مصر: الانتخابات البلدية مؤجلة رغم فساد المحليات

27 مايو 2022
حُكم على جنينة في 2018 بالسجن 5 سنوات (فايد الجزيري/Getty)
+ الخط -

لا يزال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي متمسكا بموقفه الرافض لإجراء الانتخابات المحلية (البلدية) في المدى القريب، على الرغم من توصيات رفعتها له أجهزة سيادية بشأن إمكانية تشكيل مجالس محلية منتخبة موالية بالكامل للنظام، استجابة لمطالب نواب البرلمان من ناحية، ولتهدئة الرأي العام الغاضب بسبب موجة الغلاء وارتفاع الأسعار، من ناحية أخرى.

وقالت مصادر مصرية مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن تجدد مطالب إجراء انتخابات المحليات يعود إلى "الحوار الوطني" المرتقب، والذي دعا إليه السيسي في 26 إبريل/نيسان الماضي، وكلف "الأكاديمية الوطنية للتدريب" التابعة للمخابرات العامة بإدارة جلساته، لا سيما مع إعلان وزير التنمية المحلية، محمود شعراوي، عن إحالة نحو 6 آلاف موظف في المحليات إلى النيابتين العامة والإدارية، على خلفية تورطهم في مخالفات مالية وإدارية.

الانتخابات البلدية مؤجلة بسبب السيسي

وأضافت المصادر أن السيسي يرفض وجود مجالس محلية منتخبة للإشراف على أداء المحافظين المعينين بقرار منه، ويرى تأجيل النقاش حول هذا الموضوع إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2024، مستطردة بأنه يحمّل المسؤولية دائماً للحكومة والبرلمان أمام وسائل الإعلام، عن عدم إجراء هذه الانتخابات منذ توليه الحكم عام 2014، في حين يعلم الجميع أنه قرار شخصي منه.

وتابعت أن أعضاء مجلس النواب طالبوا الحكومة مراراً بالإسراع في إجراء الانتخابات المحلية لتخفيف العبء عنهم، كونهم يعانون من طلبات المواطنين المتعلقة بتردي خدمات المرافق العامة في دوائرهم، والفساد المستشري في المحليات بجميع المحافظات على حد سواء، بينما يوجد تشريع متكامل جاهز للإصدار بشأن الإدارة المحلية، ومجمد في أدراج البرلمان منذ سنوات عديدة بـ"قرار سيادي".

وتعتبر المحليات في مصر هي "بؤرة الفساد" الأكبر حجماً، إذ تنتشر في الأجهزة المحلية الرشى المالية المرتبطة بمنح التراخيص بأنواعها، في وقت طالب فيه أعضاء بمجلس النواب بالعمل على تسريع وتيرة إصدار قانون الإدارة المحلية في مواجهة فساد المحليات، والذي أدرج على جدول أعمال البرلمان أكثر من مرة، وسحب في اللحظات الأخيرة من دون إعلان الأسباب.

وقال النائب عبد المنعم إمام، في جلسة خصصها البرلمان لمناقشة وزير التنمية المحلية محمود الشعراوي، يوم الثلاثاء الماضي، إنه "لا توجد إرادة من الدولة لإجراءات الانتخابات المحلية على الرغم من أهميتها البالغة".

وأضاف أن "الهم الأساسي للمسؤولين في المحليات هو التربح غير المشروع من وراء وظائفهم، بسبب عدم وجود أي رقابة عليهم في ظل تغييب دور المحليات، ما يدفع ثمنه المواطنون من أموالهم وجهدهم".

وأكدت المصادر أن السبب الرئيس في تجميد قانون الإدارة المحلية هو "اشتراط مواده مراقبة المجالس المحلية لخطط التنمية، ومتابعة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية، الأمر الذي يُهدد عمليات الإسناد المباشر من الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة للشركات التابعة لوزارة الدفاع (الجيش)، وعلى رأسها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة".


تعتبر المحليات في مصر "بؤرة الفساد" الأكبر حجماً

ويمنح القانون كل مجلس محلي اختصاص اعتماد موازنته، وحسابه الختامي، الأمر الذي يعني "مراقبة كافة موازنات وأرقام مشاريع البنية التحتية، ومشاريع الطرق، التي تشهدها جميع المحافظات تحت إشراف شركات الجيش، ما يُنذر بسحب عمليات الإسناد المباشر من الجيش في حالة نزاهة المجلس المحلي، أو مشاركة المجلس أرباح المؤسسة العسكرية من وراء تلك المشاريع بصورة غير شرعية".

ولم تشهد مصر أي انتخابات محلية منذ عام 2008، والتي هيمن عليها (آنذاك) الحزب الحاكم إبان حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، إلا أن المجلس العسكري أصدر مرسوماً في عام 2011، يقضي بتشكيل مجالس محلية مؤقتة إلى حين إصدار قانون المحليات الجديد، والذي اقترب من عامه الثاني عشر، وهو لا يزال يراوح مكانه.

وفي 1 أغسطس/آب 2016، قال السيسي ضاحكاً في كلمته بمنتدى تأهيل الشباب للقيادة: "المحليات مليئة بالفساد. هاعمل إيه طيب!". وتعهد الرئيس المصري أكثر من مرة بإجراء الانتخابات المحلية، لكن مر العام تلو الآخر من دون انتخابات، أو حتى إقرار لقانون الإدارة المحلية، الذي اختفى داخل أدراج مجلس النواب على الرغم من إعداده وتقديمه من قبل الحكومة.


لم تشهد مصر أي انتخابات محلية منذ العام 2008

ودانت محكمة عسكرية مصرية، في 24 إبريل 2018، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، القاضي البارز هشام جنينة، بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة، إثر حوار أجراه معه صحافي، تضمن معلومات هامة على لسان جنينة، منها ما يتعلق بتفشي الفساد المالي داخل مؤسسات الدولة.

وأثناء توليه رئاسة أكبر جهاز رقابي في مصر، كشف جنينة عن الكثير من وقائع الفساد في أجهزة الدولة، قُدرت بنحو 600 مليار جنيه (نحو 75 مليار دولار بسعر الصرف في حينه) خلال ثلاثة أعوام فقط، ما دفع السيسي إلى إصدار تشريع يسمح له بعزل رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية. وأقره مجلس النواب السابق فور انعقاده في يناير/كانون الثاني 2016.

لا رقابة على صندوق "تحيا مصر"

وحصلت "العربي الجديد" في وقت سابق على معلومات موثقة من جهاز المحاسبات، تؤكد تلقي الجهاز تعليمات صريحة من رئاسة الجمهورية، بعدم مباشرة أي دور رقابي على أموال وأنشطة صندوق "تحيا مصر"، سواء على المستوى المحاسبي أو القانوني، كاستثناء وحيد من بين كل الجهات التي تدير المال العام، والتي نص الدستور المصري على خضوعها لرقابة الجهاز.

وأظهرت المستندات وجود صراع خفي بين أجهزة الدولة المسيطرة على الصندوق من جهة، وإدارة الجهاز، برئاسة جنينة، قبل أشهر قليلة من صدور قرار السيسي بعزله من منصبه عام 2016، بسبب رفض تلك الأجهزة خضوع الصندوق بأية صورة للرقابة، والذي لم ينشر أي قوائم مالية منذ إنشائه في أعقاب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، في ظل انعدام الرقابة الرسمية على المليارات من أمواله.

وبلغ حجم الفساد المرصود رسمياً في المحليات (البلديات) في 3 محافظات مصرية فقط من أصل 27، وهي القاهرة والجيزة والقليوبية، خلال السنوات الثلاث التي عاشتها مصر عقب الانقلاب العسكري على الرئيس الراحل محمد مرسي، ما يزيد على 8 مليارات جنيه (نحو مليار دولار بحسب السعر الرسمي وقتها)، وذلك بإجمالي أكثر من 7 آلاف قضية وبلاغ ومحضر عن قضايا الفساد في المحليات.

من جهتها، لم تدرج الحكومة المصرية مخصصات مالية لإجراء انتخابات المحليات في الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2022-2023، ما يظهر نيتها عدم إجراء هذه الانتخابات من الأصل، بحجة صعوبة ضمان موالاة أكثر من 50 ألف عضو مجلس محلي منتخب على مستوى الجمهورية، وخطورة تفلت عناصر مناوئة للنظام في هذه المجالس، بما يشكل خطورة على استقراره في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.

وتعاني مصر من أزمة اقتصادية تهدد استقرار النظام بفعل تداعيات الحرب في أوكرانيا، وما صاحبها من موجات ارتفاع غير مسبوقة في أسعار جميع السلع الغذائية، وصلت في منتجات أساسية كالجبن إلى نحو 70 في المائة، في مقابل 50 في المائة في المتوسط لأسعار المخبوزات، و30 في المائة لأسعار اللحوم والدواجن.

المساهمون