محللون إسرائيليون يدعون "فقدان الجيش السيطرة" لتبرئته من المسؤولية عن جرائم المستوطنين
اختار المحللون والمراسلون العسكريون في الصحافة الإسرائيلية، اليوم الإثنين، إبراز ما وصفوه بفقدان السيطرة على الأوضاع في الضفة الغربية وفشل الجيش في لجم المستوطنين ووقف اعتداءاتهم أمس على أهالي بلدة حوارة والقرى المجاورة لها، جنوب نابلس، في محاولة واضحة لتبرئة الجيش من مسؤوليته عن الاعتداءات الهمجية للمستوطنين.
وأسفر هجوم المستوطنين بمشاركة مسلحين ملثمين وتحت حماية قوات الاحتلال، عن استشهاد شاب فلسطيني والاعتداء على 30 منزلاً وإحراق 15 سيارة وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بجروح، خاصة في بلدة حوارة التي وقعت فيها عملية إطلاق نار قتل فيها مستوطنان برصاص مقاومين فلسطينيين.
واختار المحللون في الصحف الإسرائيلية عناوين لإظهار الجيش وجنوده وكأنهم كانوا عاجزين عن مواجهة المستوطنين أمس في حوارة، مثل عاموس هرئيل، الذي اختار عنوان "فقدان السيطرة"، في مقال له نشرته صحيفة "هآرتس"، ويوسي يهوشواع الذي اختار عنوان "فشل الأمن"، في مقاله بـ"يديعوت أحرونوت"، متناسين بشكل واضح أن قائد منطقة نابلس في الجيش، العميد أفي بلوط، وعدد كبير آخر من القادة الميدانيين في الضفة الغربية، هم من غلاة المستوطنين.
واعتبر تقرير موسع لعدد من مراسلي "يديعوت أحرونوت" في نسختها الورقية الهجوم والعدوان على بلدة حوارة بأنه "فقدان للسيطرة".
وتناسى المحللون في الصحافة الإسرائيلية ما كان قد أشار إليه رئيس الأركان الأسبق، رئيس الحكومة الأسبق إيهود براك، صباح اليوم، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أن "ردود" المستوطنين كانت متوقعة، وأنه كان ينبغي على الجنود وقادة الجيش منع المستوطنين أصلا من الوصول إلى بلدة حوارة. وأظهرت مقاطع فيديو مختلفة أن الجنود لم يبذلوا جهدا فعليا لصد المستوطنين وإخراجهم من بلدة حوارة والقرى المجاورة التي تعرضت لاعتداءات هي الأخرى.
"ليلة البلور"
وبرزت محاولة بعض المحللين في الشأن السياسي تحميل المسؤولية بشكل أساسي للمستوى السياسي، حتى عندما وصفوا، كما فعل ناحوم برنيع، في مقاله بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، الاعتداءات والحرب على بلدة حوارة بـ"ليلة البلور"، وهي الليلة التي يشار إليها عادة للتذكير بالاعتداءات النازية على محال اليهود في ألمانيا خلال الحكم النازي. وأشار برنيع في هذا السياق إلى أنه من الواضح أن منفذ العملية التي أدت لمقتل المستوطنين في حال سلم نفسه سيقضي حياته في السجن، أما في حال قرر المواجهة فسوف يقتل. في المقابل، أوضح أن "شبان" المستوطنين يعلمون جيدا أنهم قد يمضون في أحسن الحالات ليلة أو اثنتين في المعتقل وأن "أيادي الجنود مقيدة حيالهم".
وتطرق عاموس هرئيل إلى الاعتداءات على حوارة وسكانها والقرى المجاورة باعتباره فقدانا للسيطرة من قبل الجيش، من شأنه أن يقود لاشتعال الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، حيث بدا "وكأن الجيش والشرطة فقدوا السيطرة على ما يحدث وغير قادرين على صد الاعتداءات"، مضيفاً "هذه الأحداث من شأنها أن تشعل في الضفة الغربية مواجهات واسعة النطاق، تحذر منها المنظومة الأمنية منذ فترة طويلة". وأبرز هرئيل أن "الأحداث"، كما سماها، "تظهر بشكل واضح عجز رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن السيطرة على الواقع السياسي القائم".
إلى ذلك، أشار هرئيل إلى أنه اتضح في الأسبوع الماضي أن مجموعة "عرين الأسود" في نابلس، التي ظن الجيش أنه تمكن من السيطرة عليها قبل أربعة أشهر، لا تزال قائمة، وقد حل نشطاء جدد بدل الذين قتلهم الجيش أو اعتقلهم.
وتطرق هرئيل أيضا إلى اتفاق تقاسم الصلاحيات بين وزير الأمن يوآف غالانت وبين الوزير في وزارة الأمن، وزير المالية بتسليئيل سموطريتش، فقال إن الاتفاق يسمح لسموطريتش عمليا بتكريس منظومتي قوانين منفصلتين واحدة للمستوطنين وأخرى للمستوطنات، وهو ما يعني في الواقع الضم الزاحف، بحيث لن يكون بمقدور إسرائيل إنكار حقيقة اتجاهها لضم الضفة الغربية المحتلة، وسيكون هذا الأمر واضحا أيضا للمجتمع الدولي.
من جانبه، وصف المحلل العسكري لـ"يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشواع ما حدث بـ"الفشل الأمني"، لكنه لجأ إلى الذريعة الكاذبة التي يروج لها الاحتلال في الأعوام الأخيرة للتنصل من مسؤوليته عن التصعيد في الضفة الغربية المحتلة والقدس، وهي القول إن "رمضان قد حل وهو هنا الآن".
محاولات تبرئة
مع ذلك أشار يهوشواع، شأنه في ذلك شأن هرئيل، إلى أن ما حدث في حوارة أمس، قد يكون نقطة تحول تبقى حاضرة في الأذهان ليس فقط لارتباطها بمقتل المستوطنين وإنما لأنها وقعت بالتزامن مع انعقاد مؤتمر العقبة الأمني في الأردن، وأضاف أن الجيش الإسرائيلي كان قد توقع بعد مجزرة نابلس أن يكون هناك رد فلسطيني وليس فقط من غزة، بل أيضا من الضفة الغربية. واستعرض نتائج الاعتداءات على الفلسطينيين في حوارة والقرى المجاورة، وحرق عشرات البيوت والسيارات. وفيما أبرز دور ما يعرف بـ"الإدارة المدنية" في تخليص فلسطينيين كانوا عالقين في بيوتهم التي أحرقها المستوطنون، أشار يهوشواع إلى "اضطرار" رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى مطالبة المستوطنين بعدم "تنفيذ القانون بأيديهم" لأن قوات الأمن تطارد منفذ العملية.
واعتبر يهوشواع أن ما حدث كان فشلا مهما للمنظومة الأمنية كلها: الجيش والشرطة والمخابرات العامة (الشاباك)، وأكد أن الأطراف المذكورة ورغم حصولها على معلومات بعد عملية حوارة عن بدء تنظيم مجموعات المستوطنين مظاهرات واعتداءات، إلا أن المنظومة الأمنية كلها لم تتخذ إجراءات أو خطوات فعلية من أجل الاستعداد للسيطرة على المستوطنين قبل تنفيذهم الاعتداءات.
ومع محاولات تبرئة الجيش من مسؤوليته بتحليل أسباب "فشله" في السيطرة على المستوطنين أمس، دون تحديد المسؤولين المباشرين، قال المراسل العسكري في القناة الإسرائيلية العامة روعي شارون إن المسؤولية عما حدث تقع بشكل مباشر على قائد الجيش في الضفة الغربية، قائد المنطقة الوسطى، بحسب التسمية الرسمية في الجيش، وهو الجنرال يهودا فوكس، وعلى قائد فرقة يهودا والسامرة، العميد آفي بلوط، وقائد اللواء في منطقة نابلس، وخلص إلى أنه فشل واحد للجيش والشرطة ككل، وخصوصا أن الاعتداءات كانت متوقعة، وبحسب تعبيره، فقد "كان العنوان واضحا على الحائط" أمام أعين الجميع.
وانضم يوىف ليمور، المحلل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم"، إلى تحميل الجيش المسؤولية من حيث عدم استعداده لإمكانية قيام المستوطنين بعمليات اعتداء على الفلسطينيين بعد عملية حوارة، وقال إنه إذا كانت عملية حوارة غير متوقعة، فإن الاعتداءات التي نفذها المستوطنون كانت متوقعة، ومع ذلك طرح السؤال لماذا لم يعزز الجيش أو الشرطة قواتهما في حوارة للفصل بين المستوطنين والفلسطينيين.