محمود عباس.. 18 عاماً من التفرد

15 يناير 2023
أبرز ما يميز سنوات حكم أبو مازن حسب متابعين هو تفرده المطلق بالحكم (Getty)
+ الخط -

يوافق اليوم الأحد الذكرى الثامنة عشرة لتولي الرئيس محمود عباس (أبو مازن) رئاسة السلطة الفلسطينية، كما يوافق آخر انتخابات رئاسية، تلتها بعام انتخابات تشريعية، ولم تتكرر أي منهما حتى اليوم، ليصبح عباس رئيسًا متفردًا بالحكم، ومسيطرًا على السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية.

 لكن أوساطاً في السلطة ومنظمة التحرير ترى في وجود عباس على رأس السلطة الفلسطينية فصلاً من سياسة المقارعة لشعب يرزح تحت الاحتلال والمحافظة على الثوابت الفلسطينية.

ويرى قانونيون وسياسيون أن أبرز ما يميز سنوات حكم أبو مازن، التي بدأت في الخامس عشر من يناير/ كانون الثاني 2005 واستمرت حتى الآن، هو تفرده المطلق بالحكم، وسطوته على السلطات الثلاث، وإحكام قبضته على السلطة ومنظمة التحرير وحركة "فتح"، التي تعاني جميعها من أزمات عميقة زاد الاحتلال وممارساته حدتها.

ولعل أبرز الأزمات السياسية الفلسطينية الداخلية العميقة تنعكس في استمرار الانقسام الداخلي منذ عام 2007 وحتى الآن، بين حركتي "فتح" و"حماس"، وتكلّس منظمة التحرير وتراجع دورها بشكل كبير، وإحداث سلسلة تغييرات قانونية وسياسية، بحيث يصبح التداول السلمي على السلطة في حال غياب عباس (87 عاما) أمراً مشكوكاً فيه.

تفرد غير مسبوق

ويرى الخبير القانوني عصام عابدين في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن عباس "قلب المنظومة التشريعية الفلسطينية رأساً على عقب، وأصدر سيلًا من القرارات بقانون أحكم بموجبها قبضته على السلطات الدستورية الثلاث، وأطاح بمؤسسات المجتمع المدني والنقابات، وهذا تفرد غير مسبوق منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994".

وعلى مدار عشر سنوات (1996-2006)، أصدر المجلس التشريعي الفلسطيني، وفق عابدين، 87 قانوناً، بينما أصدر "أبو مازن" منذ توليه رئاسة السلطة نحو 400 قرار بقانون، ما يعادل عمل "التشريعي" لأكثر من 45 عاماً.

تشريعات الانقسام والسيطرة على الحكم

الرئيس عباس عمّق الازدواجية في التشريعات بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وفق عابدين، الذي يؤكد ظهور ما يسمى "تشريعات الانقسام"؛ أي قرارات عباس بقانون، وتسري في الضفة فقط دون غزة.

وكان أول قرار بقانون حول الانتخابات العامة عام 2007، الذي حوّل الانتخابات من النظام المختلط إلى التمثيل النسبي الكامل، وأضاف شرطاً للقانون مفاده الالتزام بقرارات منظمة التحرير للمرشحين، بهدف قطع الطريق على "حماس" بأي انتخابات قادمة.

وذكر الخبير القانوني أن أبرز القرارات بقانون التي أصدرها الرئيس عباس وأدت إلى تفكك النظام السياسي، قانون السلطة القضائية الذي أطاح بالقضاء، وجمع بين السلطتين التنفيذية والقضائية، حيث تم على مرحلتين، الأولى عام 2019 بتشكيل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، والثانية عام 2020 بإصدار قانون غيّر فيه كل معالم قانون السلطة القضائية الذي أقره المجلس التشريعي.

بعد ذلك، ووفق عابدين، تم استهداف الجمعيات والاتحادات بعدة قرارات بقانون، وكذلك الشركات غير الربحية، بحيث ينحصر تأسيسها واستمرارها بعملها بالخضوع للأجهزة الأمنية التي تمنحها الموافقة للعمل.

وكان آخر هذه القوانين، حسب المصدر ذاته، قانون "مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب" في أغسطس/ آب 2022، حيث ألغى جميع القوانين المشابهة التي سبقته، وشدد الخناق على الجمعيات والأحزاب والشخصيات الرسمية لتكون تحت سيطرته، إضافة لعدة قوانين سلبت الحكومة صلاحياتها وربطت هيئات حكومية مستقلة بالرئيس مباشرة، مثل هيئة التقاعد العامة حسب القرار بقانون الذي صدر في أكتوبر/ تشرين الثاني 2022.

وحسب عابدين، فإن من أخطر القوانين التي أصدرها عباس قانون ديوان الرئاسة الذي خلق حكومة موازية داخل الحكومة، وتم الإعلان عنه فترة الطوارئ بجائحة "كورونا" في فبراير/ شباط 2020.

نظام رئاسي شامل

وبعد قرار عباس حل المجلس التشريعي 2018، وإصدار تعديلات على قانون السلطة القضائية، أصبح هناك نظام رئاسي شامل يستولي في الممارسة المباشرة على السلطات الثلاث، وفق ما يؤكده لـ"العربي الجديد" عزمي الشعيبي، عضو المجلس السابق في "التشريعي" والرئيس السابق لائتلاف "أمان".

ويقول الشعيبي إن الرئيس عباس "مارس سياسات ألغى بموجبها العقد الاجتماعي الذي يعبّر عنه القانون الأساسي من خلال الفصل بين السلطات ووجود نظام ديمقراطي قائم على أساس هذا الفصل".

ووفق الشعيبي، فإن الرئيس عباس لم يخالف فقط القانون الأساسي الفلسطيني بشأن حل المجلس التشريعي، بل المبادئ لوثيقة إعلان الاستقلال عام 1988، التي أكدت أن المشروع الوطني هو إقامة نظام ديمقراطي تقدمي، كما أن أبو مازن ألغى التداول السلمي للسلطة، ومارس تعيين الوظائف العليا كلها، ومنع إتاحة الفرص للكفاءات لشغل هذه الوظائف.

تكلس منظمة التحرير

وظهر تكلّس منظمة التحرير واضحاً بعد استقالة حنان عشراوي من عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، احتجاجًا على عدم إجراء إصلاحات مطلوبة وتفعيل منظمة التحرير وإعادة الاعتبار لصلاحياتها ومهامها، واحترام تفويض اللجنة التنفيذية للمنظمة التي تعاني التهميش، مطالبة بتداول ديمقراطي للسلطة.

لكن استقالة عشراوي ومطالبات إصلاح منظمة التحرير من الشخصيات الوطنية والحزبية لم تلق أي آذان صاغية، حيث قام الرئيس عباس بتعيين عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" المقرب منه حسين الشيخ أمينًا لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير دون تصويت أو إجماع في مايو/أيار الماضي.

في حين، يرى الشعيبي أن "عباس يصرّ على استمراره في ذات الأسلوب الذي كان يتبعه مع الاحتلال الإسرائيلي فترة التفاوض السلمي، رغم أن الاحتلال أدار ظهره لكل الاتفاقيات السلمية مع المنظمة، ورغم صدور قرارات المجلس المركزي بشأن تحديد العلاقة مع الاحتلال، لكن عباس لا يبدي مؤشرات بتنفيذها.

عباس يصرّ على استمراره في ذات الأسلوب الذي كان يتبعه مع الاحتلال الإسرائيلي فترة التفاوض السلمي

يقول الشعيبي: "بعد 18 عاماً من حكم (أبو مازن)، فإن إسرائيل تتقدم وتسيطر على الأرض وتستمر بمشروعها الصهيوني، مقابل جمود فلسطيني وتراجع في كل مناحي التحرر الوطني".

حرب داخلية صامتة في "فتح"

على الصعيد الداخلي لحركة "فتح"، التي يترأسها أبو مازن، فإن أخبار تسريبات الوثائق والتسجيلات الصوتية والفصل من الحركة للأعضاء تسيطر على المشهد، وتعكس جزءاً من الحرب الصامتة التي تدور بين قيادات الصف الأول للحركة.

ويقول عضو المجلس الثوري لحركة فتح فخري البرغوثي، لـ"العربي الجديد": "منذ استلام (أبو مازن) رئاسة الحركة، والأخيرة تتفتت أكثر، لأن اللجنة المركزية والمجلس الثوري وجودهما شكلي ليس أكثر".

ويرى البرغوثي أن ""فتح" كانت بالصف الأول في كل شيء، لكنها اليوم ضعيفة بسبب قيادتها التي أضرت الحركة"، وقال: "الحركة أصبحت تتبع أشخاصًا وشركات، وأبعدت أبناءها الحقيقيين في الميدان الذين دفعوا أثمانًا باهظة من دمهم وحريتهم، وكل ما تقوم به قيادة الحركة هو إصدار بيانات الإدانة والاستنكار رداً على جرائم الاحتلال".

ومنذ صيف 2021، يجتمع المجلس الثوري لحركة "فتح"، ويقصي عن اجتماعاته أعضاء المجلس الثوري، الذين شاركوا في قائمة "الحرية الانتخابية" المنبثقة من تحالف القياديين الفتحاويين ناصر القدوة ومروان البرغوثي، حيث تم إقصاء فدوى البرغوثي زوجة مروان، وجمال حويل، وفخري البرغوثي على سبيل المثال.

ومنذ تولي الرئيس عباس رئاسة الحركة تم فصل أعضاء في اللجنة المركزية دون تصويت وقرار من اللجنة، مثل محمد دحلان وناصر القدوة.

 وقام الرئيس عباس في يناير/ كانون الثاني 2021 بسن قانون يحول دون ترشح القيادي الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي للانتخابات الرئاسية، لكنه تراجع عن القرار بعد تهديد البرغوثي بأنه سيقود قائمة انتخابية للمجلس التشريعي، وبالفعل تراجع أبو مازن عن تعديله القانوني عبر نشر تنويه في مجلة "الوقائع" الخاصة بالقوانين الفلسطينية يوم 18 مارس/آذار2021.

إجراء الانتخابات غير مناسب؟

وكان من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية- الأولى منذ عام 2006- في مايو/ أيار ويوليو/ تموز 2021، لكن الرئيس أبو مازن قرر إلغاءها قبل يوم من الدعاية الانتخابية بذريعة أن الاحتلال يمنع تنظيمها في القدس، وشهد إعلان الانتخابات التي لم تر النور انقسامات وخلافات حادة داخل قيادات "فتح" وصلت إلى إطلاق النار في بعض المناطق غضباً من ترتيب القائمة الرسمية للحركة، فيما ذهبت قيادات وازنة بالحركة لتشكيل قوائم بعيدة عن المظلة الرسمية للحركة، ما تسبب في عقابهم وإقصائها لاحقًا.

ويرى السفير في ديوان الرئاسة الفلسطينية، محمد عودة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الرئيس محمود عباس يتمتع بصفة رئاسية قانونية، فهو رئيس منظمة التحرير المتفق عليه منذ عام 2018، "أيّ رئيس كل فلسطيني بالداخل والخارج"، مشيرًا إلى أن "إجراء انتخابات رئاسة السلطة غير مناسبٍ في الوقت الحالي؛ على اعتبار أن السيادة الفلسطينية غير كاملة على كل المناطق، إضافة لوجود طرفٍ فلسطيني (حماس) لا يريد إجراء الانتخابات إلا على مقاسه".

ويضيف عودة: "الرئيس حقق إنجازات عديدة خلال الـ18 عامًا الماضية، أهمها الحفاظ على الثوابت الوطنية التي أقرتها المجالس الوطنية، إضافة للمحافظة على الانضباط الأمني بشكل أفضل من دول الجوار، حيث يمشي المواطن في الشارع وهو بأمان، ومحاولة الرئيس المستمرة لإعادة وحدة الجغرافيا بين الضفة وغزة".

من جانبه، يوضح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد بيوض التميمي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الرئيس عباس منذ توليه الحكم، "يعيش حالة مواجهة دائمة مع الاحتلال، حيث حافظ على إرث الراحل ياسر عرفات، وكان ذلك واضحًا في خطابه الأخير بالأمم المتحدة"، داعيًا حركة حماس إلى "الدخول إلى منظمة التحرير والاعتراف بها، حيث إنها المظلة التي يقودها الرئيس عباس لمقارعة الاحتلال".

المساهمون