مصر: ذرائع أمنية لتأخير الانفراجة بملف السجناء السياسيين

23 ابريل 2021
صدر قرار العفو الأخير يوم الثلاثاء الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

جدّد قرار العفو الرئاسي الصادر عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الثلاثاء الماضي لمناسبة شهر رمضان، تأكيد سياسة النظام السلبية تجاه ملفي المعتقلين السياسيين قيد المحاكمة والسجناء السياسيين، المدانين في أحداث تعود لمرحلة انقلاب يوليو/تموز 2013، وما تضمنها من تظاهرات احتجاجاً على فض اعتصام رابعة العدوية. كما طاولت هذه السياسة التظاهرات المعارضة للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، التي اندلعت في ربيع 2016. في المقابل، يسعى سياسيون ونقابيون وصحافيون وحقوقيون تربطهم علاقات جيدة بالسلطة، لإقناع النظام بالإقدام على خطوة واضحة لحلحلة هذين الملفين، بغية تصفية بؤر القلق في الشارع في ظل تعدد الأخطار الاستراتيجية الحالية وعلى رأسها سد النهضة. ويرى هؤلاء أن إقفال الملفين يشكّل رداً على التحذيرات الغربية ذات الخلفية الحقوقية، التي يؤمن بعض الأشخاص ذوي الحيثية من مختلف دوائر النظام، بأن لها علاقة غير مباشرة بالتعاطي الغربي السلبي مع الرؤية المصرية في قضية سد النهضة أيضاً. ويختلف قرار العفو الذي يتضمن الأسماء عن قرارات سابقة، في كونه يُعدّ من قبل العديد من الجهات الأمنية ولا يشمل بالضرورة سجناء على ذمة الجرائم التي يسمح العفو الخاص بالإفراج عنها في المناسبات. وقد يشمل القرار مدانين في الجنايات والجنح المضرّة بأمن الحكومة من الخارج والداخل، بالإضافة إلى المفرقعات والرشوة، وجنايات التزوير، والجرائم الخاصة بتعطيل المواصلات، والجنايات المنصوص عليها في قانون الأسلحة والذخائر، وجنايات المخدرات والاتجار فيها، وجنايات الكسب غير المشروع، والجرائم المنصوص عليها بقانون البناء، وغيرها من القضايا التي لا تطبق فيها قواعد الإفراج الشرطي أو بمضي نصف المدة للمستحقين. لكن قرار العفو الأخير اختلف عن المأمول صدوره من قرارات، وتشابه مع قرار العفو السابق الصادر في شهر رمضان من العام الماضي، في أن غالبية المذكورين هم من المدانين في قضايا جنائية عادية، وحتى في قضايا جنح بسيطة صدرت فيها الأحكام من المحاكم العسكرية.


تلقى عدد من السجناء وعوداً صريحة بالعفو دون تحقيق ذلك

 

وظهر أن غالبية المستفيدين من العفو هم من المواطنين الذي اعتُقلوا وحُوكموا بصورة سريعة عام 2020 أمام القضاء العسكري ودينوا بارتكاب جنح عسكرية، لتورطهم في مخالفات البناء، إلى حد العفو عن بعض الأشخاص الذين دينوا في مخالفات متعددة، تتراوح بين مخالفتين ونحو 50 مخالفة. وكان قرار العفو الصادر في فبراير/شباط 2020 هو أول قرار محدد الأسماء يصدره السيسي يضم عدداً من السجناء الجنائيين في قضايا بسيطة للعفو، إلى جانب القضايا ذات الطابع السياسي، كالتظاهر والعنف والإرهاب والانتماء لجماعة محظورة وجرائم ضباط الشرطة، من دون مبررات معلنة أيضاً. وهو الأمر الذي كان استثنائياً وتحول في القرار الأخير إلى قاعدة، بل أصبحت النسبة الكاسحة من المستفيدين هي من المدانين في قضايا جنائية بسيطة. وعلى عكس ما حدث العام الماضي، عندما لم يروج النظام للقرار كما كان يحدث من قبل، باعتباره يمثل انفراجة اجتماعية أو سياسية، اعترافاً بخلوه من أسماء ضحايا القضايا التي تهم الرأي العام، روّج النظام هذا العام عبر وسائل الإعلام المملوكة له والموالية للقرار على نطاق واسع قبل إعلان الأسماء. ووصف القرار بـ"الاستجابة السريعة للتوصيات الصادرة عن المؤتمر الذي عقده المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، التابع للمخابرات العامة، الشهر الماضي، والتي تضمنت مد جسور التفاهم مع المجتمع المدني الداخلي والخارجي وإعادة العمل بقرارات العفو الرئاسي عن المحكومين". وسبق أن ذكرت مصادر مطلعة في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، أن هذه التوصيات أُدخلت بناء على مقترحات بعض الشخصيات السياسية والإعلامية والنقابية التي تنخرط في المحاولات الحالية، فضلاً عن بعض الإعلاميين الذين يلعبون دور قنوات الاتصال بين دائرة عباس كامل ودول أجنبية. لكنها في الوقت نفسه تقف حتى الآن عند كونها توصيات، فلم يتم التفكير بعد في طريقة لتنفيذها، أو لإحداث تغيير حقيقي في مقاربة النظام لتلك الملفات. وبالتالي فإن الخطوة الأخيرة لم تقتصر فقط على إثبات أن أولويات النظام مختلفة عما يتم الترويج له في وسائل إعلامه، وإصراره على انسداد الأفق بالنسبة للمطالبات النخبوية والشعبية عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بل أيضاً حرصه على توجيه رسائل غير صحيحة للخارج بالادعاء بأنه يفرج عن آلاف السجناء، لكنه في الحقيقة يعمل على إخلائها من نوعية واحدة فقط منهم، هم أصحاب الجنح البسيطة. ويقصد النظام بهذه الخطوة ترجمة التصريحات السابقة التي أدلى بها السيسي وعدد من وزرائه على مدار سنوات، بالإدّعاء بأن الدولة تعامل السجناء السياسيين على قدم المساواة مع مرتكبي أي جرائم أخرى. وبالتالي فإن العفو الرئاسي يتضمن للمرة الثالثة على التوالي سجناء جنائيين في المقام الأول، وهو ما يمثل تكريساً لتجاهل السجناء السياسيين، الذين كانوا في السابق المستفيدين الأبرز والطبيعيين من قرارات العفو الاستثنائية، بسبب عدم تطرق قرارات العفو الاعتيادية والإفراج المشروط لحالاتهم. كما يهدف القرار إلى المضي قدماً في الخطة الحكومية التي بدأت العام الماضي قبل حملة اعتقالات مخالفات البناء، لتخفيف الازدحام داخل السجون بهدف الحد من انتشار فيروس كورونا بين السجناء، وتعقيد الإجراءات المتبعة لحماية السجناء من العدوى. وهو الأمر الذي كان سبباً أساسياً لضخامة عدد المستفيدين من العفو أيضاً في أشهر فبراير/شباط وإبريل/نيسان ومايو/أيار من العام الماضي. وتعتمد السجون منذ عام تقريباً إجراءات غير معتادة في ما يتعلق بتقليل الإجازات والكشف الطبي المستمر على السجناء والضباط وأفراد الشرطة، فضلاً عن منع الزيارات تماماً. وأعاد مصدر أمني التذكير في حديث لـ"العربي الجديد" بما كان قد قاله سابقاً لجهة أنّ كثافة الإشغال في عدد من السجون انخفضت بشدة، عكس السجون المخصصة للسجناء السياسيين وقضايا التظاهر والإرهاب التي ما زالت عالية، وأن مصلحة السجون بدأت في تنفيذ خطة لنقل أعداد من السجناء بين السجون لإعادة توزيعهم.


يعمل النظام على إخلاء السجون من أصحاب الجنح البسيطة
 

من جهة ثانية كشف المصدر أن اللجان الخاصة في السجون المكلفة بفحص ملفات السجناء السياسيين والمحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا سياسية، المشكّلة أساساً من ضباط الأمن الوطني وبالتنسيق مع المخابرات العامة والمخابرات الحربية ورئاسة الجمهورية، عقدت بين شهري يناير/كانون الثاني ومارس/آذار الماضيين لقاءات شخصية، متكررة في بعض الأحيان، مع أكثر من 300 سجين في سجون مجمع طره والوادي الجديد وأسيوط وبرج العرب وجمصة. وتم ترشيح أسمائهم من قبل اللجنة الخاصة بالعفو المشكّلة بقرار من رئيس الجمهورية، ومن المجلس القومي لحقوق الإنسان وشخصيات سياسية أخرى، ودارت مناقشات حول تصورات السجناء والمحبوسين، وعدد كبير منهم معروفون للرأي العام، للمستقبل السياسي وموقفهم من اتجاهات الدولة في مختلف المواضيع في الفترة الأخيرة. وأضاف المصدر أن عدداً كبيراً من هؤلاء السجناء تلقوا وعوداً صريحة بالعفو قريباً، مع التشديد على ضرورة التزام الصمت بعد الخروج وعدم التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام. ومرّ وقت طويل من دون تحقيق ذلك، بينما تم تسجيل ملاحظات سلبية على عدد منهم بسبب تطور المناقشات في بعض الحالات لمشادات كلامية. وذكر المصدر أنه تم إجراء بحوث اجتماعية لأكثر من ألفي سجين لدراسة إمكانية العفو عن الحالات الأكثر احتياجاً وتأزماً على المستوى الاقتصادي. غير أنه لم يتم البت في الأمر بشكل نهائي حتى الآن، بسبب إدعاء الأمن الوطني والمخابرات العامة في توصياتهم بوجود خطورة في إحياء الامتدادات الاجتماعية لتيار الإسلام السياسي، ولا سيما أن نسبة كبيرة من السجناء المدانين بفترات عقوبة طويلة، خصوصاً السلفيين، قد يمثلون مشكلة في متابعتهم ومراقبتهم وتحركهم بعد الخروج، من وجهة النظر الأمنية. وبعد كل قرار عفو في العامين الأخيرين يصاب السجناء وذووهم بخيبة أمل عارمة تتسبب في حالة من الغضب، خصوصاً داخل السجون شديدة الحراسة التي تضم أكبر عدد من السجناء المحكومين في قضايا ذات طابع سياسي. وأبرز تلك القضايا، التظاهر والعنف المتهمين فيها بالانضمام لجماعة الإخوان وجماعات إسلامية أخرى، ويعود معظمها إلى عامي 2013 و2014، خصوصاً الأحداث التي وقعت بمحافظات الصعيد في أعقاب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

المساهمون