ويبدو أن الحراك الدبلوماسي سيتلقّى دفعة، اليوم الثلاثاء، مع توجه أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى أنقرة للقاء كلٍّ من الرئيس التركي، عبدالله غول، ورئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، بعدما تحادث أردوغان وأمير قطر حول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مساء السبت، بحسب مصادر من رئاسة الوزراء التركية.
ودخلت مصر على خط مساعي التهدئة بين إسرائيل و"حماس"، عبر إعلان وزارة الخارجية المصرية، تقديمها مبادرة وقف إطلاق النار، لاقت دعماً كبيراً على شاكلة تصريحات مؤيدة، بدأت من الرئيس الأميركي، باراك أوباماً، ووصلت إلى دول الجامعة العربية، مروراً باجتماع وزراء الخارجية العرب.
"القسام": نرفضها جملة وتفصيلاً
وفي أول رد فعل من جانب فصائل المقاومة، رفضت كتائب "عز الدين القسام"، الجناح المسلح لحركة "حماس"، فجر الثلاثاء، المبادرة معتبرة إياها "ركوعاً وخنوعاً"، ومتوعدة اسرائيل أن معركتها معها "ستزداد ضراوة".
وقالت "القسام" في بيان: لم تتوجه إلينا أية جهة رسمية أو غير رسمية بما ورد في مبادرة وقف إطلاق النار المزعومة التي يتم الحديث عنها في وسائل الاعلام، وإن صح محتوى هذه المبادرة فإنها مبادرة ركوع وخنوع، نرفضها جملة وتفصيلاً، وهي بالنسبة لنا لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
وتابعت: معركتنا ضد العدو ستستمر، وستزداد ضراوة وشدة وسنكون الأوفياء لدماء الشهداء، ونعد شعبنا أنها لن تضيع سدى ولن يجهضها أحد كائناً من كان.
وكان المتحدث الرسمي لحركة "حماس"، سامي أبو زهري، كشف، فجر الثلاثاء، أن حركته "لم تتسلم حتى الآن أي مبادرات رسمية للتهدئة من أية جهة"، مشيراً إلى أن "ما يتم الترويج له بشأن نزع سلاح المقاومة كشرط للتهدئة، أمر غير خاضع للنقاش"، على قاعدة أن "الشعب الفلسطيني واقع تحت الاحتلال، والمقاومة بالوسائل كافة حقٌ مشروع للشعوب المحتلة"، بحسب بيان صدر عنه.
وشدد أبو زهري على أن "وقف إطلاق النار قبل التوصل الى اتفاق التهدئة، هو أمر مرفوض، ولم يحدث في حالات الحرب أن تم وقف إطلاق النار ثم التفاوض". وشدد على أن ردود المقاومة "ستستمر حتى تحقيق جميع مطالب شعبنا، وأي وقف إسرائيلي للنار من طرف واحد ليس له قيمة بعد الجرائم الكبيرة في غزة، وبقاء الوضع الإنساني الكارثي مستمراً".
واستبقت القاهرة في إعلانها عن مبادرتها، انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب، ووصول وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى القاهرة، اليوم الثلاثاء.
وفيما أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستجتمع، صباح الثلاثاء، لبحث اقتراح التهدئة المصري، لم تعطِ "حماس" موقفاً رسمياً من البنود التي أعلن عنها للمبادرة المصرية، إلا أن مسؤولاً بارزاً في الحركة، أكد لـ"العربي الجديد"، أن "حماس" لن توافق على أية تهدئة لا تضمن رفع الحصار نهائياً عن قطاع غزة، وتلبية شروط المقاومة التي وضعتها.
المبادرة المصرية
وفي خضم الحراك الديبلوماسي، ومسعى دولة قطر لإيقاف العدوان، الذي ترجم بمطالبة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قطر التوسط لدى "حماس" لوقف إطلاق النار والتصعيد، الذي أسفر، حتى الآن، عن استشهاد أكثر من 186 فلسطينياً، أصدرت وزارة الخارجية المصرية، مساء الاثنين، بياناً، أعلنت فيه عن مبادرة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، اعتباراً من صباح الثلاثاء، تستند الى أسس الهدنة السابقة التي كان الرئيس المعزول، محمد مرسي، قد نجح في إرسائها بين الطرفين، غداة عدوان "عامود السحاب"، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2012.
وجاءت المبادرة المصرية قبيل ساعات من اجتماع يجريه وزراء الخارجية العرب، لمناقشة العدوان الإسرائيلي على غزة، ويأتي هذا الاجتماع عقب فشل مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرار بوقف العدوان.
ودعت الخارجية المصرية، في بيانها، كلاًّ من إسرائيل والفصائل الفلسطينية إلى وقف فوري لإطلاق النار، تلتزم خلاله إسرائيل بوقف جميع الأعمال العدائية على قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، مع تأكيد عدم تنفيذ أي عمليات اجتياح بري أو استهداف المدنيين.
وفي المقابل، تقوم الفصائل الفلسطينية كافة بإيقاف جميع أعمالها ضد إسرائيل، مع تأكيد إيقاف إطلاق الصواريخ، بمختلف أنواعها، والهجمات على الحدود أو استهداف المدنيين.
وتضمن البيان المصري بنداً يتعلق بفتح المعابر، وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع، عبر المعابر الحدودية، لكنه ربط ذلك باستقرار الأوضاع الأمنية على الأرض.
وحدد البيان الساعة السادسة صباح يوم 15 يوليو/تموز، لبدء تنفيذ تفاهمات التهدئة بين الطرفين، على أن يتم إيقاف إطلاق النار خلال 12 ساعة من إعلان المبادرة المصرية، وقبول الطرفين بها من دون شروط مسبقة.
ووفق البيان، سيتم استقبال وفود رفيعة المستوى من الحكومة الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية في القاهرة، خلال 48 ساعة منذ بدء تنفيذ المبادرة، لاستكمال مباحثات تثبيت وقف إطلاق النار، واستكمال إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، على أن تتم المباحثات مع الطرفين كل على حدة، طبقاً لتفاهمات تثبيت التهدئة بالقاهرة عام 2012.
ودعا البيان الطرفين إلى الالتزام بعدم القيام بأي أعمال من شأنها التأثير سلباً على تنفيذ التفاهمات، وتحصل مصر على ضمانات من الطرفين بالالتزام بما يتم الاتفاق عليه، ومتابعة تنفيذها ومراجعة أي من الطرفين حال القيام بأي أعمال تعرقل استقرارها.
"حماس": التهدئة بشروط المقاومة
وفي أول تعليق على المساعي الديبلوماسية لإيقاف العدوان، بعد صدور المبادرة المصرية، قال مسؤول بارز في حركة "حماس"، لـ"العربي الجديد": إن للمقاومة شروطاً، أبرزها رفع الحصار، ووقف العدوان نهائياً على غزة والضفة والقدس، وكف يد إسرائيل عن المصالحة الفلسطينية، وحكومة التوافق الوطني، إلى جانب الإفراج عن كل أسرى صفقة شاليط، الذين تم اعتقالهم في علميات الاحتلال العدوانية في الضفة، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
بدوره، أكد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، مساء الاثنين، أن "أيّ طرف، مهما بلغت قوته، لا يمكنه تجاوز شروط المقاومة الفلسطينية إذا ما سعى الى تنفيذ تهدئة"، مجدداً تأكيد أن "العدو الصهيوني، هو الذي خطط للعدوان وبدأه وليست المقاومة".
وقال هنية: المشكلة ليست في التهدئة ولا العودة الى اتفاقيات التهدئة لأننا نريد وقف هذا العدوان على شعبنا، ولكن المشكلة هي واقع غزة من حصار وتجويع وإغلاق للمعابر وإهانة للناس وعدم صرف رواتب الموظفين الذين يعملون بكل طاقتهم، رغم أنهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ 3 أشهر.
وقد بدا هنية في خطابه المسجل، الذي قال مصدر موثوق لـ"العربي الجديد"، إنه سُجل قبل ساعتين ونصف من بثّه، مرتاحاً إلى ما أنجزته المقاومة في عمليتها. وأشاد بتطور المقاومة وعلى رأسها "كتائب القسام"، الذي قال إن تطورها "أكد أن الحصار فشل ولم يمنع القوى من تجهيز نفسها".
وأضاف هنية أن "الحصار الذي اكتوى به شعبنا في غزة ودفع ثمنه من الدواء والكساء والغذاء قد فشل فشلاً ذريعاً"، مؤكداً أنه يجب أن يتغير هذا الوضع وينتهي الحصار. وأضاف: يجب أن يعيش شعبنا في غزة حراً كريماً يتمتع كباقي شعوب العالم، وأن يعيش أهلنا في الضفة الغربية في أمن من استباحة العدو لمدنهم ومنازلهم والاعتقالات التي ينفذها الاحتلال.
ولفت رئيس الحكومة السابقة في غزة، إلى أن المشكلة تتمثل في تنكر الاحتلال بشكل كلي لكل الاتفاقيات الموقعة والتي جرت برعاية مصرية، مشدداً على أن الدماء العزيزة التي سالت في غزة والأداء المشرف للمقاومة لا بد وأن يفضي الى تغيير في واقع القطاع يمتد الى الضفة والقدس.
وأكد هنية أن القوة التي تمتلكها حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" "قوة لكل الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس وفي كل أماكن تواجده، فهذه ليست لحماية التنظيم والحركة، بل لحماية الشعب الفلسطيني وهي رافعة للأمة التي انشغلت بهمومها".
من جهته، قال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، خالد البطش، على صفحته على موقع "فايسبوك": مع ترحيبنا الكبير بالدور المصري الذي أكدنا أهميته إلا أنه لا جديد في موضوع التهدئة. وأضاف: هناك اتصالات لكنها لم ترتق الى المستوى المطلوب، وعرض المبادرات لا يتم عبر وسائل الإعلام، بل عبر القنوات الواضحة لفصائل وقادة المقاومة.
إسرائيل تبحث المبادرة
وفي السياق، نقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول إسرائيلي كبير، مساء الاثنين، قوله إن الحكومة الأمنية الإسرائيلية ستجتمع في وقت مبكر من، صباح الثلاثاء، للبحث في الاقتراح المصري لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك مع دخول العملية العسكرية الإسرائيلية على القطاع يومها الثامن. وقال المسؤول إن "الحكومة الأمنية ستجتمع باكراً غداً لدرس الاقتراح المصري جدياً"، فيما أفاد المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس" باراك رافيد، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين، نتنياهو يؤيد وقفاً لإطلاق النار مع حركة "حماس".
وذكرت وكالة "فرانس برس" أن رافيد كتب على حسابه على موقع "تويتر" نقلاً عن مصدر لم يحدده أن نتنياهو "سيؤيد وقف إطلاق النار الذي اقترحته مصر"، موضحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيطلب من أعضاء الحكومة الأمنية المصغرة التصويت تأييداً لوقف إطلاق النار.
رفض أميركي للاجتياح البري
وجاءت هذه التطورات عشية زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى القاهرة، غداً الثلاثاء، سبقها البيت الأبيض بتأكيد رفضه الهجوم البري على قطاع غزة.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش ايرنست، اليوم الاثنين، إنه "لا أحد يرغب في حدوث هجوم بري، لأن ذلك سيعرض مزيداً من المدنيين للخطر".
ويشير التحذير الأميركي، العلني، من العدوان البري، إلى سعي واشنطن الى إيقاف الاندفاعة الإسرائيلية، الملجومة أصلاً، في ظل الحذر والتردد الذي أصاب القادة الإسرائيليين حول اجتياح جنودها غزة، وسط حالة من التململ والتذمر، فضلاً عن "الإرهاق"، أصابت جنود الاحتلال المنتشرين على حدود القطاع.
وفي السياق ذاته، واصل وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، جولته في المنطقة، مطالباً من الأردن، إسرائيل بوقف عدوانها، ومعتبراً أنه لا بديل للفلسطينيين والإسرائيليين من مفاوضات السلام وحل الدولتين. وسيتوجه الثلاثاء إلى إسرائيل والضفة الغربية، إذ سيلتقي نظيره الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، والرئيس الفلسطيني محمود عباس.