شهد الحراك الشعبي في محافظة السويداء جنوبي سورية، الذي دخل يومه الثمانين، حضوراً لافتاً لنقابات المهندسين والمعلمين والمحامين، في رسالة باتت واضحة للسلطة الحاكمة وللعالم، مفادها أن هذه التجمعات النقابية الرافضة للفساد السياسي والإداري على أهبة الاستعداد لتكون المرشّح والبديل لإدارة المؤسسات الخدماتية، وتفعيل القانون، واستقلال القضاء، وتغيير مناهج التعليم المرسومة على مقاس الحاكم.
وكان لهذه التجمعات مفعول الطمأنة، بحيث إن الحراك الشعبي بدأ يفرز اختصاصات ما زالت على رأس عملها في المؤسسات العامة.
ويقول الناشط الإعلامي علي الحسين، في حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ دخول هذه التجمعات المنظمة إلى ساحة الكرامة (مركز الاحتجاجات والمظاهرات في قلب مدينة السويداء) عزّز الحراك الشعبي على المستوى التنظيمي، وأعطى حالة من الرضا والفخر للحضور بمشاهدة هذه النقابات الأساسية في حياة المجتمع تقوم بدورها المنظم من الشارع وإليه، وأوحى للجميع بأن المؤسسات الخدمية التي تمس الحياة العامة لن تتعثر أو تفشل، وستكون بأيدٍ أمينة عند التغيير.
وكان تجمع المحامين، الذين شاركوا للمرة الأولى تحت راية تجمع محامي السويداء، لافتاً من حيث الحضور، خصوصاً أنه تميز منذ بداية الثورة السورية بأكثر من موقف، وخاصة ببيان فرع نقابة السويداء الذي وقف مع المتظاهرين وطالب بالتغيير السياسي عام 2011، إذ يعد ذلك البيان الشهير من المواقف النادرة حتى اليوم في الثورة، كما شارك المحامون في الدفاع عن المعتقلين في سجون النظام.
وقال المحامي نضال غزالة إنّ المحامين، كباقي مكونات الانتفاضة السلمية في السويداء، يرون أن مدخل البناء تغيير سياسي وفق القرار الأممي 2254، وأن الطموح هو دولة مدنية ديمقراطية من مقوماتها سيادة القانون، وفصل السلطات، واستقلال القضاء، واحترام وصون الحريات العامة. وأضاف: "كجزء من الانتفاضة نرى أن الحقوق التي تصونها الدساتير والمواثيق والقوانين الدولية لا تُطلب من فاقدي الشرعية، بل ننتزعها ونستردها ممن اغتصبها منّا، وبالطريقة التي تعبر عنها ساحات السويداء".
كذلك انضم إلى ساحة الكرامة من جديد تجمع المهندسين الزراعيين، الذي أضاف إلى جانب التجمعات الثلاثة (المهندسين والمعلمين والمحامين) صيغة نقابية للشهر الثالث من الحراك الشعبي.
ويقول أحد المهندسين الزراعيين، في حديثه مع "العربي الجديد"، إن "أبناء الوطن يعيشون ضمن أسوأ الظروف الإنسانية، فالواقع السياسي الرديء والاقتصادي المزري والأمني لا يفرق بين عامل ومهندس ومعلم وفلاح، فالجميع يعاني من سلطة الأمر الواقع، والجميع ينشد الخلاص من هذه السياسات التي دمرت الاقتصاد وهجّرت العقول".
وأشار المتحدث إلى أن "المهندسين من جميع الاختصاصات ربما يكونون الأكثر معرفة بعمليات فساد الإدارات وإفساد الموظفين، والأكثر قدرة على التصدي لهذا الواقع، وبناء على هذا قرروا أن يكونوا بين أهلهم للمطالبة بالتغيير والحرية، متجاوزين أية نتائج وعواقب على صعيد الوظيفة والعمل والملاحقات الأمنية".
إلى ذلك، كان لتجمع معلمي السويداء حضوره المفاجئ، خلال الأسبوعين الماضيين، مع وجود رأي عام محلي بأنهم الشريحة الأكثر تأثراً بالوضع الاقتصادي والشريحة التي حافظت إلى حد كبير على عملية التربية والتعليم، رغم الضغوط السياسية والاقتصادية التي تعرضت لها خلال السنوات السابقة، حيث فُصل العديد منهم من السلك التعليمي فصلاً تعسفياً نتيجة لمواقف مؤيدة للثورة السورية.
وتقول المدرسة هنا ناصر، لـ"العربي الجديد"، إنّ المعلمين هم "الشريحة الأكثر تعرضاً للقمع والاضطهاد في هذا الوطن، ونتعرض بشكل دائم لمحاولات الابتزاز والمساومة والمقايضة بين التخلي عن شرف المهنة وترك أجيال تضيع في الشارع، وبين البقاء في السلك التعليمي مقابل الرضوخ لمناهج وطرق تعليمية فاقدة للمنطق والحقيقة ومزيفة للتاريخ (...) وكل هذا مقابل أجور ورواتب شهرية بخسة".
وأضافت ناصر: "نحن في تجمع معلمي السويداء نمثل صوت المعلمين، ونمثل ضمير العلم ومستقبل التربية التي تنشد الحرية الفكرية والإبداع، وتبحث عن مستقبل لا يسمح بتدجين فكر الطفل تحت جناح أحزاب ومنظمات مؤدلجة تصنع من الأجيال روبوتات لا تفرق بين المواطنة الحقة والعبودية".
ويحاول النظام السوري شنّ هجوم إعلامي غير رسمي على المنخرطين في تشكيل هذه التكتلات المهنية، خصوصاً أنه اعتمد على مدى 60 عاماً نهجاً يحاول تحزيب النقابات وصبغها بصبغة حزب البعث، لضمان استمرارها في نهب المال العام والتحكم بإدارات المرافق العامة كافة.
ويعتبر الناشط ظافر زين الدين أن "الاتجاه نحو التكتلات النقابية ضرورة لا بديل عنها، حيث تعتبر البذرة الأولى للعمل وفق مبدأ التكنوقراط، وخطوة من الخطوات الهامة لتطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية في العمل المؤسساتي، وفق المنصوص عليه في المادة 107 من الدستور السوري الذي جرى اعتماده عام 2012".