استمع إلى الملخص
- التحديات الداخلية والمفاوضات: "قسد" أمام خيارين: التفاوض مع الحكومة السورية أو مواجهة عمل عسكري تركي، مع محاولات حزب الاتحاد الديمقراطي للتقارب مع المجلس الوطني الكردي لتشكيل جبهة موحدة.
- القلق الغربي والمستقبل الغامض: تعتمد "قسد" على القلق الغربي من عودة "داعش"، لكنها تواجه ضغوطاً من تركيا والسلطة السورية، مما يهدد بتغيير موازين القوى في المنطقة.
تحول مصير "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) إلى ملف رئيسي على طاولة القيادة السورية الجديدة والدول الغربية. ففي حين تركّز أنقرة على ضرورة محاربة "قسد" وحزب العمال الكردستاني، فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تواصل اللعب على وتر مقاتلي تنظيم "داعش" المسجونين لدى "قسد"، ومن أن يؤدي أي هجوم تركي على "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) إلى فرارهم، فيما تلوح إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من سورية، ما قد يترك مصير "قسد" ضبابياً إذا ما أصبحت من دون غطاء عسكري قوي.
ويبدو مصير "قسد" اليوم أمام خيارين: إما التفاوض مع السلطة الجديدة لتسليم السلاح تمهيداً للانضواء تحت راية الجيش في البلاد بعد التغييرات المنتظر أن تطرأ عليه، أو مواجهة عمل عسكري تدفع تركيا لشنّه، بعدما أعلنت الأخيرة مراراً أنه لا مستقبل لوحدات حماية الشعب الكردية، النواة الصلبة لهذه القوات، في سورية. وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد ركّز، في مؤتمر صحافي مشترك مع القائد العام للإدارة الجديدة في سورية أحمد الشرع في دمشق أول من أمس الأحد، على موضوعي رفع العقوبات الدولية عن سورية، ومحاربة "قسد" وحزب العمال الكردستاني. وأكد أنه "لا مكان لمنظمات الإرهاب مثل قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني، وأكدنا على مكافحتها، وندعم مكافحة داعش، وسنقف إلى جانب الإدارة السورية في هذه المرحلة، ولن نقبل بوجود تنظيم إرهابي في سورية، ولا يمكن أن نغضّ الطرف عن ذلك". واتهم حزب العمال الكردستاني "بسرقة خيرات سورية، كما أن أعضاء هذه التنظيمات حوّلوا المنطقة إلى واحة للإرهاب. المجتمع الدولي يغضّ الطرف عن هذا الأمر. في إدارة سورية الجديدة نحن ندعم أن تبسط هذه الإدارة سيطرتها على كل المناطق، وفي المرحلة المقبلة سنُشاهد سورية خالية من التهديدات الإرهابية". ويأتي التحذير التركي في وقت تواصل فيه فصائل مرتبطة بأنقرة طرد هذه القوات من منطقة منبج، حيث سيطرت على جسر قراقوزاق وسد تشرين على نهر الفرات.
اعتبرت أنالينا بيربوك أن "داعش" سيكون المستفيد من الحرب بين تركيا و"قسد"
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، تُرسل "قسد" الرسائل إلى دمشق، مبديةً الاستعداد للتفاوض حول كل القضايا الخاصة بمستقبلها ومستقبل شمال شرقي سورية. بيد أن الإدارة الجديدة في سورية تتريّث كما يبدو في حسم خيارها تجاه مصير "قسد". ورغم نفي القوات الكردية الارتباط بحزب العمال الكردستاني، فإنّ قائد هذه القوات مظلوم عبدي أقرّ، في تصريحات صحافية قبل أيام، بوجود مسلحين أجانب في صفوفها، معتبراً أنهم ساعدوهم في التصدي لتنظيم داعش، وزاعماً أن بعضهم عاد إلى ديارهم وبقي آخرون، وأن الوقت قد حان لعودتهم إذا جرى التوصّل إلى وقف لإطلاق النار.
محاولة تقارب بين "الاتحاد الديمقراطي" و"المجلس الوطني"
ونتيجة هذه التطورات، وجد حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو المتحكم الرئيسي بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، نفسه مضطراً للتقارب مع المجلس الوطني الكردي رغم الخصومة السياسية بينهما، في محاولة لتشكيل مرجعية سياسية واحدة لأكراد سورية. وفي هذا الصدد، من المقرّر أن يستقبل عبدي وفداً من المجلس الوطني الكردي في سورية، لـ"بحث الوحدة الكردية"، وفق مصادر إعلامية تابعة لهذه القوات. وأكّد مصدر رفيع المستوى في المجلس الوطني الكردي، فضّل عدم ذكر اسمه في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا توجد نيّة لدى المجلس لتشكيل وفد مشترك مع حزب الاتحاد الديمقراطي للتوجه إلى دمشق". وبيّن أن المجلس "غير مستعد لتحمل وزر أخطاء قسد وقيادتها، ولا سيما لجهة وجود قيادات غير سورية ضمن صفوفها، فضلاً عن أخطاء أخرى مثل التجنيد الإجباري الذي فرضته أو التوغّل ضمن مناطق لا يوجد فيها أكراد". وتابع: "رغم الوساطة الأميركية لم نحصل على أي تنازل من قيادات "قسد" أو حزب الاتحاد الديمقراطي، ولا سيما في مسألة الانفكاك عن حزب العمال الكردستاني".
وبيّن القيادي في المجلس الوطني الكردي شلال كدو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المجلس يُريد إنجاح أي لقاء مع قائد قسد أو مع أحزاب الوحدة الوطنية (مجموعة أحزاب يقودها الاتحاد الديمقراطي) بوساطة أميركية وفرنسية"، مضيفاً: "نريد تحقيق الهدف منها، وهو توحيد الرؤية السياسية الكردية ووحدة الخطاب الكردي في سورية". وتابع: "لا نريد وضع العربة أمام الحصان. في البداية يجب الاتفاق على رؤية موحدة وتوحيد المطالب ومن ثم تشكيل وفد مشترك للتوجه إلى دمشق للتفاوض مع السلطة الجديدة هناك". وأكد أن المجلس يسعى لتجنيب الشمال الشرقي من سورية الحروب، مضيفاً: "هناك تهديدات لـ"قسد" من كل حدب وصوب".
ضياء قدور: قسد تُدرك أن موازين القوى العسكرية تغيّرت لصالح قوى الثورة
قلق غربي على مصير "قسد"
وتعتمد "قسد" على القلق الغربي والأميركي تحديداً من عودة محتملة لتنظيم داعش في سورية وإمكانية فرار أسراه من السجون التي تديرها في حال شن هجوم عليها. وفي هذا الصدد، أبدى مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، في تصريح صحافي السبت الماضي، خشية بلاده من استغلال "داعش" لفرصة عدم وجود سلطة في بعض المناطق، معتبراً أن "الأكراد أفضل شركائنا لمحاربة التنظيم ونخشى أن ينشغلوا عن ذلك إذا حاربتهم تركيا". وأضاف: "الأكراد يحرسون سجوناً تضم آلافاً من مقاتلي تنظيم داعش، وإذا خرج هؤلاء فنحن أمام تهديد خطير للغاية".
وحذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، في تصريحات لمحطة دويتشلاند فونك الألمانية أمس الاثنين، من نشوب حرب بين تركيا والأكراد في سورية. وقالت: "هذا بالضبط ما لا ينبغي أن يحدث"، مضيفة أنه لن يكون من المفيد لأحد أن يكون الطرف الثالث الضاحك في الصراع مع الأكراد هو إرهابيو تنظيم داعش، معتبرة أن هذا من شأنه أن يشكّل تهديداً أمنياً لسورية وتركيا وأوروبا. وأشارت بيربوك إلى أن الأكراد على وجه الخصوص هم الذين دحروا "داعش"، مضيفة أن تركيا "بالطبع" لديها مصالح أمنية مشروعة، وموضحة أنها مثل أي بلد آخر تريد أن تكون خالية من الإرهاب، ومضيفة في المقابل أنه لا ينبغي استغلال ذلك في "طرد الأكراد مرة أخرى واندلاع العنف مرة أخرى".
ترامب يريد الانسحاب من سورية
وعلى الرغم من المخاوف الغربية على مصير "قسد" أكد مايك والتز، مرشح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب كمستشار للأمن القومي، في تصريح صحافي أمس الاثنين، ضرورة ألا يكون الجنود الأميركيون في سورية. وأوضح أن وضع عناصر تنظيم داعش وحدود إسرائيل يعدّ على رأس القضايا التي تأخذها أميركا بعين الاعتبار في سورية. ودافع عن سياسة ترامب حول الشرق الأوسط أثناء ولايته السابقة، معتبراً أنها كانت "صحيحة". وقال: "الرئيس ترامب محق تماماً، وكان تفويضه مصمماً على عدم جرّنا إلى حروب في الشرق الأوسط، ونحن لا نحتاج إلى أي جنود أميركيين في سورية، لكننا سنستمر في الاهتمام بمسائل داعش، والحدود الإسرائيلية، والديناميكيات الأوسع مع حلفائنا الخليجيين".
وفي السياق، أوضح آزاد حسو، المحلل السياسي الكردي المقرب من "قسد"، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مهمة قسد الأساسية هي محاربة داعش في سورية"، مؤكداً أن دول التحالف ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة "تدعم هذه القوات لمواصلة الحرب على التنظيم الإرهابي". أما بشأن مصير "قسد" بعد سقوط نظام الأسد، اعتبر أنه "لا بديل عن هذه القوات في هذه مهمة محاربة داعش". ووصف حسو "قوات سوريا الديمقراطية" بـ"القوة الوطنية السورية"، مشيراً إلى أنه لم يتم حتى بحث مصير "قسد" مع السلطة الجديدة في دمشق، مؤكداً أن هذه القوات "لن تترك سلاحها".
تغيّر موازين القوى لصالح الثورة
لكن المحلل العسكري ضياء قدور رأى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قسد فقدت حظوظها منذ اليوم الأول لسقوط الأسد ونظامه"، معرباً عن اعتقاده بأنها "باتت تعد الأيام قبل الوصول إلى خط نهايتها". وأشار إلى أن الوفد الأميركي الذي التقى أحمد الشرع في دمشق قبل أيام قال إن الأسباب التي دفعت الأكراد إلى حمل السلاح لم تعد موجودة، مضيفاً: "أعتقد أن هذه التصريحات ضربة معنوية كبيرة لهذه القوات، وكانت بمثابة سحب البساط الأميركي والغربي عموماً من تحتها، ولم تعد تحظى بالدعم الذي يقدمه التحالف الدولي لها منذ نحو 10 سنوات". وتابع: "أعتقد أن قسد تدرك أن موازين القوى العسكرية تغيرت لصالح قوى الثورة لذا باتت أمام خيارين، إما ترضخ للأمر الواقع وتسلم السلاح للسلطة في دمشق أو أن تدخل في مواجهة عسكرية لن تكون لصالحها على الإطلاق في ظل انهيار معنويات عناصرها وتراجع الاستعداد القتالي بعد التصريحات الأميركية. أعتقد أن مصير هذه القوات لن يختلف عن مصير قوات النظام المخلوع".
يُشار إلى أن "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) تسيطر على نحو ثلث مساحة سورية. وتقع غالبية محافظتي الرقة والحسكة تحت سيطرتها، بالإضافة إلى نصف محافظة دير الزور، وجانب كبير من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرقي نهر الفرات. وتعد المنطقة التي تسيطر عليها "قسد" والتي يشكل العرب غالبية سكانها، الأكثر غنى بالثروات، حيث تضم أهم وأكبر حقول النفط والغاز في سورية، أبرزها الرميلان في محافظة الحسكة والعمر والكونيكو في ريف دير الزور.