توقيع للمرشحين الذين لا ينتمون لحزب ممثل في البرلمان الروسي (مجلس الدوما).

ولد ناديجدين في طشقند، أوزبكستان السوفييتية، وانتقل مع عائلته عام 1969 إلى مدينة دولغوبرودني، ونال الجائزة الثانية في أولمبياد عموم الاتحاد الرياضي بين طلاب المدارس الثانوية عام 1979 وتخرج في العام نفسه، وحصل، عام 1985، على شهادة الشرف من (ميبت). عمل مهندساً وباحثاً في مركز أبحاث عموم الاتحاد منذ عام 1985 حتى عام 1990.

سياسياً، يأتي ناديجدين من خلفية تقليدية في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، فالرجل دخل سلك السياسة عبر العمل مساعداً لسيرغي كيرينكو، رئيس الوزراء الروسي في عهد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، ويشغل كيرينكو حالياً منصب رئيس أركان بوتين، ومن ثم عمل مستشاراً للمعارض الروسي بوريس نيمتسوف الذي اغتيل في شوارع موسكو في عام 2015.

بدأ اسم ناديجدين بالبروز في السياسة الروسية مع إطلاقه تصريحات قوية معارضة لسياسة بوتين في 2020، حيث اعترض على تغيير الدستور بحيث يمكن لبوتين الترشح لمرتين متعاقبتين للرئاسة. 

ويعارض الرجل الحرب على أوكرانيا والتعبئة العامة التي أعلنها بوتين بعد بدء الحرب، كما أن ناديجدين يطالب بإصلاح العلاقة مغ الغرب ويعارض قمع السلطات نشاطات مجموعات LGBTQ.

تقارير دولية
التحديثات الحية

لماذا ما زلت خارج السجن؟

ولكن رغم كل ذلك، فإن بقاء ناديجدين خارج السجن وعم ملاحقته من قبل الأمن الروسي، بل وظهوره على وسائل الإعلام الروسية، كل ذلك خلق لدى المواطنين الروس تساؤلات حول دوره وموقعه.. هل هو معارض أم مجرد ديكور يستخدمه بوتين للرد على الاتهامات الموجهة إليه بتصفية المعارضة؟

التشكيك الشعبي في ناديجدين منع كثيرين من تأييده رغم معارضتهم لبوتين، ويذكر أحد أعضاء الحملة الانتخابية لناديجدين، وفق صحيفة "موسكو تايمز": "نصف عدد أصدقائي يرفضون منح توقيعاتهم لمرشح يعتبرونه دمية في أيدي الكرملين"، ويقول ناديجدين، في لقاء مع شبكة "سي أن أن" الأميركية، رداً على هذه التساؤلات: "لا أعلم لماذا لم يعتقلوني حتى الآن".

ويمكن فهم التشكيك الشعبي في دوافع ودور ناديجدين من خلال استعراض تاريخ التعامل الروسي مع معارضي بوتين، حيث أصبح السجن والقبر مقياساً لمعارضة فلاديمير بوتين، ومن هنا كان التشكيك في حقيقة موقف ناديجدين، الذي يتمتع بحريته رغم مواقفه المعارضة لسياسة بوتين، بل ومطالبته بوقف الحرب في أوكرانيا، ونشر ناشط روسي صورة لصحافيين روسيين، أحدهما فلاديمير كارا مورزا الموجود في السجن، والأخرى للصحافية آنا بوليتكوفسكايا، التي اغتيلت في عام 2006، على حسابه في منصة "إكس"، وكتب في منشوره: "هذا ما يحصل للصحافة الحقيقية في روسيا".

لم يبد مسؤولو الكرملين أي انزعاج من ترشح ناديجدين، بل عبروا عن عدم وجود أي قلق لديهم. وتنقل "فرانس برس" عن دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الكرملين، قوله عن ناديجدين إنه "لا يقلقنا".

الطوابير.. رسالة إلى الكرملين

لا يمكن لأحد الجزم بتوجهات نايدجدين وحقيقة مواقفه ومعارضته لبوتين، ولكن مهما كانت الحبكة، فإن مشهد الطوابير كان مفاجئاً ومقلقاً لأوساط بوتين من دون شك، فالروس خرجوا رغم البرد الشديد إلى مراكز الحملات الانتخابية للتوقيع دعماً لترشيحه، ونفهم أهمية ورمزية هذه الطوابير حين نعلم أنه في روسيا لا يمكن جمع أكثر من 2500 توقيع من مدينة واحدة، مما يعني أن عليه جمع التواقيع من كل أنحاء روسيا، وهذا ما فعله، وتكرر مشهد الطوابير حتى في مدينة ياكوتسك في أقصى الشرق، على بعد 280 ميلاً جنوب الدائرة القطبية الشمالية، حيث وصلت درجات الحرارة فيها إلى 40 درجة تحت الصفر، وتنقل صحيفة إندبندنت عن حملة ناديجدين أن ما يصل إلى 400 شخص يتحدّون يومياً الصقيع للتوقيع على العرائض.

هذه الطوابير تحولت، بحسب ويل كينغستون كوكس، المختص في الشؤون الروسية بمعهد البحوث الأمنية في مدينة فيرونا الإيطالية، إلى ما يشبه الاحتجاجات ضد بوتين، ويضيف كوكس لفرانس برس: "ربما هذا هو الأهم في ترشح هذا الرجل. لأن هذه الطوابير في الحقيقة ما هي إلا نوع من أنواع الاحتجاج إزاء سياسة بوتين والنظام الروسي بشكل عام"، وينهي الحديث بقوله: "لغاية الآن، ترشح ناديجدين لا يشكل خطرا على النظام. فهو عبارة عن نوع من العصيان المدني وليس إخلالا بالنظام العام".

وليكتمل المشهد ويعود للتناغم مع ما يحصل في روسيا بالعادة، نقلت صحيفة "ميدوزا" الروسية، في تقرير لها عن تحقيق لـ"نوفايا غازيتا أوروبا" صدر قبل أيام من رفض ترشيح ناديجدين، أن عاملين في حملته ربما قاموا بتخريب متعمد "لبطاقات الاقتراع والتوقيعات التي يجب التحقق منها، والتي قُدّمت إلى لجنة الانتخابات المركزية الروسية، ما قد يؤدي إلى إدراج آلاف التوقيعات غير المقبولة"، ما يعرض ترشيح ناديجدين للخطر. 

وبالعودة إلى قرار الهيئة الروسية في رفض ترشيح ناديجدين، نجد، بحسب ما ذكره موقع "روسيا اليوم"، أن لجنة الانتخابات المركزية لروسيا الاتحادية وجدت بعد فحص أوراق التوقيع لممثلي ناديجدين أن نسبة العيوب في توقيعاته تجاوزت الحد المسموح به وهو 5 بالمئة. وقال الموقع إن هذه النسبة بلغت أكثر من 15% في أوراق التواقيع لصالح ناديجدين.

يقول ناديجدين بعد صدور قرار هيئة الانتخابات برفض ترشيحه في حسابه على منصة "إكس" مخاطباً مؤيديه: "لا تستسلمو.. لقد أحس المواطنون بإمكانية التغيير في روسيا"، معتبراً أن من وقف في الطوابير لدعم ترشيحه كان يقول للجميع إن "روسيا ستكون دولة عظيمة وحرة"، ويضيف أنه قدم اعتراضات على قرار الهيئة، ولكن التوقعات أجمعت على  أن مغامرته الصغيرة انتهت، ربما مبكراً، ولكن ما حملته من دلالات على انخفاض تأييد بوتين في روسيا ربما كان الأهم فيها.

المساهمون