فرض اعتقال أقارب وأصدقاء للبرلماني المصري السابق، الرئيس السابق لحزب "الكرامة" أحمد الطنطاوي، الذي كان قد لمّح إلى نيته خوض السباق الرئاسي في مصر المقرّر العام المقبل، وأكد عزمه على العودة إلى مصر (اليوم السبت) بعد مكوثه في بيروت منذ نهاية 2022، نفسه على الحوار الوطني في مصر الذي انطلق الأربعاء الماضي، إذ تبع ذلك إعلان "الحركة المدنية الديمقراطية" أنها "تدرس مسألة الاستمرار في الحوار في ظلّ هذه الأجواء".
وألقت السلطات المصرية، الأربعاء الماضي، القبض على اثنين من أقارب الطنطاوي، وهما عمّه محمد نجيب الطنطاوي، وخاله محمد سيد أحمد عطية، فضلاً عن 3 من أصدقائه المقربين الذين عملوا معه سابقاً في حملة ترشحه لانتخابات مجلس النواب، وعدد من أنصاره، وذلك قبل يومين من عودته المقرّرة إلى مصر، حيث تمّ عرضهم على نيابة أمن الدولة العليا، بعد توجيه اتهامات لهم بالانضمام إلى "جماعة إرهابية".
وقررت نيابة أمن الدولة العليا، مساء الخميس، حبس الموقوفين وعددهم 12، لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات. وجاء قرار الحبس على ذمة القضية رقم 2397 حصر أمن دولة عليا، والمتهمين فيها "بعمل تجمعات يزيد عدد أفرادها المنضمين إليها عن 5 أفراد في كل تجمع وذلك دون الحصول على إذن أمني أو أخذ تصريحات بشأنها". كما وجهت النيابة إليهم تهمة "حيازة ألعاب نارية محظور تداولها (شماريخ) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً"، وأيضاً تهمة "حيازة منشورات ولافتات دعائية بعضها انطوى على عبارات عدائية وأخرى مناهضة للدولة". كما وجهت إليهم تهمة "الانضمام إلى جماعة إرهابية والسعي لتحقيق أغراضها داخل الدولة المصرية، وجمع وتلقي الأموال والتمويلات وإنفاقها في أمور بعضها تخص أموراً دعائية خاصة بالنائب السابق أحمد الطنطاوي، وذلك في غير المسار القانوني المحدد لجمع الأموال وإنفاقها".
الطنطاوي متمسك بالعودة لمصر
ورداً على ذلك، شدّد الطنطاوي، في كلمة مصورة بثها على حسابه الرسمي بموقع "فيسبوك"، فجر أمس الجمعة، وقبيل تحركه للعودة إلى مصر، أنه "متمسك بموقفه، رغم ألمه الشديد جراء ما تعرضت له أسرته وأصدقاؤه وأنصاره"، داعياً السلطة في مصر إلى "التحلي بالشرف في الخصومة"، ولافتاً إلى أنه "طلب من أسرته وأنصاره عدم استقباله في المطار لدى وصوله إلى القاهرة".
قد يسبب الإفراج عن المعتقلين غضب أجهزة أمنية مسؤولة عن قرار الاعتقال
وأفادت مصادر قريبة من الطنطاوي عن "تلقيه تلميحات لدفعه إلى التراجع عن قرار العودة إلى مصر، وأن هناك احتمال إلقاء القبض عليه من المطار واعتقاله، وأن الهدف من القبض على اثنين من أقاربه وعدد من أعضاء حملته ومؤيديه، هو ترهيبه من فكرة العودة والإصرار على خوض الانتخابات الرئاسية. وكان الطنطاوي قد لمّح في مارس/ آذار الماضي إلى نيته خوض السباق الرئاسي المقرر في 2024، والعودة إلى مصر في 6 مايو/ أيار الحالي، لـ"تقديم البديل المدني الديمقراطي الذي تحتاج إليه مصر"، على حدّ تعبيره في بيان مقتضب بثه على حساباته الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي.
وبينما قالت مصادر من داخل الحركة إن اتصالات جرت مع مسؤولين رسميين، أشارت إلى احتمال إخلاء سبيل المعتقلين من أسرة الطنطاوي في أقرب وقت، منعاً لمزيد من الإحراج داخل مكونات الحركة، فقد رأت مصادر قريبة من الدوائر الرسمية أن ذلك ربما يسبب غضب أجهزة أمنية مسؤولة عن قرار الاعتقال.
وتوفرت معلومات تفيد بأن هناك مقترحاً بأن يتم إخلاء سبيل أقارب الطنطاوي، بعد أيام وليس على الفور، للخروج من هذا المأزق، خصوصاً أن بعض المشاركين في الحوار نصحوا دوائر رسمية بأن خطوة الاعتقال نفسها ستزيد رصيد الطنطاوي، سواء أصرّ على العودة إلى مصر في الموعد الذي حدّده، اليوم السبت، أو اضطر إلى تأجيله، وأن إخلاء سبيل أقاربه ربما يُقوّي موقف الفريق الذي يؤيد الاستمرار في الحوار بمواجهة دعوات الانسحاب، وأن المحصلة النهائية لذلك هي تحسين صورة النظام في أنه أبدى حسن نيته في جدية الحوار، ولو من حيث الشكل.
وكانت "الحركة المدنية" قد لمّحت، فجر أمس، في بيان، إلى إمكانية عدم المضي في مشاركتها في الحوار، معتبرة أنه "رغم انحيازها الواضح لخيار الحوار، وتقديرها للإشارات الإيجابية التي ظهرت في جلسة افتتاح الحوار، إلا أنها تعيد التذكير بأن نجاح الحوار من ناحية، واستمرار الحركة في فعالياتها من ناحية أخرى مرهون بتوفير الأجواء المناسبة، وعلى رأسها مدى توفر الأمن والأمان للأطراف المتحاورة كافة". وشدّدت الحركة على أن "هذه الممارسات لا يمكن فهمها سوى بأنها ممارسات تقف خلفها إرادة واعية لاستبعاد الحركة من الحوار، وهو ما يعني إفشال الحوار نفسه".
نصح مشاركون في الحوار دوائر رسمية بأن خطوة الاعتقال نفسها ستزيد رصيد الطنطاوي
وقال البيان إن الحركة المدنية الديمقراطية "تعلن أنها ستدرس بكل عناية التطورات المعيقة لنجاح الحوار، لكي تحدد مدى جدوى استمرارها في المشاركة، وستتحلى في هذا الصدد، بأقصى درجات ضبط النفس، ولكنها تؤكد مجدداً أن الاستمرار في ظل هذه الأجواء أمر بالغ الصعوبة".
مأزق المشاركة في الحوار
عضو الحركة المدنية ورئيس حزب الدستور السابق علاء الخيام، الذي سبق أن أكد رفضه المشاركة في كل ما يخص الحوار الوطني، وصف بيان الحركة المدنية الأخير في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بقوله "أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، وعلى الحركة المدنية التركيز على أهدافها الأساسية، والاقتراب من المواطنين الذين يثقون بها، وللأسف فقدوا تلك الثقة بمشاركة الحركة المدنية في الحوار الوطني، وما زالت الفرصة قائمة للحركة لاستعادة ثقة المواطن، إذا تبنت خطاً واضحاً وصريحاً بما يليق بالمعارضة المصرية".
وأضاف الخيام: "ما حدث مع أحمد الطنطاوي يؤكد عدم وجود رغبة لدى النظام للتغيير والتعديل، والمطلوب من الحوار الوطني أن يكون أمراً تنشغل به المعارضة المصرية لفترة غير معلومة من الزمن (لسنة أو اثنتين أو ثلاث)، حوار ممتد ليس له سقف زمني، بحسب كلام ضياء رشوان (المنسق العام للحوار الوطني)، ولديه خطوط حمراء في 3 مواضيع ممنوع الحديث عنها، لتنشغل القوى السياسية عن الحديث الأهم، وهو البديل المدني وانتخابات الرئاسة".
ولفت الخيام إلى أنه "إذا كنا نتحدث عن مناخ سياسي جيد وحوار وطني كما يدعي النظام، فمن المفترض ألا تحدث مثل هذه الممارسات من استهداف أقارب وأنصار الطنطاوي"، معتبراً أن "هذا الأمر يعيدنا إلى الخلف، ويذكّرنا بأنه كان لا يجب أن نتحاور من دون ضمانات يقدمها النظام".
ورأى عضو الحركة المدنية أنه من الضروري على القوى السياسية في مصر توحيد صفوفها والتوافق على مرشح واحد (رئاسي) لتمثيلها، وهو يجد في الطنطاوي أحد أفضل الأسماء المطروحة.
من جهته، كشف قيادي في حزب الكرامة المصري الذي كان يرأسه الطنطاوي قبل مغادرته مصر في نهاية العام الماضي، أن "القبض على أفراد عائلة الطنطاوي وأصدقائه، والذي جاء ليلة انطلاق الحوار الوطني، هو الذي وضع قيادة حزب الكرامة، التي كانت تدعم المشاركة في الحوار، في مأزق".
وأوضح القيادي في الحزب، الذي تحدث لـ"العربي الجديد" شريطة عدم ذكر اسمه، أن "مفاوضات جرت على مدار ساعات عدة منذ مساء الثلاثاء الماضي، وحتى صباح الأربعاء، بهدف ثني المسؤولين في الأجهزة الأمنية عن تلك الخطوة، وإطلاق سراح أفراد عائلة وأصدقاء الطنطاوي، قبل انطلاق فعاليات جلسة الحوار الوطني، وهو ما لم يحدث". وأكد أن "الإجراء الذي استبق عودة الطنطاوي إلى مصر، جاء بمثابة إعلان وفاة مبكرة للحوار الوطني".
ورصدت حملة "حتى آخر سجين"، أعداد المعتقلين أو المفرج عنهم على هامش الحوار الوطني، مشيرة إلى اعتقال 22 شخصاً، بينهم امرأتان، في مقابل الإفراج عن 5 معتقلين منذ انطلاق الحوار الوطني رسمياً.