مخيم الهول... لغم مسكوت عنه في سورية

30 مارس 2022
تحوّل مخيم الهول إلى ما يشبه السجن الكبير (Getty)
+ الخط -

يسود الهدوء مخيم الهول في شمال شرقي سورية، الذي يضم عائلات مسلحين من تنظيم "داعش"، بعد اشتباكات وُصفت بـ"العنيفة" بين "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) و"قوى الأمن الداخلي" (الأسايش) من جهة، وبين خليّة من التنظيم من جهة أخرى، يبدو أنها حاولت السيطرة على قطاع من المخيم.

وقال مصدر مواكب لما يجري في المخيم، لـ"العربي الجديد"، إن مساء أمس الأول الاثنين شهد اشتباكات ضمن القطاعين الرابع والخامس في المخيم. وأشار إلى أنّ عناصر "الأسايش" (قوى الأمن الداخلي لدى "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية)، قتلوا عنصراً من خلايا تنظيم "داعش" كان يحاول تفجير نفسه داخل المخيم.

فرض طوق أمني حول مخيم الهول

وأوضح المصدر أنّ "قسد" أرسلت تعزيزات أمنية وعسكرية من قوات "الكوماندوس" التابعة لها إلى أطراف المخيم، بُغية فرض طوق أمني، في ظل تحليق مكثف للمروحيات التابعة للتحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، في سماء المخيم.

تسببت المواجهات داخل المخيم بمقتل امرأة وطفل، وإصابة 4 نساء و6 أطفال

ولفت إلى أنّ قوات "الأسايش" قامت بعمليات دهم واعتقال ضمن القسمين الرابع والخامس، واعتقلت عدة أشخاص، في ظل انتشار أمني مكثف داخل المخيم، بالتزامن مع فرض حظر تجوّل كلي على جميع الأقسام. وأشار المصدر إلى أن المنظمات الإنسانية العاملة في المخيم علّقت عملها بسبب الوضع الأمني الخطر.

من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن المواجهات داخل المخيم تسبّبت بمقتل امرأة وطفل، وإصابة 4 نساء و6 أطفال، بالإضافة إلى مقتل عنصر من خلايا التنظيم. ولطالما شهد المخيم عمليات تصفية وقتل، وحرق خيم لعائلات، تقوم بها على الأغلب خلايا للتنظيم داخله، قتلت عاملاً في المجال الطبي مطلع العام الحالي. 

وتُقدّم منظمات دولية مساعدات لقاطني المخيم، الذي تحوّل إلى ما يشبه السجن الكبير، غير مضبوط أمنياً من قبل "قوات سورية الديمقراطية"، وهو ما أدى إلى نشاط إجرامي متواصل أدى إلى مقتل وإصابة المئات من قاطني المخيم.

15471 عائلة في مخيم الهول

وبيّن شيخموس أحمد، وهو رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في "الإدارة الذاتية" لشمال شرق سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المخيم يضم 15471 عائلة، بعدد أفراد مجموعه 56537. وأشار إلى أن عدد العائلات السورية يبلغ 5217 بعدد أفراد 18869، وعدد العائلات العراقية 7847 بعدد أفراد 29428، بينما عدد العائلات الأجنبية 2407 بعدد أفراد 8240.

وحمّل أحمد المجتمع الدولي المسؤولية الكاملة عما يحدث في مخيم الهول، مشيراً إلى أن "3 سنوات مرت على انهيار تنظيم داعش في شمال شرقي سورية، وحتى الآن لم يخطُ المجتمع الدولي خطوة واحدة باتجاه حل المعضلة الأمنية والاجتماعية في المخيم".

وناشد الأمم المتحدة "الضغط على الدول لاستعادة رعاياها من المخيم، واستعادة المسلحين التابعين لهذه الدول والموجودين في سجون الإدارة الذاتية، أو إنشاء مراكز تأهيل للعائلات الموجودة في المخيم وتقديم الدعم الكافي للإدارة الذاتية للقيام بذلك".

وأشار أحمد إلى أن الخطر الأمني على المخيم "سيظل موجوداً ما دامت هناك تهديدات تستهدف شمال شرقي سورية"، مضيفاً: "هناك خلايا للتنظيم غربي العراق، ليس بعيداً عن المخيم، ما يعني وجود مخاوف من مهاجمة المخيم من قبل التنظيم".

بيئة خصبة للتطرف

وفي السياق، دعا الباحث السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "إخراج الأطفال من المخيم لأنه يعد بيئة خصبة لإنتاج التطرف"، مضيفاً: "يجب إعادة تأهيل ورعاية هؤلاء الأطفال والعائلات عموماً". 


شيخموس أحمد: المخيم يضم 15471 عائلة، بعدد أفراد مجموعه 56537

وأشار إلى "وجود نحو 20 ألف طفل عراقي داخل المخيم"، موضحاً أن الحكومة الفرنسية بصدد استعادة من 100 إلى 130 طفلاً من أصل 200 يحملون الجنسية الفرنسية، مضيفاً: استعادت فرنسا سابقاً 25 طفلاً يتيماً.

وبيّن مسلم أن "حِمل المخيمات أكبر من طاقات الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية"، مضيفاً أن "على دول التحالف الدولي ضد الإرهاب تحمّل مسؤوليتها إزاء هذا الملف الشائك. بقاء هذا المخيم يجعل الجميع شركاء في إنتاج تنظيم متطرف في المستقبل، لأن هذه البيئة تولد الحقد لدى الأطفال".

ويقع مخيم الهول في ريف الحسكة الجنوبي الشرقي غير بعيد عن الحدود السورية العراقية. وتحول بدءاً من عام 2017 إلى ملاذ لعائلات مسلحي تنظيم "داعش" في ذروة الحملة عليه في سورية والعراق، والتي أدت إلى القضاء عليه في شمال شرقي سورية والحد من عملياته إلى حد بعيد في العراق، بينما ما يزال نشطاً بقوة في البادية السورية الخاضعة للنفوذين الروسي والإيراني. وكان المخيم يضم أعداداً أكبر، إلا أن بعض الدول استردت بعض مواطنيها، خصوصاً من الأطفال والنساء، ما أدى إلى تناقص العدد عدة آلاف.

ومنذ الهجوم واسع النطاق الذي شنه "داعش" على سجن في الحسكة، يضم آلاف المسلحين التابعين له، في يناير/كانون الثاني الماضي، تتخوف "الإدارة الذاتية" من هجوم مماثل، ربما يعد له التنظيم للسيطرة على مخيم الهول بشكل كامل.

تركيز على استعادة الأطفال اليتامى

وطالبت "الإدارة الذاتية" الدول التي تنتمي إليها العائلات الموجودة في مخيم الهول باستعادتها. إلا أن هذه الدول لم تفعل الكثير، إذ تركز هذه اهتمامها على استعادة الأطفال اليتامى. وكانت الحكومة العراقية استعادت منذ أيام نحو 450 عائلة عراقية من مخيم الهول، ونقلتهم إلى مخيم الجدعة العراقي في محافظة نينوى.


دعا إبراهيم مسلم إلى إخراج الأطفال من المخيم لأنه يعد بيئة خصبة لإنتاج التطرف

من جهته، وصف مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديث مع "العربي الجديد"، مخيم الهول في ريف الحسكة بـ"مركز احتجاز". وقال: "من يقطن في المخيم لا حرية له بالدخول والخروج منه، ما يعني أن الموجودين في الهول محتجزون، فهم لا يستطيعون الخروج منه. نحن في الشبكة نطلق عليهم صفة المحتجزين، وبينهم آلاف السوريين".

ورأى عبد الغني أن "قسد" التي تسيطر على المخيم "فشلت في إدارته بشكل كبير، وفشلت في تلبية احتياجات المحتجزين من الجوانب كافة". ودعا إلى إسناد مهمة إدارة المخيم "إلى جهة مختصة، إما تكون أممية أو مؤسسة مجتمع دولي لديها استقلالية عالية"، مضيفاً: "يجب أن يكون لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية دور في (إدارة) هذا المخيم".